الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأطروحة الانفصالية في الصحراء المغربية- الأجندة الجزائرية الخفية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حينما يردد المغاربة – حكومة و شعبا و نخبا سياسية و فكرية- أن مشكل الصحراء صنعة جزائرية خالصة؛ فإن الأمر لا يتطلب أي تأويلات إضافية؛ لأن شرح الموضحات من المفضحات؛ كما يؤكد المثل . نحن نعرف –كما إخواننا الجزائريون يعرفون- أن جبهة البوليساريو؛ من صنع المخابرات العسكرية الجزائرية؛ التي لم تستسغ أبدا استرجاع المغرب لصحرائه؛ و بشكل سلمي من خلال المسيرة الخضراء؛ التي لقنت الخصوم دروسا بليغة في الحكمة و التضحية.
و لذلك كان رد النظام الجزائري سريعا و يحمل أكثر من إشارة على التضايق الكبير من الخطوة المغربية الناجحة؛ التي تشكل تحديا استراتيجيا للحكومة الاشتراكية الناشئة؛ و التي تحمل معها حلما نابليونيا ضخما؛ كانت تسعى إلى تحقيقه؛ من خلال السيطرة على الجوار المغاربي؛ في انتظار توسيع الرقعة في اتجاه إفريقيا و العالم العربي ... !!!
و لعل هذا هو ما يؤكده الكاتب و الصحفي الجزائري (يحيى أبو زكريا) حينما ينقل لنا الحكاية الكاملة للولادة القيصرية لجبهة البوليساريو على الأراضي الجزائرية؛ و تحت رعاية كاملة للمخابرات العسكرية . " فقد أوعز الرئيس الجزائري الأسبق (هواري بومدين) إلى مدير المخابرات العسكرية في عهده (قاصدي مرباح) باحتضان مجموعة من الطلبة الصحراويين؛ الذين كانوا يدرسون في الجامعات الجزائرية- و منهم الأمين العام لجبهة البوليساريو- و مدهم بالمال و السلاح؛ و مساعدتهم بتأسيس جبهة تنادي بإقامة دولة في الصحراء الغربية" و يضيف الكاتب الجزائري موضحا : " كان هدف بومدين من هذه الإستراتيجية؛ هو إشغال المغرب بقضية الصحراء الغربية حتى لا ينشغل بصحراء تندوف (الجزائرية) التي كان يعتبرها العاهل المغربي الراحل (الحسن الثاني) مغربية أيضا. كما أن (بومدين) كان يحرص على أن يكون للجزائر مطلا على المحيط الأطلسي؛ و لن يتأتى ذلك للجزائر؛ إلا إذا تولت جبهة البوليساريو إقامة دولتها في الصحراء الغربية " (1)
إن هذه الحقيقة التاريخية التي ينقلها لنا كاتب جزائري؛ هي نفسها التي ينطلق منها المغرب الرسمي و الشعبي كذلك؛ لأن مسألة الصحراء؛ ليست قضية نظام سياسي و حسب؛ و لكنها قضية الشعب المغربي ككل؛ بجميع فئاته و تياراته السياسية و الفكرية...
و من هذا المنطلق؛ فإن المغرب على تمام الوعي؛ بالتدخل الجزائري المباشر في صنع كيان وهمي؛ و إلباسه لبوس المشروعية المزورة؛ عبر شراء ذمم الدول الإفريقية الفقيرة بأموال الشعب الجزائري؛ للاعتراف به؛ و كذلك عبر تجييش الدبلوماسية الجزائرية أمام المحافل الدولية؛ للدفاع عن الإيديولوجيا و المصالح؛ بأسماء مشبوهة مثل (روح الثورة الجزائرية- حق الشعوب في تقرير مصيرها ...) .
إن النظام الجزائري؛ حينما عمل على صنع (البوليساريو)؛ لم يكن ينطلق من مبادئ مثالية؛ كما قد يوهمنا الإعلام ألمخابراتي الجزائري؛ و لكنه كان مدفوعا بقوة المصالح الإستراتيجية؛ التي يمكن لكيان صغير ضعيف مثل البوليساريو أن يحققها له؛ و بأقل تكلفة ممكنة . و لذلك فإن هم جنرالات الجزائر ليس هو تقرير مصير الشعب الصحراوي –الذي هو بالمناسبة شعب مغربي بمعايير التاريخ و الجغرافية- و إنما هو تفكيك المغرب إلى قطع دومينو؛ كي يسهل التلاعب بمصيره؛ لتحقيق الحلم النابليوني لنظام دونكيشوطي؛ يريد أن يعيش خارج التاريخ؛ بعقلية بالية متهالكة !
و لذلك فإن الجزائر التي تبنت مشروع جبهة البوليساريو؛ و أيدتها إعلاميا و سياسيا و ماليا و لوجيستيا –يؤكد يحيى أبو زكريا- لا تريد أن ينتهي الصراع المرير حول الصحراء الغربية؛ دون أن تجني ثمارا سياسية و إستراتيجية؛ و على رأسها أن يكون لديها منفذا على المحيط الأطلسي؛ و أن تضع حدا (للأطماع) المغربية القديمة في صحراء تندوف (الجزائرية)؛ و ذلك عبر إقامة دولة صحراوية بينها و بين المغرب " (2)
هكذا يمكن أن نفهم جيدا الاقتراح الجزائري بتقسيم الصحراء المغربية مع المغرب !!! حيث يؤكد يحيى أبو زكريا في نفس السياق؛ أن الجزائر أبدت استعدادها للتعاطي مع مشروع التقسيم؛ بل إن المندوب الجزائري الدائم في الأمم المتحدة (عبد الله بعلي) و في رسالة له إلى الأمين العام للأمم المتحدة؛ أبدى استعداد الجزائر لمناقشة مشروع تقسيم الصحراء الغربية ! (3)
إن الطموح التوسعي الجزائري؛ في الصحراء واضح بجلاء؛ منذ خروج هذا المشكل المفتعل إلى العلن؛ من خلال الدعم الجزائري اللامحدود لأطروحة الانفصال؛ ليس باعتبارها تجسيدا لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم؛ و لكن باعتبارها أفضل السبل التي تحقق الحلم التوسعي لجنرالات الجزائر؛ على حساب الحقوق المشروعة للمغرب .
و ليس دعوة الجزائر إلى تقسيم الصحراء المغربية مع المغرب ! سوى قطعة الثلج التي تخفي جبل الجليد؛ لأن الحلم التوسعي للعسكر الجزائري؛ لا يتوقف عند الصحراء؛ و قد لا يتوقف عند المغرب !!!
موقع ويكيليكس .. الكشف عن المستور
كشفت الوثائق التي سربها موقع (ويكيليكس) مؤخرا؛ هذه الحقيقة بالدليل الواضح؛ من خلال الحوار الذي دار بين وزير الخارجية الجزائري الأسبق (عبد العزيز بوتفليقة) و وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر)؛ و الذي تم التركيز فيه على قضية الصحراء . (4)
و هذا الحوار يمثل إلى أبعد الحدود؛ السياسة الخارجية الجزائرية بخصوص ملف الصحراء؛ خصوصا و أن المحاور الجزائري هو (عبد العزيز بوتفليقة) عراب السياسة الخارجية للجزائر خلال الحرب الباردة. و هو نفسه الذي ما يزال يتحكم في خيوط اللعبة –و بنفس المنطق- إلى حدود الآن؛ حتى و إن تغيرت مهمته. فرغم أن الكثير من المياه جرت تحت الجسر؛ ما زالت السياسة الخارجية للجزائر ملتزمة نفس المقاربة و نفس المنطق السياسي (تقرير المصير- الاستفتاء...) !!!
يمكن التركيز في الحوار على مجموعة من المحاور؛ و التي تعتبر بمثابة موجهات أساسية للسياسة الخارجية الجزائرية؛ سواء خلال تلك المرحلة؛ أو خلال هذه المرحلة كذلك:


1- الربط الجزائري التعسفي بين قضية الصحراء و القضية الفلسطينية:
يتردد في الحوار ربط غير منطقي بل و تعسفي؛ بين قضيتين مختلفتين تمام الاختلاف؛ القضية الفلسطينية قضية كل العرب و المسلمين؛ و لا يسمح لأي أحد منا أن يزايد عليها؛ و هي قضية استعمار صهيوني للأراضي العربية؛ و القرارات الدولية واضحة في هذا المجال . و قضية الصحراء المغربية؛ التي تعتبر امتدادا ترابيا مغربيا؛ تم استرجاعه من المستعمر الإسباني؛ عبر نضالات شعبية؛ توجت بحدث المسيرة الخضراء سنة 1975 ؛ و قرار المحكمة الدولية في (لاهاي) واضح في هذا الإطار وضوحا تاما؛ حتى و إن عملت الجزائر على تحويره لخدمة مصالحها (التأكيد على الروابط التاريخية و القانونية بين المغرب و صحرائه). لكن السياسة الخارجية للجزائر تضرب بكل هذه الحقائق عرض الحائط؛ مصرة على أن القضيتين متشابهتين؛ و بالتالي يجب التعامل مع المغرب؛ دوليا و إقليميا كما يتعامل مع إسرائيل !!!
يخاطب بوتفليقة نظيره كيسنجر : أعتقد بأننا إذا أردنا أن نعالج الموضوع بطريقة سليمة، يتعين علينا أن نتكلم بطريقة صريحة ومباشرة.مشكلة الصحراء سابقة من نوعها في العالم وهي كذلك مشكلة مهمة بالنسبة للشرق الأوسط. و حينما يستفسر كيسنجر: لماذا هي ذات أهمية بالنسبة للشرق الأوسط ؟ يجيب بوتفليقة : هل تعتقد أن العرب سيتخلون عن الفلسطينيين في حالة ما إذا حصل اتفاق سلام بين مصر وسوريا والأردن وإسرائيل؟ الأمر سيان، لا يمكن التخلي عن الشعب الصحراوي أو حتى الشعب الناميبي. المغرب وموريتانيا جزء من المشكل وهم يسعون لتسوية القضية وحاليا لدينا قرار محكمة العدل الدولية . يتردد كيسنجر في قبول وجهة نظر بوتفليقة: لا أعلم ماذا يعني مفهوم تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء، إنني أتفهم الأمر بالنسبة للفلسطينيين لكن الأمر مختلف نوعا ما. لكن بوتفليقة يرد على تردد كيسنجر بنموذج آخر: إذن فشعب قطر ليس ذا أهمية. و يضيف بوتفليقة: لقد عاينتم وضعية احتلال الأرض في منطقة الشرق الأوسط، وسياسة الأمر الواقع، والجميع يتحدث عن المفاوضات.
إن هذا الربط التعسفي؛ بين القضية الفلسطينية و مشكل الصحراء الغربية؛ هو ليس إرث الماضي فقط؛ بل هو نفسه الذي ما يزال ساري المفعول إلى حدود الآن؛ و ما الصور المزورة الأخيرة لأطفال عزة؛ و التي تم ربطها بأحداث العيون؛ و روجها الإعلام الجزائري المكتوب و المرئي؛ إلا غيض من فيض هذه السياسة الوقحة؛ التي تستثمر في كل شيء؛ في غياب أدنى حدود أخلاقيات الممارسة السياسية .
2- المصالح الاقتصادية الجزائرية في الصحراء:
يروج النظام الجزائري؛ سياسيا و إعلاميا؛ أن دعمه للانفصال في الصحراء المغربية؛ هو نابع من دفاعه عن حق الشعوب في تقرير مصيرها؛ و هو نابع كذلك من إيمانه الراسخ بروح الثورة الجزائرية ! لكن الوقائع على الأرض تنفي هذه الادعاءات جملة و تفصيلا؛ و تثبت بالمقابل أن الدعم الجزائري للانفصال في الصحراء؛ هو ترجمة للمصالح الجزائرية في المنطقة؛ و التي تمر عبر كيان ضعيف؛ تابع بشكل كامل للنظام الجزائري .
يخاطب وزير الخارجية الجزائري السابق (عبد العزيز بوتفليقة) محاوره وزير الخارجية الأمريكي السابق (هنري كيسنجر) : ثمة (في الصحراء) ثروة كبيرة. في ظرف عشر أو اثنني عشرة سنة ستصبح(الصحراء) بمثابة كويت المنطقة. يستدعي بوتفليقة نموذج (الكويت) هنا؛ ليوحي لمحاوره بأن الولايات المتحدة ستستفيد اقتصاديا؛ من كيان صحراوي مستقل؛ أكثر مما ستستفيد من دخوله تحت السيادة المغربية؛ و النموذج واضح في نظر بوتفليقة: أمريكا تستفيد من بترول الكويت أكثر؛ بعدما دعمت استقلالها عن العراق . و المصالح الأمريكية –طبعا- يجب أن تمر عبر القناة الجزائرية؛ بمعنى أن كويت المنطقة التي يحلم بها (بوتفليقة)؛ ستكون امتدادا طبيعيا للجزائر؛ لأنها ببساطة صنيعتها الطيعة .
إن بوتفليقة حينما يقدم الصحراء بمثابة كويت المنطقة؛ فهو ينطلق من رؤية واضحة؛ تسعى إلى المحافظة على المصالح الجزائرية؛ خصوصا و أن الكثير من الدراسات؛ أثبتت أن منطقة الصحراء غنية بالمعادن، و سيما بعد أن تأكد وجود خام الحديد فيها . ويبدو هذا من خلال التقرير الذي أعطته إحدى الشركات الفرنسية المكلفة بدراسة استغلال الحديد في المنطقة، والذي مفاده أن نسبة خام الحديد في المنطقة يبلغ 75 %؛ وأن هذا الإنتاج إذا أضيف إلى إنتاج موريتانيا سيمثل نسبة 50 % من احتياجات السوق الأوروبية المشتركة (5)
هكذا يبدو أن الجزائر لا تتعامل مع مشكل الصحراء؛ من منظور حق الصحراويين في تقرير مصيرهم؛ و لكن من منظور المصالح الجزائرية؛ التي لا يمكنها أن تأمن عليها في المنطقة؛ إلا من خلال كيان ضعيف؛ لا يمتلك سيادة على الأرض .
3- التأويل الجزائري الخاطئ و المغرض لقرار محكمة العدل الدولية
ينطلق النظام الجزائري؛ و معه جزء كبير من الصحافة المخابراتية المأجورة؛ من مقدمة –بالمعنى المنطقي- يبنون عليها جميع الخلاصات اللاحقة؛ تقول هذه المقدمة؛ أنه صدر قرار من محكمة العدل الدولية؛ يقر بغياب أية روابط بين المغرب و إقليم الصحراء؛ و لذلك فهم يستخلصون أخيرا؛ أن مشكل الصحراء يدخل في خانة تصفية الاستعمار؛ و لذلك يجب على الأمم المتحدة أن ترعى خيار تقرير المصير في الصحراء .
لكن ما مدى صلاحية هذا البناء المنطقي؛ سياسيا ؟! هذا هو السؤال الحقيقي
أولا قرار محكمة العدل الدولية؛ يؤكد بالصريح و المباشر على العلاقات التاريخية و القانونية؛ التي تربط المغرب بامتداده الصحراوي؛ و ذلك من خلال توقف قضاة المحكمة على عنصر البيعة؛ كمعطى أساسي؛ يؤكد سيادة المغرب على صحرائه؛ و ذلك اعتمادا على وثائق تاريخية تثبت ذلك. و البيعة تعتبر في القانون الإسلامي أساس الشرعية السياسية؛ التي تتمتع بها الدولة؛ في علاقتها بالجماعة أو الجماعات التي تدخل ضمن سيادتها. و ذلك لأنها تعاقد بين الجماعة و السلطة التي تمثلها؛ انطلاقا من معايير واضحة يقبل بها الطرفان المتعاقدان. و من المؤكد تاريخيا؛ أن الدولة المغربية منذ تأسيسها مع الأدارسة (788-974 م) استلهمت روح القانون الإسلامي؛ الذي يربط أسس الشرعية السياسية بالبيعة؛ باعتبارها معيارا أساسيا يؤكد مشروعية أي نظام سياسي أو ينفيها . (6)
هكذا يبدو أن قرار المحكمة الدولية واضح؛ في إقراره بسيادة المغرب على صحرائه؛ و هو الإطار القانوني الذي أعطى مشروعية كاملة للمسيرة الشعبية؛ التي حطمت الحدود الوهمية بين المغرب و صحرائه؛ و أي تأويل مغرض لهذا القرار؛ فهو لا يعني المغرب بالتمام ؛ بل يعبر عن وجهة نظر استعمارية/ توسعية؛ سواء تعلق الأمر باليمين الإسباني؛ أو تعلق الأمر بالنظام الجزائري .
و بناء على هذه المشروعية القانونية؛ التي تؤكد على مغربية الصحراء؛ يبدو أن شعار تقرير المصير؛ المبني على أساس فكرة تصفية الاستعمار؛ يبدو أن هذا الشعار قد أصبح متهالكا؛ و لا يمتلك أية مشروعية قانونية أو سياسية . و هذا هو ما وعت به الأمم المتحدة ولو بشكل متأخر؛ و خصوصا مع المبعوث ألأممي السابق إلى منطقة الصحراء (فان والسوم)؛ و الذي اقتنع بعد بحث و تقص؛ أن خيار استقلال الصحراء عن المغرب؛ خيار غير واقعي؛ داعيا في نفس الوقت إلى حل توافقي؛ مستلهم من أرض الواقع؛ مؤكدا في الآن ذاته أن الواقع السياسي على الأرض يوجد بين يدي المغرب .
و في مقال رأي له؛ نشرته جريدة الباييس الإسبانية؛ الصادرة يوم الخميس 28 غشت 2008 ؛ انتقد المبعوث ألأممي؛ كل من يراهن على استقلال الصحراء عن المغرب؛ و يساهم بذلك بإطالة أمد معاناة الصحراويين؛ المحتجزين في مخيمات تندوف؛ و قد وجه نقده إلى اليمين الإسباني داعيا إياه إلى التساؤل عما إذا كان يفكر بشكل سليم؛ بتشجيعه البوليساريو؛ على الإصرار على الاستقلال التام. و السيد (والسوم ) كان في نفس الآن يوجه انتقاده إلى النظام الجزائري؛ الذي يركب نفس مركب اليمين الإسباني . (7)
لنعد مرة أخرى إلى المقاربة الجزائرية؛ التي عودتنا دائما على معاكسة منطق التاريخ كما منطق الواقعية السياسية؛ فللجزائر منذ العهد الأول لصناعتها للمشكل الصحراوي و حتى الآن؛ وجهة نظر أخرى في الموضوع؛ نابعة من أدبيات سياسية متهالكة؛ تصل إلى حد اليوتوبيا و الكوابيس الحلمية ! و قد جسد (عبد العزيز بوتفليقة) هذه السياسة خير تجسيد؛ سواء حينما كان وزيرا للخارجية؛ أو حتى الآن و هو رئيس الدولة .
و محضر الحوار الذي كشف عنه موقع (ويكليكس) يكشف بوضوح تام عن الرؤية الجزائرية بخصوص هذا الموضوع . يخاطب (بوتفليقة) محاوره (كسنجر) : المغرب وموريتانيا جزء من المشكل وهم يسعون لتسوية القضية وحاليا لدينا قرار محكمة العدل الدولية. و لما يرد عليه (كسنجر) معتمدا روح قرار المحكمة الدولية : القرار كان ملتبسا؛ يستدرك (بوتفليقة) نافيا خلاصة نظيره الأمريكي: أبدا. المحكمة اطلعت على مذكرة الدعوى فيما يتعلق بطرفي النزاع وخلصت إلى تبني الحل السلمي. و لما يشعر (بوتفليقة) أن الحيلة لم تنطو على محاوره (الداهية)؛ يلجأ –كعادته دائما- إلى التلفيق و التزوير مخاطبا محاوره: لقد قال لي في لاهاي أحد قضاة محكمة العدل الدولية بأن القضية مرتبطة بالتضامن مع الملك ؟؟؟ !!!
إنه تناقض مفضوح بالتمام؛ لا يمكن لأي عاقل أن يقبل به؛ و هذا ليس تناقضا شخصيا يرتبط ب (بوتفليقة) بل هو تناقض للنظام الجزائري؛ الذي كان يعلم علم اليقين؛ عند صدور قرار المحكمة الدولية؛ أن المغرب قد ربح القضية؛ بناء على معطيات تاريخية و جغرافية واضحة؛ تقدم بها المغرب إلى قضاة المحكمة . ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) يبدو –في الحوار- واعيا بهذه الحقيقة؛ لذلك يجيب محاوره بلغة دبلوماسية؛ تخفي أكثر مما تعلن: : القرار كان ملتبسا !!! لتختلط الأوراق على ممثل السياسة الخارجية الجزائري؛ و يعلن في الأخير موقفا متداعيا و متهالكا؛ لا يحمل رائحة و لا طعم السياسة و الدبلوماسية ابدا : لقد قال لي في لاهاي أحد قضاة محكمة العدل الدولية بأن القضية مرتبطة بالتضامن مع الملك ؟؟؟ !!!
و لعل أهمية ما جاء في هذا الحوار؛ ؛ تكمن في أن السياسة الخارجية للجزائر؛ لم تتغير منذ ذلك التاريخ و إلى حدود الآن؛ و ذلك واضح لان وزير الخارجية السابق؛ الذي صاغ هذه السياسة؛ هو نفسه الرئيس الحالي للجزائر؛ و لديه الوسائل الكافية أكثر من ذي قبل؛ لتطبيق سياسته بشكل أفضل .
و نحن هنا نتساءل مع الشرفاء من نخبة الجزائر؛ الذين استمالت بعضهم أطروحة نظام الجنرالات:
أين هو مبدأ تقرير المصير الذي يهتف به المسؤولون الجزائريون أمام المحافل الدولية ؟
أين هي مبادئ الثورة الجزائرية التي يزعمون أنها تقودهم في نضالهم لنصرة الشعوب ؟
أليست كل هذه الجعجعة في خدمة الطموحات التوسعية لنظام العسكر على حساب الحقوق المشروعة للمغرب ؟
إن النظام الجزائري بمعاكسته لمنطق التاريخ و الجغرافية و القانون الدولي؛ بخصوص قضية الصحراء؛ بناء على ادعاءات واهية ؛ تصل إلى حدود الأكاذيب المفضوحة؛ يقدم الدليل تلو الدليل؛ أنه نظام لا يعير أي اهتمام للمصالح المشتركة بين الشعبين الجارين؛ و لا يقدر التضحيات المشتركة التي ساهمت في طرد آخر فلول الاستعمار؛ من المغرب و الجزائر . فقد أدى المغرب ضريبة باهظة الثمن؛ في وقوفه إلى جنب الجار الجزائري؛ إبان فرض الهيمنة الاستعمارية الفرنسية عليه؛ و كانت النتيجة معركة إيسلي؛ التي كانت ردا مباشرا من السلطات الفرنسية على موقف المغرب؛ و منذ هذه المعركة دخل المغرب ضمن حسابات القوى الاستعمارية
إن النظام الجزائري بإصراره اللامعقول على مواجهة المغرب؛ بمنطق لا يستجيب لأبسط مقومات الواقعية السياسية؛ يتحمل مسؤولية تاريخية بخصوص المصير المغاربي المجهول؛ الذي لا خيار لشعوب المنطقة غيره؛ و أي تماد في معاكسة حقوق المغرب التاريخية المشروعة في صحرائه؛ هو إعلان حرب بصيغة غير مباشرة على طموحات شعوب المنطقة المغاربية؛ التي يجمعها مصير مشترك؛ تفرضه الجغرافية كما يفرضه التاريخ .
الهوامش:
1- أنظر: يحيى أبو زكريا- الطريق إلى الصحراء الغربية عبر تل أبيب- ناشري للنشر الإلكتروني- 2003- ص: 7
2- نفس المرجع – ص: 12
3- نفس المرجع – ص: 13
4- محضر محادثات "ويكيليكس" – وثيقة سرية للقاء بين بوتفليقة و كيسنجر حول الصحراء المغربية - أنظر جريدة الاتحاد الاشتراكي – 26-08-2010 – ترجمة جريدة الاتحاد الاشتراكي
5- مهابة أحمد ـ نزاعات الحدود بين بلدان المغرب العربي ـ مجلة السياسة الدولية ـ العدد 111 ـ مطابع الأهرام ـ مصر ـ 1993 ـ ص 242
6- أنظر: إدريس جندا ري – قضية الصحراء و ما حولها من هموم – جريدة الزمان اللندنية ع: 3720- الأربعاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2010.
7- مقال رأي للمبعوث الأممي إلى الصحراء (فان والسوم) في جريدة الباييس الإسبانية-الخميس 28 غشت 2008- نقلا عن وكالة المغرب العربي للأنباء .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يؤكد تمسك حماس بدور الوسطاء للتوصل لاتفاق متكامل لإنهاء


.. قرار الجيش الإسرائيلي بشأن -الوقف التكتيكي- لأنشطته العسكرية




.. الولايات المتحدة .. قواعد المناظرة الرئاسية | #الظهيرة


.. في أول أيام عيد الأضحى.. مظاهرة قرب السفارة الإسرائيلية بعما




.. بسبب منع وصول المساعدات.. غزيون يصطفون في طوابير طويلة من أج