الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكومونة والسوفييتات -4

أنور نجم الدين

2010 / 11 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ما الكومونة؟

لا تعني الكومونة سوى امتلاك الإنسان نتاج نشاطه الإنساني بنفسه، فالإنسان يتصرف بكل حرية، وفي جميع وظائفه ونشاطاته الإنسانية، حين يستهدف بإنتاجه إرضاء حاجياته الإنسانية النوعية.

وهكذا، ففي الكومونة يشترك الإنسان في النشاطات الاجتماعية، لا بسبب أنه تابع للغير -للسيد- بل بوصفه عضوًا في المشاعة، ولا بوصفه سيد العمل، بل بوصفه فردًا إنسانيًّا، فكما يقول ماركس، في المشاعة:

"يجد الفرد نفسه في وضع معين لكسب قوته بحيث لا يجعل هدفه اقتناء الثروة بل الاكتفاء الذاتي، وإعادة إنتاج ذاته كعضو في الجماعية" (ماركس، نصوص حول أشكال إنتاج ما قبل الرأسمالية).

هذه هي الكومونة، فالإنسان يظهر في الأصل ككائن نوعي لا ككائن سياسي، وليس هدف الكومونة سوى إعادة الإنسان إلى الجماعة التي يستهدف الفرد فيها فقط إعادة إنتاج ذاته بوصفه كائنًا نوعيًّا، فحاجيات الإنسان النوعي هي حاجيات إنسانية لا طبقية.

وهكذا، ففي كل الأحوال، وفي كل المراحل التاريخية من التطور البشري، يتعلق الأمر فقط بعلاقة الإنسان بالإنتاج، فما غاية الإنتاج: الإنسان أم الثروة؟

يقول ماركس: "يبدو تصور العالم القديم، حيث يظهر الإنسان دائمًا على أنه غاية الإنتاج، أرفع شأنًا بكثير من تصور العالم الحديث، حيث الإنتاج هو غاية الإنسان، والثروة هي غاية الإنتاج" (ماركس، نفس المرجع السابق).

وهكذا، فالإنسان بالمعنى الأوسع للعبارة -النوع- هو الغاية الأساسية للكومونة، لذلك لا تنطلق الكومونة إلا من المعالجة الواعية للعلاقة بين الإنسان والإنتاج، فغاية الكومونة هي نفس الغاية التي يظهر فيها الإنسان على أنه غاية الإنتاج، الأمر الذي يتناقض كليًّا مع غاية المجتمع السياسي، والتي هي فقط تراكم الثروة؛ لذلك لا تنطلق الكومونة إلا من النزاع مع المجتمع السياسي وهدفه المحدد: اقتناء الثروة!
فالثروة في المجتمع السياسي هي الغاية الأخيرة للإنسان، ولا يوجد مجتمع كهذا إلا مع وجود كائن سياسي لا يستهدف من الإنتاج سوى تراكم الثروة الشخصية، أو التمتع الشخصي بفائض العمل وروائع نتاجه.
لذلك سيكون من المستحيل تغيير الإنتاج بحيث سيكون الهدف منه إرضاء الحاجيات الإنسانية النوعية، دون القضاء المسبق على الحالة التي تنتج بالضرورة كائنًا سياسيًّا يطمح فقط تجميع الثروة –أو امتلاك فائض العمل، وهذه الحالة ليست سوى الجماعية السياسية نفسها. وكيف يا ترى ممكن القضاء على هذه الحالة، دون إيقاف وريده الأساسي بصورة مسبقة وهو السيادة السياسية؟

كيف نعود إلى الحياة النوعية؟

إذا ما قارنَّا بين الحياة السياسية للإنسان وحياته النوعية، نرى أن الحركة الإنسانية بمجموعها تجري وتتطور دون الإرادة البشرية الواعية المشتركة، يعني دون أية خطة إنسانية مسبقة، لذلك يبقى كل تطور هنا محدودًا بالتطور الخامل، وحيد الجانب، البطيء للمجتمع السياسي نفسه، فالتطور هنا ممكن فقط ضمن دائرة مغلقة: الثراء والفقر، الرفاه والبؤس! فالتطور الحر للمجتمع والفرد الإنساني، يتناقض كليًّا مع الأصل التاريخي للجماعة السياسية وكائنها السياسي، فالفرد السياسي، الفرد المنعزل، المواطن، الإنسان الأناني، لا يتصرف كإنسان ولا يتطور ككائن إنساني حر، فكل فرد يعيق الآخر بطريقته.
أما هدف الكومونة فهو تنظيم وإخضاع الحركة الحياتية للمجتمع للإرادة الجماعية للإنسان، وهذا من خلال إعادة الفرد إلى رابطته الإنسانية. وهذه الرابطة غير موجودة، كما أثبتت الكومونةُ نفسُها في ظل سيادة الإنسان على الإنسان.
لذلك فأول ما قامت به الكومونة هو هدم الإدارة السياسية، وتحويل الوظائف السيادية إلى وظائف اجتماعية، فدون تحويل الإدارة إلى إدارة الأشياء، وتنظيم أمور الإنتاج والتوزيع، وإلغاء الوظائف السيادية مرة واحدة، لا يمكن للبشر دخول مملكة الحرية؛ فالحرية، والمشاركة الحرة في تنظيم المجتمع تعني بكل بساطة التحرر المسبق من السيادة.
وهذا ما أثبتتها كومونة عام 1871 في أول إجراءاتها ضد العالم القديم: عالم سيادة الإنسان على الإنسان!
Email: [email protected]

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال