الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل السودان بعد الاستفتاء

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 11 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


يعتبر السودان أكبر دولة افريقية من حيث المساحة التى تقدر بأكثر من مليونى ونصف المليون كيلومتر مربع ويقطنها نحو 27 مليون نسمة. وهنالك نحو أربعمائة لغة ولهجة مختلفة موزعة على 597 عشيرة وجماعات أثنية. وبالإضافة إلى الديانتين السماويتين "الإسلامية والمسيحية" فإن أهلها يعتنقون أيضا ديانات وثنية. والجدير بالذكر أن منطقة جنوب السودان تمثل أكثر من ربع مساحة السودان ويسكنها أكثر من 10 مليون نسمة وهذه المنطقة تقع على الحدود الإثيوبية حيث يحدها من الجنوب كينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو ومن الغرب جمهورية أفريقيا الوسطى. لقد تم التوصل لسلام شامل ووقف إطلاق نار دائم بعد توقيع اتفاقية نيفاشا (2005م) بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية متمثلة فى حزب المؤتمر الوطنى وبموجب هذه الاتفاقية فإن أهل الجنوب سوف يتوجهون فى يناير المقبل إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ببقاء الجنوب جزءا من السودان أو انفصاله تماما عن الجسد. والسؤال: هل سيتعرض السودان للانقسام أم لا؟

من السهل الإجابة على هذا السؤال لو تتبعنا تاريخ الصراع بين شمال وجنوب السودان وهو صراع طويل يتضمن أخطاء جسيمة ارتكبها السياسيون عبر السنين ليدفع السودان اليوم ثمن هذه الأخطاء. فمنذ قيام الحركات القومية فى الأربعينيات ونشأة الحزبين السياسيين الكبيرين فى شمال السودان "حزب الأمة والحزب الوطنى الاتحادى" فقد تم تجاهل أصوات الجنوبيين فى تحديد مستقبلهم. لقد كان الحزبان يتأرجحان بين القوتين المتصارعتين فى السودان: مصر وبريطانيا. فحزب الأمة الذى كانت تباركه الحركة المهدية كان ينادى بضرورة الانفصال عن مصر. أما الحزب الوطنى الاتحادى والذى حاز على دعم الجماعة الختمية الصوفية التى أسسها محمد عثمان الميرغنى فكان ينادى بالاتحاد والوحدة بين مصر والسودان. من الواضح أن السودانيين العرب فى الشمال لم يولوا أى اهتمام للجنوب ولم يكن لديهم النية لاقتسام السلطة مع الجنوبيين الأفارقة.

من الملاحظ أن جنوب السودان لم يعانى من الإهمال فحسب بل عانى من ويلات الحروب الأهلية قبل وبعد استقلال السودان فى عام 1956م. فالحكومات السودانية ظلت تحارب جيش المتمردين من حركة انيانيا منذ عام 1955م واستمرت الحرب حتى بعد استقلال السودان فى 1956م ولم تتوقف رحاها إلا فى عام 1972م حين أقدم نميرى على توقيع اتفاقية سلام مع الحركة غير أن الاتفاقية كانت محكوما عليها بالفشل لأن الحكومة لم تكن تملك تصورا لمجتمع ديمقراطى يقوم على التعددية. فالسياسات التى كانت تهدف إلى فرض الثقافة العربية واللغة العربية والديانة الإسلامية على الجنوب زادت وطأتها مع زيادة التقارب مع مصر والسعودية.

وبعد اكتشاف البترول فى السبعينيات قرر الرئيس نميرى أن يسيطر على البلاد وأختار أن يضع نهاية لاتفاقية السلام حيث اتخذ عدة إجراءات استفزازية ضربت الاتفاقية فى مقتل. لقد أعلن أن البترول لن يتم تكريره فى الجنوب. كما قام بحل الحكومة المنتخبة فى الجنوب وقام بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم. ولكى ينال تأييد الشعب فى الشمال فقد قام النميرى فى 8 سبتمبر 1983م بفرض الشريعة الإسلامية فى كل أنحاء السودان. وكان هذا الإعلان المسمى بقوانين سبتمبر بمثابة انتهاكات صارخة لاتفاقية السلام. لعل كل هذه الخطوات أدت إلى اندلاع الحرب فى 1983م حيث تمردت وحدات جيش الجنوب وتسلحت القبائل وشكلت مليشيات تابعة لها وانتهزت أثيوبيا الفرصة لدعم قوات التمرد التى تشكلت منها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق. لقد تحولت الحرب الأهلية إلى جهاد حيث توحدت الجبهات فى الشمال وتأججت المشاعر بغرض المحافظة على وضع الجنوب وثرواته وشعبه تحت السيطرة الشمالية. وقد استمرت الحرب 21 عاما مما كان له بالغ الأثر فى انعدام البنية التحتية والدمار والهجرة ومقتل أكثر من مليونى ونصف مواطن جنوبى وتشريد أكثر من 5 مليون آخرين.

وما إن حل عام 1986م حتى حدث انقلاب أنهى حكم النميرى فى السودان لتحل محله حكومة ائتلافية مكونة من الأحزاب فى الشمال وبرئاسة الصادق المهدى. المثير للدهشة أن هذه الحكومة انهارت بعد ثلاث سنوات عندما قامت الحركة الإسلامية التى تزعمها عمر البشير والترابى فى 1989م بالاستيلاء على الحكم ثم قامت الحركة بحجب كل الأحزاب السياسية لتتحول السودان إلى دكتاتورية مما حدا بهذه الأحزاب إلى أن تتحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لتشكيل جبهة التحالف الوطنى الديمقراطى. ولم تتوصل حكومة البشير إلى اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية إلا فى عام 2005م والذى بموجبها سيتقرر مصير الجنوب فى يناير القادم.

من المؤكد أن التجارب الدامية التى عاشها أهل الجنوب سوف تظل عالقة فى أذهانهم ووجدانهم ولن تمحوها السنون ولن تزيلها وعود الحكومة السودانية التى باتت مقتنعة بأن الدلائل تشير إلى أن أصوات الجنوب تتجه بثبات نحو دعم الانفصال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب