الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكومونة والسوفييتات -5

أنور نجم الدين

2010 / 11 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إجراءات الكومونة:

إن أول ما قامت به الكومونة هو تدمير المركزية السياسية في المجتمع، ثم دفع الإدارة إلى مستوى مجتمع المنتجين أنفسهم، فحققت الكومونة هذا الشكل الإداري من خلال انتخاب ممثليها الإداريين جميعًا، وقد كانوا مسؤولين، وكان يمكن نقض عضويتهم في أي وقت كان.
إِذًا فقد قامت الكومونة بتدمير الماكينة البيروقراطية للدولة وتحويلها إلى محرك ذاتي لإدارة الإنتاج والتوزيع، فكانت الكومونة الشكل التاريخي للتحرر الاقتصادي للعمل، والدعامة المادية لتحطيم أساس سيادة طبقة على طبقة، وثم تنظيم التعاونيات الانتاجية تحت اشراف ادارة كومونية، ووفقًا لخطة اجتماعية مشتركة، تقود إلى محو الأساس الاقتصادي للنوبات الدورية والأزمات الاقتصادية للمجتمع القائم، وهو أساس الفعلي للمجتمع الشيوعي.

وهكذا، فلقد تخلصت الكومونة من التسلسل الهرمي للإدارة السياسية مرة واحدة، ولكن لا لأن الكومونيين لا يعجبهم السيادة، بل لأن السيادة هي التي تعيق الفعالية الحرة للمنتجين في تنظيم أمورهم اليومية، وانشاء تعاونياتهم الانتاجية، وثم توجيه نشاطاتهم نحو تلبية الحاجات الاجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع.
ولقد عوَّضت الكومونةُ جميعَ أنواع الأجهزة القمعية -الشرطة والجيش النظامي الدائم- بميليشيا شعبية، وكانت أداةً اجتماعية لتطوير الثورة في إنجاز مهامها، أو الشرط الضروري لدفع المجتمع نحو الأمام، أو كما يقول ماركس:

"وهذا كان أول شرط اقتصادي ضروري لكل تقدم اجتماعي" (ماركس، كومونة باريس، تعريب فارس غصوب، ص 133)

وهكذا، فهدم الجماعية السياسية لا بد أن يبدأ من هدم دعامتها الاجتماعية -أي الأجهزة البوليسية- فهو شرط اقتصادي ضروري لأداء المهمة الاجتماعية التاريخية التي تأتي الكومونة من أجلها. لذلك لا يمكن تأجيل هدم الحياة السياسية للمجتمع إلى أجل غير معروف في التاريخ بحجة "الفترة الانتقالية" و"اضمحلال الدولة التدريجي"، فلا يمكن للمجتمع أن يخطو خطوة واحدة نحو تنظيم جديد للإنتاج، دون التخلص المسبق من الأجهزة الاجتماعية التي تمر من خلالها كل الحياة السياسية للبشر.
ومن هذه الإجراءات الكومونية نستخلص الدرس التاريخي الأول للكومونة، وهو أن كل فرد في المجتمع، يجب أن يساهم في شؤون إدارة المجتمع، وهو شرط ضروري مسبق لوجود الكومونة ذاتها.
وهذا الإسهام غير ممكن دون تحويل المسبق للوظائف السياسية للإدارة إلى وظائف اجتماعية عامة تضطلع بها إدارة كومونية.
وليست للبروليتاريا مصلحة خاصة في تنظيم نفسها في الدولة، وهي اليوم مثل الأمس، تشكل الأكثرية الساحقة من المجتمع، وتعيش سلفًا في حياة تعاونية في العمل.

مَن الذين تقوم البروليتاريا بتمثيلهم؟

حين تشكل البروليتاريا كتلة عظمى من المجتمع، فهي تقوم إذًا بقلب الوضع القائم لأجل المجتمع كله لا لأجل ذاتها بوصفها طبقة، وهي بهذا المعنى لا تحتاج أن تصبح طبقة سائدة في المجتمع، ولكي تُمَثِّل بصورة فعلية مصالح المجتمع كله، فعليها الإطاحة بالسيادة بالمعنى التاريخي للعبارة لا الحفاظ عليها بحجة "بناء مجتمع جديد"؛ فالمسألة تختلف جدًّا بين البرجوازية والبروليتاريا، فالبرجوازية تمثل مصلحتها الخاصة في مصلحة عامة تسمى في آخر الأمر مصلحة الدولة، أي على أنها مصلحة مشتركة لجميع طبقات المجتمع، لذا فإنها مضطرة أن تعطي مصالحها الطبقية الخاصة طابعًا عموميًّا في سيادتها، ومن ثَم تعطي أفكارها وسياستها شكلا عموميًّا على اعتبارها الأفكار والسياسة الوحيدة الصالحة للمواطنين بأجمعهم دون التمييز بين انتماءاتهم الطبقية.
ولكن الأمر يختلف كليًّا بالنسبة للبروليتاريا، فهي من جهة المجتمع بأكملها، ومن جهة أخرى فهي ليست لها أفكار خاصة بها؛ نظرًا لأن مصلحتها مصلحة جماعية لكافة أفراد المجتمع، فإنها مجردة سلفًا من كل مصلحة طبقية خاصة بها إزاء مصلحة أخرى تسمى مصلحة المجتمع، فمصلحتها هي سلفًا مصلحة المجتمع. لذلك فإنها غير مضطرة تاريخيًّا لأن تقوم بتمثيل مصلحة سياسية عامة تسمى في النهاية مصلحة الدولة. فعلى عكس البرجوازية التي كانت تمثل حركتها في زمانها، المصالح الخاصة للطبقات المتملكة الأخرى في المجتمع، فلا تمثل مصلحة البروليتاريا أية مصلحة خاصة مثل مصلحة الفلاحين مثلا في الحفاظ على ملكيتهم الصغيرة، أو إصلاح ملكياتهم، وأراضيهم، وميكنة زراعتهم، وتحسين حياتهم الريفية الخاملة، فهدف ثورة البروليتاريا هو محو الملكية لا الاحتفاظ بها.
وإذا كان الهدف من ثورة الكومونة هو إلغاء الطبقات، فلا يبقى ثمة شيء يسمى مصلحة الفلاحين الخاصة، ولا تبقى مصلحة سياسية عامة تعبر عنها البروليتاريا في نظام سياسي محدد لمصلحة الفلاحين أيضًا، وبوصفهم طبقة لهم موقع معين في الإنتاج الاجتماعي.
إذًا فتشكيل البروليتاريا في طبقة سائدة، ومساعدة للفلاحين بوصفهم متحالفين مع البروليتاريين المدن، ليس له في الواقع معنى تاريخي، فالبروليتاريون الريفيون مثل البروليتاريين المدينيين، لهم هدف اجتماعي واحد، ولا يصبح هذا الهدف واقعًا تاريخيًّا ما لم يحدث مسبقًا استقطاب طبقي على المستوى المجتمع -المديني والريفي- بأكمله، وهذا الاستقطاب هو الذي يؤدي في النهاية إلى الانتظام الطبقي لطبقة البروليتاريا على مستوى المجتمع كله، وهذا شرط تاريخي من شروط انتصار ثورة الكومونة، وثباتها، وتطورها.

وهكذا، فليست للبروليتاريا أية مصلحة خاصة لتحافظ عليها في سيادتها السياسية على المجتمع، وإنها تعيش سلفًا في علاقة اللاملكية واللاسيادة، وإن انتصارها في الثورة لا تجعلها طبقة سائدة، لأن البروليتاريا تختفي وراء انتصارها، لأنها انتصرت فقط على ذاتها وعلى شروطها التي تجعلها البروليتاريا وهي الملكية الخاصة، كما يقول ماركس. وما قامت به الكومونة فهو هدم المركزية لا تغيير شكل المركزية في المجتمع.
وكانت درجة الانتصار النهائي لثورة الكومونة تتوقف على درجة الانتظام الطبقي المسبق للبروليتاريا على صعيد المجتمع كافة. وهذه الدرجة من الانتظام تتوقف على درجة التطور الصناعي والعمل التعاوني الناتج من هذا التطور، فالكومونة لم تكن اختلاق العقل، أو ابتكار محبي البروليتاريا، أو مبادرة المثقفين الذين يدافعون عما تسمى بالطبقات المظلومة -البروليتاريا والفلاحين- أو اقتراح ماركس أو باكونين، بل نتاج التطور التاريخي لكل الحركة الصناعية، والتجارية، وإنشاء السوق العالمية، وإعادة تنظيم العلاقات العمومية للبشر في العالم بموجبها. وبموجب هذه الحركة العمومية، دخلت البروليتاريا مرحلة من التطور لا بد أن يعلن فيها مسألة جديدة في التاريخ، وهي القضاء على الطبقات والسيادة الطبقية.
فكيف يكون ممكنًا أن تصل البروليتاريا إلى هذه الدرجة من التقدم دون استقطاب طبقي مسبق؟ فبدون تكامل الأمور جميعًا -تطور القوى المنتجة العالمية، والتنظيم الاجتماعي للمجتمع، والحياة التعاونية للبروليتاريا في العمل، والوعي الطبقي الناتج منه، وتناسق الإدارة السياسية وبرلمانها- إلى هذا الحد من التطور، فمن غير الممكن الحديث عن الكومونة، وعند وصول التاريخ إلى هذا الحد من التطور، فلا يبقى ثمة شيء أمام البروليتاريا سوى الاطاحة بعالم أصبح بالفعل كومونيًّا -تعاونيًّا- في العمل بصورة مسبقة، ولكن في شكل متناقض.

إذًا ففي الاستقطاب الطبقي الباريسي نجد شروط نجاح الثورة، وفي درجة الاستقطاب الطبقي في المستوى الوطني نجد درجة ثبات الثورة ، أما في درجة الاستقطاب الطبقي في المستوى الأممي، فنجد درجة تطور الثورة.
Email: [email protected]
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال