الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوب زفاف للعالم الآخر

محمد كحيل

2010 / 11 / 27
الادب والفن


لم أتوقع أن حديثنا الهادئ سيفضي بها لنبش ذكريات طواها النسيان ، أو ربما حرارة الحديث استفزت ذلك المارد الذي أبى إلا أن ينفض عنه غبار المقابر ليملأ بصرخته المزعجة صفاء اللحظة التي كنا نعيشها .
بدأت سارة حديثها و الدموع تغمر عينيها :
كنت في السابعة عشر من العمر عندما طرق قلبي ذلك الإحساس الجميل لأول مرة ، استجاب قلبي لذلك الفارس الهمام ابن حينا و جارنا محمد كان في بداية العقد الثاني من العمر فقد رمى شباكه فما كان المرمى إلا قلبي الذي تربى على حنانه و وده و طيبته لقد كان أحد أبناء الأسرة فكانا والديَ يحبانه لأخلاقه و حسن معاملته فدخل البيت من بابه وأصبحنا ملازمين لبعض حتى أحسست بذلك الشعور الذي تملكه بالمسئولية عني كان يلازمني الطريق إلى المدرسة في الذهاب و الإياب و كان يحضر معه الطعام لأنه كان يدرك أني لم أتناول الطعام منذ الصباح لقد اتفقنا على الزواج بعد نهاية العام الدراسي ، امتلكني إحساس بان الدنيا قد أشرعت زراعيها لي لحياة ملؤها السعادة و الهناء لكن......ذلك الثوب الأبيض الذي حمله بيديه و تعطر برائحته لا اعرف لماذا كنت من حين إلى آخر أخرجه و اشتم رائحته فهو الثوب الذي جاء بيه محمد لأرتديه ليلة زفافنا فهو من ذوقه و اختياره لم تسعني الدنيا عندما جاء بيه لقد كان يأتي يوميا ليساعد أمي بدلا عني ليتيح لي الدراسة و النجاح ، اقترب العرس و بدأت الامتحانات لقد انشغلت عنه
تخاصمنا كطفلين يتدللا على بعضهما البعض ، زدت في دلالي عليه و لم يغير عادته بالحضور ، لكني لم أفهم سر هذا الثوب الذي كنت أضمه إلى صدري أو يضمني إليه كلما غاب عني حبيبي أو شعرت بالحنين إلى عطفه و حنانه ، غاب محمد و زاد شوقي إليه مضى يوم آخر و لم يأت ، بل أتتني أخبار كالصاعقة ، رحل محمد ولن يعود ... ، لم استوعب الخبر ، جفت الدموع في المقلتين ، لا بل رفضت أن تنزل حزنا و تأبينا لزمن جميل كنت أراه كل حياتي لم يكن باق على يوم فرحنا المأمول إلا أسابيع قليلة ، أحضرت ثوبي الأبيض لأفصله على مقاس فرحتي الكبيرة ، لكن الأقدار شاءت إلا أن تنزعه عني و تضيفه للثوب الذي زف فيه للعالم الآخر ، ففي يوم الجنازة وقد كان الكل مرتبك في حزنه الشديد لم يأتوا بالثوب الكافي لكفن محمد ، فطلبوا قطعة إضافية لم تكن إلا عندي ، كان الثوب الأبيض الذي تعطر بآمالنا و أحلامنا معا ، قدمته له و أنا أحس أنه قلبي و كياني الذي يمضي معه ، زف حبيبي للعالم الأخر رفع على الأعناق و ارتفعت روحي معه لتحلق مع روحه في السماء ، ارتفع معهما الحلم الجميل ، للفضاء الواسع وقد ضاقت بيه دروب الحياة على الأرض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إسرائيلي يعيد بناء أنفاق حماس تضامنا مع المحتجزين الإسر


.. صابر الرباعي: أتمنى المشاركة في عمل كوميدي مع أحمد حلمى أو ه




.. البلالين ملت الاستوديو?? أجمل أطفال الوسط الفني مع منى الشاذ


.. كواليس أخطر مشهد لـ #عمرو_يوسف في فيلم #شقو ????




.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟