الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف النظير ، الشاعر النظير ، الصعلوك النظير .. إلخ

عبد العظيم فنجان

2010 / 11 / 27
الادب والفن


تجد نفسكَ ، فجأة ، مدانا بتهمة ، في أفضل الأحوال ، ملفقة ، لكن رائحتها تعط من خلال جملة، يشع ظلامها في قلبٍ كنتَ تحسبه أبيض مما ينبغي . أنتَ المصاب بحمى المحبة ، المصرّ على أن يكون صباحك مغسولا ببحة الرخام في صوت فيروز ، غصبا عن الانفجارات والموت والخراب : أنتَ الذي تتوسد الفاقة ككنز نادر ، تتنقل بين تيجان الاغاني ، وتعانق الويلات بقلب عامر بالأمل . أنتَ الموصوف بالضعف لفرط الطيبة : لكن .. لأنك هكذا تعتقد الأمر غريبا ، ناسيا أنكَ تعيش في الغابة ، وإن كان هاجسك يرفرف خارجها أبدا : هل فكرتَ بأن الطعنة ضرورية ؟ ليس من أجلك على الأقل ، وانما ليؤكد لكَ مـَن كنت تحسبه أبيض القلب أنكَ واهم ، فما صاحبكَ هذا - مع باقي الأفيال - الا قطعة من السخام : الناتج الطبيعي لبنية الادعاء التي تتحكم في سلوك المثقف النظير ، الذي يلعب دور اليساري على الورقة ، ويعيش كأي آكل للحوم للبشر في الحياة : لـِمَ الاستغراب ؟
أليست هذه طروحتك التي لم تكملها ، مستسلما لكسلكَ الملائكي ؟


لقد كان حريا بكَ ، منذ زمن طويل ، أن تضع النقاط على الحروف ، قافزا على الأسماء التي يلـّمع حذائها النقد الاخواني والاجتماعي ، فاضحا تلك البنية المهلهلة ، التي لم تتوقف بعد عن تخصيب نشاطها في اخوانيات شاعر من نوع هذا الذي تحوّل الى راسبوتين معاصر ، جامعا المحضيات الضحايا الساذجات والغبيات ، من حوله ، في مدن الشبكة العنكبوتية ، لاعبا دور المبشـّر بالنور والزقزقة ، والمناهض للخراب : المناصر لحقوق المرأة : الشاعر بالقوى التي تدمر الانسان .. وكم طريفا أن يكون هو في الطليعة ، وأنتَ في آخرالموكب ، لأنها الحياة ، ولأنه اكثر دراية منك ، فهو جزء من الماكنة التي تدمر وتخرّب الجمال في الانسان ، من خلال اللعب بالكلمات :

إن من بين أخطر الكائنات على البشرية يقف في المقدمة الكائن السياسي الذي ينتج كلاما ، ولا يحوّله الى معطى عملي ، الى جانبه، الى جانب هذا الكائن المسخ ، وبنفس الخطورة ، يقف " الشاعر النظير " الذي ينتج كلاما لامعا ، يبقيه في حيـّز القاموس الشعري ، الذي تحول الى متحف مفتوح ، لايستقبل الا هياكل عظمية لديناصورات معاصرة ، جاهزة ، في أية لحظة ، لأن تثب من موتها المزيف الى حياتها المزيفة :
فهذا النوع من " الشعراء " من الممكن أن يكون في طليعة المناهضين للحرب ، بالتوقيع على ورقة احتجاج ، هي ورقة انتساب الى حرب اخرى ، ضد الموّقعين على نفس الورقة ، في اقرب فرصة :
من الممكن جدا أن يكون هذا " الشاعر " على رأس منظمة لرعاية الطفولة مثلا، فيما هو يمارس مع اطفاله العنف الاسري .
من الممكن أيضا أن يكون هذا متجليا في كاتبة أو كاتب ينادي بحرية المرأة وبحقها في الزواج والحب والعمل ، ولكنه يمارس مع بناته دور الطاغية : الدكتاتور الصغير ، في داخله ، الذي لا يعتاش إلا بممارسة دوره الأثير : خطاب رنان بالرفاهية ، من شاشة التلفاز ، وسجون واقبية ، وغرف سرية لاعتقال الحرية : حرية المرأة بالزواج والحب والكتابة .

الاعتقال الاسري هذا هو من صلب العبودية المتأصلة في هذا المثقف ، أو ذاك الشاعر :
فلا تستغرب منه ان يعتبرك متصابيا إن كبت قصيدة حب ، وهو يترنم ، للمفارقة ، بإغنية حب لفيروز التي تجاوزت السبعين عاما من عمرها : خلط الأوراق بغباء موهبة شائعة ، و هي احدى ميزاته ، ولكن هذا الخلط لا يأتي إلا ليعتقل الاسرة بكاملها ، فهو لا يستطيع أن يبسط سلطته على الجيران !

لاتناقض في الأمر ، فقد نشأ أمثال هؤلاء المثقفين في مجتمع منع عليهم التفكير بشكل حر ، وتلقوا دروسه الثورية من خلال الاحزاب الشمولية ، ولذلك هم مع اليمين ساعة اليمين وفي اليسار ساعة اليسار : يأكلون من مائدة بينوشيت في الظهيرة ، وفي الليل يسكرون مترنمين بأغان فيكتور جارا.

المثقف النظير صديق الاثنين : تروتسكي ، وحامل الفأس الذي سيحز عنقه ، ولديه من المهارة لأن يرثي الاثنين بقصيدة تحمل نفس الحرارة والدفء . من المحتمل جدا أن يكون هذا هو الـ" سوبرمان " النيتشوي المزيـّف ، الخارج من جحود العقل ، لا من رحابة الفلسفة ومعطفها الذي لا يستر عري الحقيقة : هذا النوع من " منتجي الكلام " هو المطلوب ، المرغوب ، والمفضـّل ، عند رعاة الخراب ، في كل العصور ، فهو المرشح الأفضل لأن يلعب دور سبارتكوس ، الذي سيحرر العبيد ، من أجل اغتصاب زوجاتهم ، في جمهوريته الفاضلة .

إنه فائق القدرة ، وباستطاعته أن يتجشم عناء الافكار ليقدم لك باقة من اجملها وانبلها ، وليس عجيبا أن تسمع منه كلاما ما لم تقله ، لأن لديه القدرة على استقرائك حتى قبل أن تنطق ، فهو يعمل في منطقتك ، يرفع رايتك ، سوى أن باطنه منجم للفحم ، وباطنك منجم للدرر ، ومن هنا يبدأ القتال الصامت : الصراع الخفي القديم بين ما هو عضوي وماهو متفسخ .

هذا المثقف اخطر من الاصولية الدينية ، لأنه أكثر وعيا منها باعتماده ستراتيجية الخفاء والتجلي : الخفاء الذي يغطي عقيدة جامدة لا تقبل أي حوار مع الآخر ، والتجلي الذي يعلن عن استعداد مفتوح للحوار مع الآخر : لكنه حوار لا غير ، لأنه يبقيه في حيـّز النواة الباردة - حسب تعبير المفكرادغار موران - التي لاتقبل التفاعل مع اي منتج حار :
وللطرافة ايضا .. وربما لزيادة البؤس ، لاتستغرب منه أن يكون متشبثا بأذيال شاعر حقيقي : بوهيمي وصعلوك لن يتكرر ، مثل جان دمو ، فهو - أي الشاعر النظير - لابد من أن يلعب هذا الدور ، متخذا تسمية اخرى هي " الصعلوك النظير " : إنها الفضيحة ، فهذا النوع من " الصعاليك " يمكن أن ينام على الرصيف ، أو أن يتعلق بأغصان الحدائق كبلبل مشرّد ، ليس لأنها طريقة في الحياة ، تكشف عن رؤيا باطنية للاشياء ، وإنما لأنها مسلك نحو الأضواء ولفت الانتباه ، سيجذب اليه الدعوات لمهرجانات العهر الشعرية كمتمرد يتمرّغ - يا للمفارقة - بين يدي مضيـّفيه ، حيث هناك يمكن أن يحصد الجائزة من هذا المهرجان أو ذاك ، ليعلقها كوسام على صدره ، كأي عروة بن الورد ، لكن المزيف ، والمنقطع الجذور عن كل السلالة النبيلة التي انتجت ظاهرة الصعاليك في التاريخ الانساني كله .
لأنه هكذا : لأنه بلا أصل فلابد من أن يلقي عليكَ أثقاله ، فإذا كتبتَ ملاحظة أو دراسة عن شاعرة ما ، فسـّر ذلك بدونية ، هي تجل لكبت تراكم في اعماقه ، نتيجة عيشه القسري والاختياري تحت ثقل العوق الروحي والنفسي، الذي فرضه عليه ثالوث الحزب / العائلة / المدرسة ، فلم تفلح حتى ثقافته اليسارية من كشط أطيانه ، لأنه يقرأ لا ليتمثل ما يقرأه ، وإنما ليردده كالببغاء هنا وهناك : هكذا ستجده لايلتفت الى ماتقوله عن مبدعة قد رحلت عن الحياة مثلا ، فهو أمر لايستفزقذارته :الاحياء من المبدعات هو كل مايعنيه ، ولتذهب سافو او آنا اخماتوفا الى الجحيم ، كما أنه لا يكترث لشاعر كرينيه شار ، ليس لأنه ميت ، وإنما لأنه رجل ، فليس ثمة رقة - كما يعتقد هذا النوع من الفحول - في شاعر كجاك بريفير أو سان جون بيرس ، قدر مايعتقد ان الرقة التي تحرّك وتداعب خياله المريض موجودة في المرأة المبدعة ، التي يفصـّل جسدها حسب غرائزه ، وهو يقفز بين السطور كأي ثعلب ، باحثا عن العنب ، فإن حدث وكشفتَ عن جوهر لم تفلح مجساته الصدئة في اكتشافه ، اتهمك بالمجاملة ، وفي أفضل الاحوال ترك ما تقوله ، وتوجه بمعوله النقدي لتهشيم ذلك الجوهر ، زاعما انه هذيان أو يأس ، ناسيا - هو الفلتة - أن الهذيان ، أو التداعي الحر هو أخطر انتاج في عصر لايقين فيه ، وأن اليأس لايعني الا الصدق في الاحساس أزاء الاشياء ، خاصة بعد أن استفحل أمثاله بتصديرهم لتفاؤل مزيف ، هو نسخة مصورة من زيف وجوده كله ، ومن زيف حياة ثقافية قائمة على الفحولة ، لازالت تنظر الى ماتنجته المرأة بعين عوراء ، لاترى فيها سوى حفنة انفعالات طارئة ، فالإنفعالات الخالدة - حسب هؤلاء الجاهبذة - خاصية رجالية ، مادام الرجال قوامين على النساء ، حتى في الكتابة !

كم رغبتَ أكثر من مرة أن تكتب عن هذه التجربة او تلك ، التي تخص مبدعات ، لاتعرفهن شخصيا ، لكنك وجدتَ ذاتك فيهن ، وجدت أنهن شريكات لك في محنة وجودك ، أو وجدت نصفك الضائع في لواعجهن ، وكم ترددتَ ، وتراجعتَ ، ليس خوفا من هذا الفحل أو ذاك ، وإنما تحاشيا لوضع من أحببتَ عملها في موقف لايحسد عليه ، فالنشر المجاني اللامسؤول على شبكة النت ، أتاح للطارئين على العملية الابداعية أن يمارسوا هوايتهم في نهش أعراض الناس علانية ، بوجود مواقع تعلن عن نفسها انها تدعو لثقافة التسامح ، فيما هي مختصة بنشر غسيل الحروب القذرة ، وقد حدث لك ذلك في موقع مشهور ، عندما كتب أحدهم مايشبه الاعلان أو الدعوة لسفك دمك ،مع نشرصورتك ، لأنك فضحت مجموعة من هؤلاء المثقفين بالاشارة ، وليس علنا .. كم أردتَ أن تجري حوارا غير مألوف مع تلك المبدعة أو هذه القاصة ، وتراجعتَ في الاخير ، حتى بعد أن اتفقتَ معها : تراجعتَ متحملا ما قد يدور في ذهنها من تصور سيء عنك : لكن ان تكون أنتَ السيء افضل ، من ناحية الفروسية ، من أن تكون هي السيئة بعد نشر الحوار : هكذا فإن مشاريع كثيرة تتعطل ، وهكذا أنتَ مجبر على الظهور بمظهر لايليق بك : ربما من اجل ذلك لم تعد تعلق على ما تكتبه تلك الزميلة أو هذه الصديقة بعباراتك المجنحة المعروفة عنك ، لئلا ينصرف تعليقك الى غاية لم تقصدها ، كما حدث اكثر من مرة ، تحت ايحاء فحل من اولئك الفحول ، كانت امنية عمره هي ان تكتب عن انتاجه كلمة واحدة في يوم من الايام .

هكذا أيضا إن لمعتَ وسط الظلام عدّ ذلك مدفوع الثمن ، وأنك لابد وأن رشوتَ الناقد الفلاني او العلاني ليكتب عنك ، وفوق ذلك فهو مستنفر قواه الى أبعد حد ، حتى في تسفيه وتفنيد كلام قاله عنك يوما من الأيام ، ولعلك تسأل : ما السبب ؟ والجواب بسيط وعميق : لأنك تعمل كهاو ، وتنتج حسب الخبرة ، أما هو فيكتب بحسب العادة ، لاغير .

إنه الاخطبوط والاعيبه لاتنتهي عند حد : إن اكتشف أنك صديق لهذا او ذاك سبقك اليه ، هاشا باشا ، كأي خادم مطيع ، من أجل أن يبني جسور القطيعة : إنه يقرأ كل شيء بلعابه : مامن صحيفة تعمل بها الا وكاتب رئيس تحريرها محذرا إياه من صعلكتك ، بل ومن معاداتك لنهج صحيفته : مامن فضائية تعمل فيها الا و رشّ في طريقك عبوات تلفيقاته الناسفة ، مامن اذاعة تدخلها الا وقد وجدت منه ورقة توصي بطردك : وفوق ذلك كله فهو سرعان مايقتحم عزلتك مواسيا حظك العاثر : إنه ليس العدو بعينه ، بل العدو ، والعدو النظير أيضا ، بعد أن ولى زمن العدو الفارس ، وحل محله زمن العدو الجبان .. هناك أيضا تفاصيل مرّة ، لو توسعتَ في المكاشفة ، فأنتَ لاتكتب من أجل أن تجذب اليك حفنة من المعجبين أو المعجبات : أنتَ تكتب من أجل أن تساهم في بناء عالم افضل ، كما تراه ، ولم يكن هاجسك يوما ليذهب نحو الانخفاض حد توقيع بطاقات المعجبين ، فالشاعر غريب حتى وسط عائلته ، وهو بين احضان حبيبته ، بل وغريب حتى عن نفسه ، لكنك مجبر على أن تلبي الفرح لهذه او تلك ، لأنك قررت أنك انسان قبل ان تكون شاعرا ، مبتعدا عن اعتبار نفسك - كما هو شائع - كائنا فوق تاريخي : أنت تحب وتكره وتزعل وتبكي وتضحك ، كأي كائن بشري ، وعندما تقتحم حياتك امرأة ما ، كبيرة أو صغيرة ، أو عندما يقتحم حياتك كائن بشري آخر - بالمعنى الاعم - تجد نفسك مجبرا ، بحكم كونك انسانا ، على التعامل معه على قدر اقتحامه لحياتك ، وكم مرة حصل وإن تلقيت رسالة حب أو عشق من هذه أو تلك ، ووجدت نفسك مربكا ، فأنت اكثر الكائنات - كما تزعم - التي تريد ان تحول الكلمات الى معطى مادي ، فكيف تتصرف ؟

اتوقف هنا عند حادثة حصلت لكَ ، من بين مرات عديدة ، عندما وجدتَ نفسك محاصرا من كل جانب بها ، مستغربا من أن ذلك يحصل بسرعة ، وقبل الاوان ، فما تكتبه لا يعنيها ، بل لايعني أي امرأة في الكون ، سوى امرأة موجودة في خيالك فقط ، لكن " النظير " لابد من أن يتدخل ، فيوحي لها أنك تخصها وتستدرجها الى منطقتك الحرام ، وكأنك في حرب : لا اعرف أي شيء فيكَ يجعل منك خصما لهذا أو ذاك الى هذه الدرجة ، فأنا أحفظك عن ظهر قلب ، وأعرفك كما يعرف الطفل أجفانه ، فلستَ تحمل اي قدر من الكراهية حتى لهذا النظير ، لأن الكراهية مكلفة كما تلقيتَ ذلك من معلمك الاول، في بداية دخولك مدرسة الحب ، وأكثر ما يجعل الامر غريبا عليك أن يصدر مثل هذا التخصيص من " شاعر " يدعي أنه " صعلوك " وأنه غيرمرتبط بأي مؤسسة ، وكأن الكراهية ليست مؤسسة ، خاصة عندما تعتمد ستراتيجية النبش في حياة الناس ، والتلصلص على حميمياتهم .

لقد كتبتَ مرة عن ذلك ، في ذلك الزمن الأغبر ، حين كان بعض (( الصعاليك )) الذين عرفتـَهم ، قد انكشفوا امام عينيك كحفنة من الكحوليين لاغير ، ومع ذلك لم يبارحك الاحترام لهم ، فهم يتعلقوا بأذيال أي مؤسسة ، حتى مؤسسة المعارضة المناوئة لصدام ، رغم مناطق البياض فيها : كم لاحظتَ أن " الصعلوك النظير " هذا بلا إرث ، وكأنه الفراغ الذي يتخندق حول الفراغ ، في معركة وهمية ليس لها أول ولا آخر ، وكم قاربتَ بين خيارك في أن تكون هامشيا وطارئا ، أو في أن تكون في المركز ، فاخترت - بعد صراع مرير - أن تكون عابر السبيل : " لامن ماء هؤلاء شربتَ ، ولا من دمع اولئك " .

اقول : كتبتَ مرة عن ذلك كله ، فلم أنتَ حزين ، كما لو أنك لم تكتشف من قبل أن المرآة لاتعكس سوى الطنين ؟

سيلاحقك نبلك كجريمة ، أيها الصديق ، وستموت وحيدا ، بعيدا حتى عن اقليتك الهائلة التي بدأت ببتر الطارئين عليها ، وستخسر مـَن أحبوك أيضا ، بإرادتك ووعيك ، خوفا من أن تمسهم العيارات النارية الطائشة : ذلك هو منتهى النبل ، ومنتهى الحب والصدق : أن تخسر أنتَ من أجل أن ينجو الاخرون - الاخريات من حروب ، لاطائل من ورائها ، لأنك اخترتَ ان تكون الشاعر لا النظير : الصعلوك الحقيقي لا المزوّر ، وقد دفعتَ الثمن باهظا مرة بعد مرة : أتذكر يوم رفستَ رئيس التحرير بحذائك ، بعد أن اكتشفتَ أنه لم يكن الا مقاولا سياسيا ، يخدم دولة ما ، غير عابئ بما قد يجر عليك ذلك من ويلات في بلاد الاخرين ؟ لست بحاجة للتذكير لكنني يجب أن أواسيك ، من أجل أن تظل تمارس هوايتك الجميلة : أن تضع رأسك على وسادة ، وتذهب لتنام على وسادة اخرى : أنتَ تعرف أن مثل هذه الالعاب تستفز الآخر - النظير : الصعلوك المزيف ، كما استفز الشعراء الموتى استاذهم بالوقوف على مقاعد الدرس : هكذا الامر أيها الشاعر : كلما كتبتَ اغنية وجدتَ نظيرك ينهق بشبق حيواني ، جارا معه قطيعا من الحمير الى قدّاس العهر ، حيث كل معنى جميل تنطوي عليه اغنية ما لابد أن يخص امرأة لايتورع " النظير " من تسميتها والتشهير بها ، لأنه خال من كل شرف ومسؤولية ، وحيث كل وردة مرسومة على قميصك لابد وان تكون مسروقة من حدائقه ، لأنه يعتقد أن ناصية الحقول بيديه ، وأن ما يزرعه الناس يجب ان يقع ثماره في سلاله ، كأي اقطاعي ، وحيث كل ترنيمة لـ " قمر " انما هي تورية : قناع تخفي وراءه جريمة ، لأنه يعرف صحيفة اعمالك الموبقات ، كأي مخبر ، أو كما لو أنه يعرف أنكَ كنتَ مغتصِـبِا ، أو لاعبا بعواطف تلك أو هذه ، وهو المسؤول عن كشف الحقيقة ، الذي لابد من أن يفضحك ، فيما الأمر كله بالنسبة لك لايعدو كونه مجرد محاولة لاغير ، فلستَ مطمئنا ، لحد الان ، في أنك كتبتَ القصيدة التي تستحقها المرأة ، تلك التي لم يرها أحد سواك ، والتي لم تـُظهر نفسها لواحد غيرك ، رغم أنكما لم تلتقيا مرة واحدة ، فهي متوارية في ما ستكتب من قصائد ، كما قلتَ في اغنية الشعراء الموتى ، وأنتَ عار وحيد ، تركض في المرايا جامعا آثارها ، فلا تجد في آخر مرآة الا امرأة لاتعرفها ، وقد كتبتَ عن ذلك اغنية أيضا ، لكن الباحث عن الممكن ليس كالراكض وراء المستحيل ، فلم يفهمكَ هذا أو ذاك ، واعتبروا الأمر لعبة ألفاظ : امرأة / مرآة ..
آه ، كم كنتَ بريئا ؟
كل نجاح لهم كنتَ تحسبه نصرا لك ، فيما كانوا في كل خسارة لكَ يوزعون الاوسمة على بعضهم ، أعرف مدى مرارتكَ ، وهم يرحلون صديقة بعد صديقة ، وصديقا بعد آخر ، لكن الامر لايخلو من فائدة لو تأملتَ جيدا : هم ببساطة انجذبوا اليكَ ، ولم تذهب اليهم ، وكان دافع انجذابهم ليس كونك شاعرا، وانما هو البحث عن النبع المشع في طواياك ، كي يلمعوا بصحبتك ، غير أن هذا النبع حوّلهم الى عميان ، لشدة النور ، ففروا واحدا تلو الآخر. ها أنتَ تبكي ، وحسنا تفعل : إنه نشاط رائع ان تغسل العالم بدموعك ، فكما كتبتَ يوما اغنية لتحطيم انف العالم ، فإن على العالم ان يحطم انفك : انه الفعل ورد الفعل ، لكن .. ابكِ ، وابك .
لتنظف أكثر ، ولأن أنفك لم يزل في مكانه ، فيما خرجوا من حياتك وانوفهم مكسورة .
ربما آن الأوان لأن تطلق صيحتك البربرية ، كما وايتمان : " أعيدوا لي وحلي ، لماذا تسرقون مني شيئا لاتفهموه ؟ "



....................

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_