الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين الجزء 13

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2010 / 11 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



إذا كانت مرحلة ماركس و إنجلس مرحلة تطوير المفهوم المادي للتاريخ بعد وضع أسس الدياليكتيك المادي ، فإن مرحلة لينين تعتبر مرحلة تطوير الدياليكتيك الماركسية على مستوى المعرفة و الدفاع عن المذهب الماركسي المادي ضد هجوم المثالية الذاتية و اللاعرفانية ، عبر دحضه للمذهب النقدي التجريبي الذي شوه مفهوم "الواقعية" بدعوى تطوير الماركسية ، و أعطى لينين لمفهوم "المادة" بعدا فلسفيا أدق و أشمل في قوله :

"المادة مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي". كتاب المادية و المذهب النقدي التجريبي.

و عكس ما يدعيه المناشفة الجدد اليوم عن النظرية الماركسية حول الإشتراكية فإن ماركس و إنجلس بصياغتهما أسس المذهب الماركسي عبر صياغة البيان الشيوعي اعتمادا على الدياليكتيك المادي، قد تجاوزا الطبيعة المثالية للمادية الكلاسيكية و ما واكبها من التأملية و صاغا أسس الصراع الطبقي باعتباره المحرك الأساسي للتاريخ. و اكتشف ماركس ديكتاتورية البروليتاريا كشكل طبيعي للدولة الإشتراكية التي عمقها بدراسته لثورة كومنة باريس ، و أضاف مزيدا من التدقيق لمفهوم الدولة الإشتراكية عبر نقده لبرنامج حزب العمال الإشتراكي الألماني في أطروحته "نقد برنامج غوتا" على ضوء مضمون "البيان الشيوعي " .

ففي مؤتمر غوتا الذي انعقد من 22 إلى 27 ماي 1875 تم توحيد حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي برئاسة بيبل وليبكنخت واتحاد العمال الألمان العام برئاسة لاسال ، و اتخذ الحزب الموحد اسم حزب العمال الإشتراكي الألماني ، و انتقد ماركس لاسال في منظوره إلى :

ـ علاقة العمل بالمجتمع لكون العمل مصدر الثروة و الثقافة ، شريطة أن يكون عملا اجتماعيا حيث لا يوجد مجتمع دون عمل.
ـ علاقة العمل باحتكار الملاكين العقاريين للأرض في ألمانيا لكون احتكار الملكية العقارية أساس الإحتكار الرأسمالي.
ـ علاقة دخل العمل بالتوزيع العادل للثروات.
ـ التمايز بين العلاقات الإقتصادية و العلاقات الحقوقية حيث أن هذه الأخيرة تنبثق عن الأولى.
ـ علاقة الدولة بالمجتمع.

لقد عمل لاسال على مهاجمة الرأسماليين دون الملاكين العقاريين الذين اعتبرهم حلفاء ، حيث لم يدرك إمكانية تمركز الإنتاج في الفلاحة الذي يؤدي إلى الإحتكار باعتبار الأرض من بين وسائل الإنتاج الرأسمالية.

و أكد ماركس أن لاسال زور محتوى البيان الشيوعي في "برنامج غوتا" لكونه انضم إلى التحالف مع الإقطاعيين ضد البورجوازيين ، مشددا على بعض المصطلحات التي اقتبسها لاسال من عصبة السلام و الحرية البورجوازية ك"تآخي الشعوب العالمية" مقابل التآخي العالمي بين الطبقة العاملة في مختلف البلدان.
و انتقد ماركس مفهوم "قانون الأجور" عند لاسال إذ في الوقت الذي يلغي فيه الدور الثوري للطبقة العاملة يسعى إلى إيجاد دور للدولة في بناء المجتمع ، و ذلك بابتداع ما يسميه "المسألة الإجتماعية" عن طريق "مساعدة الدولة" تحت رقابة"الشعب الشغيل بواسطة حكم الشعب" .

و في تناوله للدولة ينتقد ماركس موقف حزب العمال الإشتراكي الألماني في قوله ب"الدولة الحرة" في ظل النظام الإقطاعي للإمبراطورية الألمانية ، حيث اعتبر لاسال أن الدولة لا تنبثق عن المجتمع بل هي مستقلة عنه كواقع له "الأسس الروحية و الأخلاقية و الحرة" ، و يتحدث عن "الدولة الحالية" و "المجتمع الحالي" في الوقت الذي ينسى فيه أن ما يسميه "المجتمع الحالي" هو مجتمع رأسمالي ، و"الدولة الحالية" في الإمبراطورية الألمانية ليست كما هي في سويسرا و إنجلترا أو الولايات المتحدة الأمريكية.

واعتبر ماركس كل مطالب حزب العمال الإشتراكي الألماني عبارة عن ترداد لمفاهيم بورجوازية لحزب الشعب و عصبة السلام و الحرية .

لقد واجهت الماركسية منذ تأسيسها الرجعيين البورجوازيين و التحريفيين الإنتهازيين الماركسيين من البرودونيين و اللاساليين ، الذين يعملون على نشر أفكارهم الرجعية في أوساط البروليتاريا ، فخلال نصف قرن من ظهور الماركسية عمل ماركس و إنجلس على محاربة أعدائهما بدءا بالهيكليين باعتبار الهكلية عدوا أساسيا للماركسية ، مرورا بمجابهة البرودونيين بعد ثورة حزيران 1848 ، في طريقهما من النظرية إلى الممارسة العملية خاصة بعد تأسيس الأممية الأولى و طرد الباكونينيين منها ، و انتهاء بمواجهة دوهرينغ ليحرز المذهب الماركسي انتصارا ساحقا على المذاهب الأخرى التي تنافسه في الحركة العمالية كما قال لينين. و أصبحت التحريفية العدو اللدود للمذهب الماركسي ، فبعد أن فشلت البورجوازية في محاربته من الخارج حاولت نسفه من الداخل.

و كان للمهام الثورية للبروليتاريا لإنجاز الثورة الاشتراكية في تلك المرحلة دور كبير في اشتغال ماركس و إنجلس ببلورة مفهوم الحزب الثوري ، خاصة بعد التراجع الذي عرفته الأممية الأولى مما تطلب منهما تأسيس الأممية الثانية فكان نضالهما مزدوجا ، داخليا بمحاربة التحريفيين الانتهازيين عبر أطروحة ماركس "نقد برنامج غوتا" بعد انسحابهما من الأممية الأولى ، و خارجيا بمحاربة البورجوازية بالنقد المادي للرأسمالية كنظام تناحري مصيره الزوال و وضعا الأسس النظرية للثورة الاشتراكية.

و كانت مرحلة ماركس و إنجلس مرحلة أوج تطور الرأسمالية التنافسية/المزاحمة الحرة بعد سيطرة الرأسمال الصناعي على السوق التجارية العالمية ، لذلك فاستنتاجات الماركسية ملائمة للحركة الاجتماعية لتلك المرحلة التي أنتجت حركة معرفية ملائمة لعصر الرأسمالية التنافسية /المزاحمة الحرة. و ملاءمة الماركسية لعصر الرأسمالية التنافسية لا يعني أن استنتاجاتها الأساسية يمكن تجاوزها كما يدعي المناشفة الجدد اليوم ، خاصة على مستوى أسس الفلسفة المادية التي قطعت مع المثالية بوضع الأسس العلمية لمفهوم التاريخ و نقل الاستنتاجات العلمية من المستوى الطبيعي إلى المستويين الإٌقتصادي و الاجتماعي ، و هي أصعب مرحلة خاصة إذا اعتبرنا أوج تطور الرأسمالية بعد أقل من قرن من تحقيق انتصار الثورة البورجوازية ، و زامن هذه المرحلة التاريخية مع تطور العلوم الطبيعية بعد اكتشاف الآلة البخارية التي أحدثت تطورا هائلا في القوى المنتجة بفضل تطور العلوم الطبيعي خاصة الفيزياء ، الشيء الذي أحدث اضطرابا في الفكر اللاعرفاني الكانطي الذي سيطر على عقول أصحاب المذهب النقدي التجريبي.

لقد كرس ماركس و إنجلس حياتهما لدراسة تطور المجتمعات البشرية و اكتشفا القوانين التي تحكم هذا التطور من خلال إخراج دياليكتيك هيكل من الفكر إلى الواقع ، و أوضح ماركس أن الأساس الاقتصادي ذو أهمية قصوى في التحولات المعرفية ، لهذا يجب البحث عن مصادر الأفكار الجديدة في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة و أكد لينين على أن :

ـ الأفكار التقدمية مصدرها القوى المنتجة الجديدة في صراعها مع علاقات الإنتاج القديمة.
ـ التناقض بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج البائدة في النظام الاقتصادي السائد هو مصدر النزاعات الاجتماعية و تنامي الصراع الطبقي و بالتالي مصدر الثورات الإجتماعية.

و كل التحولات الإقتصادية في مرحلة تاريخية معينة تلازمها تحولات معرفية تتلاءم و مستوى هذه التحولات الإقتصادية التي تلازمها تحولات القوى المنتجة ، التي تفرز الأفكار و النظريات التقدمية الجديدة نتيجة تحولات حياة المجتمع وفق الشروط المادية لهذه المرحلة التاريخية ، و هذه الأفكار و النظريات تؤثر بدورها على الحركة الإجتماعية.

ويقول لينين :

"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية"، كتاب "ما العمل ؟".

و نرى أنه :

ـ في إنجلترا القرن 17: الثورة الصناعية أنتجت الأفكار الاقتصادية الجديدة و النظرية البورجوازية.
ـ في فرنسا القرن 18 : الأفكار البورجوازية أنجزت الثورة البورجوازية بقيادة الطبقة البورجوازية.
ـ في المانيا القرن 19 : الأفكار الماركسية أنجزت الثورة البورجوازية بقيادة البروليتاريا.
ـ في روسيا القرن 20 : الأفكار اللينينية أنجزت الثورة الاشتراكية بقيادة البروليتاريا.

و لمعرفة الجذور التاريخية للماركسية للينينية لا بد من دراسة الأساس الاقتصادي الذي أفرز الفكر الماركسي اللينيني كنظرية ثورية في عصر الرأسمالية الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، و لتحليل الجذور التاريخية للماركسية اللينينية لا بد من دراسة شروط الحياة المادية لتطور الأشكال الجديدة للوعي الاجتماعي و للأفكار و النظريات السياسية الثورية ، التي تمت بلورتها خلال البناء الإشتراكي الذي قاده ستالين و القوى المنتجة التي أفرزها النظام و الإقتصاد الإشتراكيين.
لقد اعتبر ماركس الدولة الأداة الطبقية التي تمارس بها الطبقة المسيطرة دكتاتوريتها و أكد على أن البروليتاريا لا بد لها من دولة دكتتاتورية بعد الثورة الإشتراكية لنشر الأفكار الإشتراكية و بلورتها في الواقع الموضوعي على اعتبار أن :

ـ مصادر الأفكار و النظريات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الحقوقية و الفلسفية و الفنية و غيرها توجد في شروط الحياة المادية للمجتمع / شروط الوجود الاجتماعي .
ـ تعتبر الأفكار و النظريات انعكاسا لشروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية و هي تمارس بدورها تأثيرها على تطور شروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية/الوجود الاجتماعي و القاعدة الاقتصادية للمجتمع .

و أكد على أن المحرك الأساسي للتاريخ هو الصراع الطبقي الذي يقوم على أساس الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة ، و الذي ينتج أفكارا و نظريات جديدة تقدمية على الرغم من بقاء بعض الأفكار القديمة و هي ليست أساسية في التغيير.

و الفكر الماركسي اللينيني الذي أفرزته شروط الحياة المادية للمجتمع في عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، يعتبر نظرية و تكتيك الثورة الاجتماعية الاشتراكية و أيديولوجية البروليتاريا في صراعها مع البورجوازية و يرتكز على معرفة :

ـ الدياليكتيك الماركسي/المادية الجدلية و المادية التاريخية.
ـ الاقتصاد السياسي لكل من ماركس و لينين.
ـ الاقتصاد الاشتراكي و النظام الاشتراكي لستالين.

و لمعرفة الفكر الماركسية اللينيني لا بد من دراسة شروط الحياة المادية التي أفرزته و خاصة شروط الحياة المادية للمجتمع في الإتحاد السوفييتي ، التي أفرزت أعمال لينين الفكرية و العملية قبل و بعد الثورة الاشتراكية و ما تلا ذلك من أعمال ستالين الفكرية و العملية.
و لمعرفة الجذور التاريخية للهجوم على الماركسية اللينينية اليوم لا بد من دراسة الشروط المادية التي أدت إلى انهيار النظام الاشتراكي بالإتحاد السوفييتي و خاصة في المرحلة الممتدة بين 1953 و 1990 ، و التي تم فيها الهجوم على ستالين من طرف خروتشوف و الزمرة البيروقراطية الحاكمة مستهدفين في هجومهم الماركسية اللينينية ، لضربها سياسيا و أيديولوجيا من أجل تدمير النظام الاشتراكي ذي البعد الاجتماعي و الرجوع إلى النظام الرأسمالي التناحري.

إن شروط الحياة المادية في تلك المرحلة تسير في اتجاه عرقلة القوى المنتجة الاشتراكية و بالتالي إنتاج أفكار و نظريات معادية للماركسية اللينينية ، حيث يعتبر الهجوم على ستالين هجوما على لينين من أجل هدم الإقتصاد الإشتراكي و بالتالي هدم النظام الإشتراكي ، و لا بد من الوقوف عند النظرية الماركسية اللينينية في شقها الإقتصادي من خلال مفهوم الرأسمال المالي لدى لينين في كتابه "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ، الذي يعتبر الأساس النظري لشروط الحياة المادية التي أفرزت الفكر الماركسي اللينيني باعتباره النظرية الثورية لعصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: اليمين المتطرف يتصدر الاستطلا


.. فرنسا: هل يمنع حزب التجمع الوطني مزدوجي الجنسيات من الولوج إ




.. هل يعتمد ماكرون استراتيجية تشوية اليسار في الدورة الأولة للت


.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح




.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم