الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصفقة والرد المطلوب

محمد السهلي

2010 / 11 / 27
القضية الفلسطينية


من الطبيعي أن تثير أنباء الصفقة الأميركية ـ الإسرائيلية القلق والتوجس داخل الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية وفي عموم المنطقة، فهي لا تتعلق فقط بمسار التسوية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والانحياز المعروف من قبل الإدارة الأميركية لصالح مواقف إسرائيل، بل تأتي أيضا في سياق التحضير لإبرام اتفاق أمني بين واشنطن وتل أبيب.
كما لا يمكن النظر إلى رزمة التقديمات الأمنية التي تضمنتها الصفقة باعتبارها جزءا من استحقاقات قيام الدولة الفلسطينية «الموعودة» التي يتفق الجانبان الإسرائيلي والأميركي على أنها يجب أن تكون منزوعة السلاح. لذلك فإن تزويد الجيش الإسرائيلي بعشرين طائرة من طراز إف 35 يعني أن المنطقة برمتها موضوعة تحت سيف الملاحظة الأمنية الأميركية ـ الإسرائيلية. وخاصة أن بنود الصفقة تضمنت تعهدا أميركيا بحماية السلاح النووي الإسرائيلي من المساءلة الدولية في الوقت الذي شددت فيه على زيادة الضغط على إيران على خلفية ملفها النووي.
هذا لا يعني أن ما ورد في إطار الصفقة تجاه المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يحتل جانبا هاما فيها، بل ربما هو مدخل للتعجيل بحسم موضوعة هذه المفاوضات دون الالتفات إلى المصالح الوطنية الفلسطينية عن طريق فرض سياسة الأمر الواقع على المفاوض الفلسطيني بالاستعانة بمصادر ضغط مختلفة.. قريبة وبعيدة.
واللافت في هذا المجال أن وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون عندما بحثت بنود هذه الصفقة مع نتنياهو قدمت له مقايضة من خارج اختصاص العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب فتعهدت بإفشال البدائل الفلسطينية عن المفاوضات ووعدت نتنياهو بقطع الطريق على المفاوض الفلسطيني نحو الأمم المتحدة وزادت على ذلك بأنها وافقت على استثناء القدس من التجميد المؤقت للاستيطان الذي اقترحته على نتنياهو مقابل رزمة واسعة وطويلة الأمد من التقديمات والضمانات السياسية والأمنية على أن يقبل نتنياهو بأولوية نقاش مسألة حدود الدولة الفلسطينية.
بهذا تجاوزت واشنطن حدودها السابقة في الانحياز لإسرائيل وأصبحت من خلال بنود هذه الصفقة تقف صفا واحدا مع تل أبيب في مواجهة المفاوض الفلسطيني الذي دخل هذه المفاوضات منذ انطلاقتها قبل نحو عشرين عاما متوقعا (واهما) أن يشكل الموقف الأميركي دعما لموقفه في مواجهة التعنت الإسرائيلي المتواصل. ومع فشل كل رهانات المفاوض الفلسطيني على الإدارات الأميركية التي واكبت مسار التسوية السياسية في الشرق الأوسط، إلا أنه استرخى للوعود الأميركية التي زخر بها الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة في حزيران / يونيو من العام الماضي وافترض خاطئا أن السياسة الأميركية تشهد مع قدوم الرئيس الجديد انعطافة جذرية تقطع مع سياسات واشنطن بما يخص الصراع الفلسطيني/ العربي ـ الإسرائيلي، لتؤكد الوقائع والتطورات على هذا الصعيد منذ الخطاب المذكور أن السياسة الأميركية كانت ولا تزال تدور في سياق تأمين المصالح الإستراتيجية لواشنطن والتي تتقاطع في مساحات كبيرة منها مع مصالح إسرائيل.
من هذه الزاوية، يمكن القول إن الصفقة التي نحن بصددها تؤكد صحة الاستخلاص السابق وتؤشر إلى أن واشنطن تنظر إلى حل القضية الفلسطينية من موقع «إخمادها» لما تشكله بالنسبة لها من مصدر لصناعة بؤر التوتر في المنطقة بما يعرقل سير قطار المصالح الأميركية بالسلاسة التي تريد. فهي تسعى لترتيب أوضاع المنطقة بما يخدم مصالحها وعلى طريق ذلك تبحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها أن تفرض حلا للقضية الفلسطينية تقبله الدول التي ترى واشنطن أنها معنية بالاصطفاف إلى جانبها في مهام ترتيب أوضاع المنطقة وتطلب في سياق ذلك مساعدتها لإقناع المفاوض الفلسطيني بقبول الحلول المقترحة بغض النظر عن المسافة التي تفصل بين هذه الحلول وبين الحقوق الوطنية الفلسطينية تحت عنوان أن هذا ما يمكن إنجازه فقط. وأن مرور الوقت دون حل سيؤدي إلى إنتاج حلول بسقف سياسي أكثر انخفاضا.
من حيث المبدأ، يفترض أن يستخلص من تداول هذه الصفقة بين واشنطن وتل أبيب أن باب المفاوضات المباشرة وغير المباشرة يجب أن يغلق من الجهة الفلسطينية لأن إبقائه مفتوحا ضمن ما هو مطروح يعني أننا أمام تصفية معلنة للقضية الفلسطينية ولا ينقصها سوى توقيع المفاوض الفلسطيني تحت سيل الضغوط الهائلة القائمة والقادمة. لذلك نفترض أن يقترن الموقف الفلسطيني بإغلاق باب المفاوضات بفتح بوابة البدائل الوطنية الممكنة وعدم الاستسلام للتهديد الأميركي بإقفال الطريق المؤدي إلى الأمم المتحدة.
في ردات الفعل على الصفقة المطروحة أعلن الجانب الفلسطيني على لسان الرئيس عباس رفضه العودة إلى المفاوضات المباشرة إذا لم يشمل تجميد الاستيطان مدينة القدس الشرقية وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إن الرئيس عباس أبلغ السفير ديفيد هيل مساعد المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل في اجتماع معه في رام الله (20/11) بأن هناك خمسة أسس تحدد الموقف الفلسطيني من الصفقة الأميركية ـ الإسرائيلية المتداولة وجاءت هذه الأسس على النحو الآتي:
1ـ رفض الربط بين الاستيطان والحوافر الأميركية لإسرائيل.
2ـ رفض أي تعهد أميركي باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار بشأن الاحتلال الإسرائيلي.
3ـ أن يشمل تجميد الاستيطان مدينة القدس الشرقية.
4ـ ضرورة استمرار تجميد الاستيطان في الضفة بما فيها القدس طيلة فترة المفاوضات.
5ـ رفض أية صيغة انتقالية للحل مثل الدولة ذات الحدود المؤقتة وغيرها.
وعلى الرغم من قناعتنا بأن واشنطن وتل أبيب قد أغلقتا بمواقفهما المشتركة باب المفاوضات، إلا أننا نود التأكيد على ضرورة التمسك بهذه الأسس ولكن مع إكمالها بالنقطة الجوهرية التي تم تجاهل طرحها ووضعها في مقدمة الأسس المذكورة وهي تحديد مرجعية المفاوضات. ونقصد بذلك قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي ـ العربي/ الفلسطيني. ونذكر هنا أن المفاوض الفلسطيني قد طرح سابقا بعيد لقاء نيويورك (22/9/2009) موضوعة المرجعية إلى جانب مطلبه السابق بوقف الاستيطان ولكنه تراجع لاحقا عن مطلب المرجعية واكتفى لوقت محدود بمطلب وقف الاستيطان وما لبث أن تراجع عنه أيضا.
وقد أكدنا مرارا بأن إرساء المفاوضات على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ونزول إسرائيل عند هذا المطلب تعني تحديد وجهة هذه المفاوضات باتجاه تنفيذ هذه القرارات وليس التفاوض حولها. لأن الدخول في تجربة المفاوضات المريرة السابقة دون تحديد المرجعية التي ذكرناها هو الذي أودى بمسار المفاوضات إلى هذه النتائج بعد أن استرخت واشنطن ومعها تل أبيب إلى مسلسل التراجعات الفلسطينية والعربية.
وفي السياق تطرح بنود الصفقة المتداولة سؤالا كبيرا برسم لجنة المتابعة العربية لتتمعن جيدا في نتائج الفرص المجانية التي تمنحها للإدارة الأميركية على شكل مهل يجري تمديدها ولم تقم إدارة أوباما خلالها سوى بإعطاء المزيد من الضمانات والتسهيلات لتل أبيب في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الفلسطيني وليس غيره إلى كل الضمانات السياسية والأمنية ليطمئن إلى حاضره.. ومستقبله الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -