الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين نقطتين قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2010 / 11 / 27
الادب والفن


قصة قصيرة
اتخذ من حقيبةِ ملابسه وبعض حاجاته مقعداً للجوسِ ، واحتمى من أشعة الشمس ، بظل الشاحناتِ الكبيرةِ ، المحملة بأنواع البضائعِ ن الواقفة منذ أيام تنتظر الأذن بالدخولِ ، وضعَ رأسه بين يديه وأطرقَ ينظر إلى الأرض اخذ منه التعب من طول الانتظارِ الجزء الأكبر من التركيزِ ،مما جعله مشتت الأفكار ، واثر كذلك على سلوكه ، لذا كانت السيكارة لا تفارق فمه ، وينتقل من ظلٍ إلى آخر ، يلتقي بمسافرين يمرون بنفس محنته ،أحسَ بأن الدنيا تدور وتتغير الألوان ، ويضعُ كفيهِ على عينيه خوفاً من الدوار .تزاحمت الأفكار ، أمام مخليته ، فَقَدَ القدرة على التركيز فأغمض عينيه مرة أخرى ، ظناً منه أن يجد مخرجاً لازمته . أخيراً رأى نفسه يستعيد جزءً من معاناته عندما أنهى الدراسة الإعدادية ، تحت وطأت الحياة الصعبة ، هيأ نفسه للدراسة الجامعية ،شاءت الأقدار أن يكون من حصة إحدى الكليات الإنسانية ، وبالتحديد قسم التاريخ ، حينها استاء من هذا الاختيار ، قال لأبيه لا أريد دراسة التاريخ حاول أبوه إقناعه قائلا :ــ
ــ إنً دراسة التاريخ ،تعني الحياة ،والوقائع الحيًةَ كان يعارض بشدة قائلا :ــ
ــ إن التاريخ يتطلب دراسة أسماء وألقاب وأرقام لاتعد ولا تحصى .
كان أبوه يحاول إقناعه قائلا :ــ
ـــ إنً كل شعوب العالم لها تاريخ تفخر به ، وستتعرف على حضارة بلدك ، والبلدان ،المجاورة لك ، وسيكون بإمكانك أن تضيف لحضارتك صفحات جديدة ، وإنً حركة التاريخ لها تأثير على مجرى حياة الشعوب ، إنً دراستك لهذه الحركة ستشارك بصنع الحياة البشرية ــ يقاطع أباه قائلا :ــ
ــ التاريخ لايصنع أية آلة أو مكانة تخدم الإنسانية ،أو يصنع الرفاهية للعالم ، ؟ يضحك أبوه معلقا على كلامه :ــ
ــ ألا تدري أن أي شعب ليس له تاريخ ليس له جذور في صنع الحياة ، والتاريخ ، يا بني هو تراكم كل ما فعلته الشعوب في حياتها، وهو سجل حضارة الأمم والشعوب ، ليكون لها كيان ،وأنت نتاج هذا التاريخ العريق ، وهنا يبرز دورك في أن تشارك في صنع الحياة .وأخيراً اتفق مع أبيه لإكمال دراسته ،وسط كل الظروف الصعبة كانت عائلته تُقاسمه لقمة العيش ، وهو يدرس في الجامعه خارج محافظته ، أحس انه كان سبب ثقلا كبيراً على أبيه
، ،مما أضطر والدهُ ،للعمل بعد الدوام الرسمي مساءً ليوفر جزء من راتبه المتواضع ، كان أبوه فخوراً بهِ بأنه سيحصل على شهادة البكالوريوس وشهادة عليا
جال بنظره في كل الاتجاهات ، رأى نفسه في غابة من الشاحنات وسيارات الركاب وكتل بشرية ، قسم محشور في داخل الحافلات والقسم الأخر ضاقت به الأرض ، وخرج يتجول وهو يعبر عن امتعاضه من هذا الوضع ، أخذ يعزي نفسه إنه ليس الوحيد بين هذا الكم الهائل من الناس ، كل له معاناته يسأل هل يحملون نفس ألمه ؟ أو أي ألم ؟... تزاحمت الأفكار وصلت به أن يضرب رأسه بقبضته يده .. أخذ نفساً عميقاً ، ، أمتزج بدخان عاد مات السيارات شعر بدوار . كاد أن يسقط على الأرض ، لولا تشبثه بإحدى الشاحنات ، جلس على حقيبتهِ ببطيء شديد ، خلص نفسه من سموم الهواء بسعال متواصل ، أسعفه احد المسافرين بقدح ماء ..غسل وجهه وشرب الباقي سال المسفر :ــ كيف الحال.
ــ الحمد لله .. أحسنت . شكراً جزيلاّ .
ــ لا شكر على واجب ، كلنا أولاد حواء وآدم .
أحسَ بهدوء أعصابه .. لمواساة الرجل له ، ولكن عقدة الألم أثارت شعوره مرة أخرى ، ما السبب هذه الإجراءات . المحتل الذي يدعي الصداقة .. وأبناء بلدي الحبيب ، لماذا يلقى المواطن هذه المعاملة السيئة . دفعت به الأفكار فكانت النتيجة إنه طلب من أحد الضباط الذين يشرفون على تنظيم دخول المسافرين والشاحنات الكبيرة أن يتحدث معه .. فسأله :ــ
ــ أخي أنا مواطن وأريد العودة لبلدي بعد غربة دامت سنوات .؟ أتدري كم عانيت ؟ وكم باب طرقت ؟ .. كنتُ أتلقى الاهانة بصدر رحب !! . وأقول يا غريب كن أديب . وبعد هذه الأحداث الاخيره انقطعت صلتي بأهلي ؟
حدق الضابط المسؤل بوجهه .بألم ، توقف الكلام بينهما .. لفترة من الزمن ، هزَ رأسهُ دليل على الرضا ، عن الوضع السائد على الحدود .وقال :ــ
ــ الأمر ليس بأيدينا ــ بيد المحتل ــ ،هو الذي يأمر وينهي .
ــ رد عليه مع الأسف الشديد .. رقابنا بيد المحتل !!
ــ لكن سنحاول مساعدتكم بقدر الإمكان .
حدث نفسه .. العودة إلى الوطن كألم الخروج منه . انظم الى جماعته المسافرين .. تناقش الجميع على كيفية الدخول إلى نقطة التفتيش ..أبدى كل واحد رأيه ..احدهم ،قال :ـــ نسلك الطريق البري لمسافة طويلة ثم نركب السيارات
ـــ والأخر .. نعقد اتفاقاً مع سائقي الشاحنات ونعبر واحد بعد الأخر .. أكد الأخر ، نقدم شكوى للمدير المسول ، عسى إن يساعدنا ، بينما هم يتناقشون ، سمعوا نداء الضابط المشرف على تنظيم الدخول ..
ــ أخوان .. اقتربوا ، الضابط الأمريكي يقول كل مواطن تجاوز عمره الخامسة والأربعين ،من حقه الدخول إلى الوطن فقط ، ولا يجوز لمن دون ذلك ، رجع الجميع إلى ملاذهم تحت ظل الشاحنات ، كلٌ يندب حظه ..
ــ قال احدهم ..لماذا خرجت ؟
ــ والأخر ، ( ساعة السودة يوم الرجعت بها إلى الوطن ) .
ــ سألته امرأة كبيرة السن ،عن سبب تأخيره .
ــ أ جابها .. أمي رفض الأمريكان ،دخول الشباب العائدين إلى الوطن ، أصبحوا هم أهل الدار ، ونحن الغرباء .
ــ أجابته .. ابني الدنيا بالمقلوب ، وما العمل ؟
ــ والله يا أمي لا ادري .إني أنهيت عقد عملي في الخارج والرجوع يكلفني الكثير ، !! ــ أجابته ولايهمك بني ..أنا أمك وسترافقني عند الدخول . ماذا قلت ؟
ــ أجابها وغيري من الشباب ؟
ــ قالت كل العراقيات أمهاتهم ( عمت عينه الأمريكي ) أنتابه شيء من الفرح لمقترح المرأة العجوز .. وردد كل العراقيات أمهاتكم . طرح فكرته على الشباب بدى عليهم الارتياح لهذا المقترح . عسى الفكرة تنجح .. حملوا حقائبهم ، وتوزعوا على الحافلات ، وعلى السيارات الصغيرة ، تقبلت بعض النساء الفكرة وأبدين مساعدتهنً ، وتحفظ البعض منهنً قائلات .. مَنْ يقول إنكم عراقيين وكيف نتأكد من ذلك ... ألايمكن أن تكونوا إرهابيين ؟ تدخلون البلد بطريقة غير مشروعة ؟
التقت الوجوه مرة أخرى .. البعض تعلو وجهه ،إبتسامةالفرح والأخر أصابته نكسة عند سماعه البض من النساء ،قال أحدهم :ــ
ولا يهمكم ، الناس مثل أصابع اليد ، غير متساوين في الطولِ . سترون من ترحب ،أن تتبنى شاباً بهذا العمر ، إنها الأم أيها الأخوة ، ويعود الأمل إلى وجوه الآخرين . بادر الأخر قائلا :ــ الوطن يعرف أبناءه ، وأبناؤه يعرفون الوطن .. الوطن عزيز ، تفرق الجميع ، وغابت الوجوه ،اندمجت مع العوائل العائدة ، وشيء من الهدوء يسود نقطة التفتيش .. سأل ضابط التفتيش ؟
ــ جوازك ،هويتك ، وسأل الآخرين
ــ أنتم عائلة واحده ؟
ــ أجابه الرجل نعم ، عائلة واحدة .
ــ وهذا الرجل ؟
ـ ابن اخي .. وهو يرافقنا ، تنقلت عينا الضابط بين الجواز، والهوية وبين الوجوه المحشورة في السيارة الصغيرة .
ــ هل أنت متأكد من ذلك ؟
ــ نعم .. نعم متأكد !!
ــ أنا أساعدك ، لكن خوفي من الضابط الأمريكي أن يرفض دخولك .. الى الوطن
ــ عز على الرجل قول الضابط فقال ــ متى كان العراقي يخاف يا بني ؟ !
ــ أجابه للضرورة أحكام .. يا عم .
اجتازت السيارة نقطة التفتيش الأولى ، وبعد مسار ليس بالبعيد ، كانت نقطة ( التفتيش امريكيه ) استوقفنا احد الجنود تقدم أحد الضباط ومعه مترجم ونبرة قوية طلب الجوازات وأوراق ثبوتيه أخرى .. وبعد تدقيق سأل المترجم .. هذا الرجل من العائلةِ؟ ـ أجابته المرأة العجوز .ز بعد أن احتضنته .وضمته الىصدرها .
قالت :ــ نعم أبن أختي وهو مريض
ــ أطرق المترجم .. لبرهة من الزمن ثم قال :ـ
ــ أمي كلنا أبناءك ، بارك الله فيك.
ــ سأله الضابط ماذا تقول المرأة ؟
ــ أجابه إنه ابنها ..
حدقَ بها من خلال نظارته السوداء .. ثم تحدث بكلام غير مفهوم وأشار بإصبعه إلى العبور ، رفع الشاب رأسه والتفت إلى الحدود ، كان يدعو لزملاء هان يحالفهم الحظ ويجتازون الحدود....!

قصة حقيقية
محمد عبد الله دالي /في آب 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل