الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعاد وجيش الاحتلال

دنيا الأمل إسماعيل

2004 / 9 / 19
مقابلات و حوارات


حين سمعت بقصتها، لم يكن لدّي تصور كلى لحجم الدمار المادي والنفسي الذي لحق ببيتها وأسرتها، لكني عندما خطوت خطواتي داخل منزلها المحترق من الخارج، أدركت قيمة الرؤية.
سعاد الكرد سيدة جميلة جداً وأم لخمسة أطفال، أصغرهم لم يتجاوز شهوره السبع، عاشت تجربة فريدة أثناء اجتياح مدينة رفح، فهذه السيدة التي بدت لي هادئة وتعيش سلاماً داخلياً على الرغم مما عاشته من فترات عصيبة، أخذتني في البداية في جولة في أنحاء المنزل، الذي تشهد معالمه وجدرانه المغتصبة أي إجرام حل به وبساكنيه.

اغتصاب منزل
في الطابق الأول حيث بدأ الجنود الإسرائيليون عبثهم الجنوني وتخريبهم غير المشهود، كانت هناك حفرة كبيرة في جدار إحدى الغرف، نتجت عن اقتحام جرافة الاحتلال المنزل من داخل الجدار، اضطر أهل المنزل فيما بعد إلى إغلاقها بالحجارة وتغطيتها بمرآة غرفة النوم التي لم يتبق منها سوى أثر يدل عليها. فيما الأغراض الشخصية بدءاً من الملابس والصور الشخصية وأدوات الزينة ومروراً بالأحذية وأغطية النوم وانتهاءً بالأجهزة الكهربائية الصغيرة والكبيرة قد خرب بعضها فيما سرق الثمين وخفيف الوزن منها.
المطبخ في الطابق الأرضي، كانت مأساة أخرى، إذ تم خلط المواد الغذائية بعضها فوق بعض، وكسرت الأواني وخربت الحوائط والأرضية. في الطابق الثاني من البيت كان الضرر أقل إلى حد ما، وهو الطابق الذي أجره أهل المنزل لجار لهم، استخدموه ه كدرع بشري، أثناء الصعود إلى الطابق الثالث حيث تقيم سعاد وأبنائها الخمسة، أما الزوج فقد كان غائباً في غزة وحدث الاجتياح وهو هناك ولم يتمكن من العودة إلى رفح بعد إغلاق الطرق، لتبقى سعاد وحيدة تجابه جيشاً بعتاده وأسلحته ودباباته الرابضة كوحش أمام المنزل.


بعض ما كان
في ذلك اليوم 12/5/ كانت تشعر سعاد بخطر الوضع، فإطلاق الصواريخ والقذائف من الدبابات والطائرات لم يتوقف منذ ليلة أمس، حتى بزوغ الصباح مع استشهاد 14 مواطناً، فبدأ خوفها يزداد على أولادها ، فبقى أخوها الذي كان في زيارة لها عندها، لكن ذلك لم يدخل الطمأنينة كثيراً إلى قلبها، خاصة وأن زوجها غائب، وصوت طائرات الأباتشى وإطلاق الصواريخ لم يتوقف فيما الدبابات تهز الأرض هزاً في المنطقة المحيطة بالمنزل. كانت دائمة الاتصال بزوجها، تستحثه على إنهاء أعماله في غزة والعودة قبل حدوث شيء، خاصة بعد أن بدأت عملية هدم المنازل على الشريط الحدودي تتصاعد بعنف. ومر الوقت بطيئا قاتلاً، حتى الساعة الحادية عشر ظهراً، حين اهتز البيت عليها وعلى أولادها، بعد أطلقت طائرة أباتشي صاروخاً على سيارة كانت تقف أمام المنزل فاشتعلت بها النيران بعد دوي الانفجار الكبير، وامتدت النيران إلى داخل المنزل المغطى جميعه بالموكيت ما ساعد على انتشارها بسرعة كبيرة، أيقظت العمال الثمانية النائمون في الطابق الأرضي، الذين هبوا من نوهم على صوت الانفجار ولهيب النيران وهي تقترب من أجسادهم الآمنة، فشرعوا يطفئونها وسعاد ومن معها في الطابق الثالث يطفئون ما وصله من نيران وحقد الأعداء، أثناء ذلك اتصلت بالدفاع المدني، الذين اعتذروا عن المجيء لصعوبة الدخول والتضحية الكبيرة فيها. لكنهم بعد ساعة تمكنوا من الدخول، بعد إجراء تنسيق مع قوات الاحتلال، والنيران تصارع رمقها الأخير. وتواصل سعاد حديثا وتنهيدات عميقة تخرج من صدرها وهي تسترجع ما مر بها وأسرتها من معاناة وتجربة أليمة، فتقول: عند الساعة 12 ظهراً قطعوا الكهرباء ثم المياه مع استمرار إطلاق النيران من كل جانب حتى أنني لم أعد أفرق من أي اتجاة أو إلى أي اتجاه ستنتهي، فسلمت أمري لله وجمعت أبنائي حولي ننتظر مصيرنا. وبقينا هكذا في حالة توتر وبكاء الأطفال ورعبهم لم يتوقف ولم تنفع محاولاتي معهم لتهدئة نفوسهم، وعند المغرب تقريباً سمعنا صوت انفجار كبير آخر واهتز البيت للمرة الثانية ، بعض الأثاث وقع على الأرض، والجدران أصابتها الشروخ، لنفاجأ بأنهم فجروا سيارة ثانية كانت تقف أمام المنزل من الجهة الأخرى، وكانت السيارتان تخص العمال الذين كانوا في المنزل وقد دمرتا بالكامل.وعن سبب تدمير السيارتين، تقول سعاد بأنه الخوف من أن تكونا ملغمتين، وقد فجروا كل السيارات الواقفة في الشارع وغيره من الشوارع.



زوار الفجر
وتضيف: عند الساعة 12 ليلاً، وكنت مستيقظة أنا وأخي خوفاً من حدوث شيء ونحن نائمين، سمعنا خبط على الجيران، فعرفنا أنه الجيش، فازداد توترنا وزاد خوفي على الأولاد وهم نائمون، بعدها وكنت أتحدث مع زوجي، طرق الباب، فشعرت بأنهم هم، فأغلقت الجوال على عجل وخبأته، ، نظرت من العين السحرية، فوجدت جارنا وخلفه الجنود، أحدهم يغرس سلاحه في ظهره، فعرفت أنهم يستخدموه درعاً بشرياً، حتى لا يتمكن أحد من المنزل كما يعتقدون من إطلاق النار عليهم، فتحت الباب وهو يطمئنني ويقول: لا تخافي، لكني كنت خائفة ومتوترة، وأكاد أرتعش، بل كنت بالفعل. دخلوا بأسلحتهم يتقدمهم جارنا وفي ظهره سلاح أحدهم فتشوا الغرف والخزانات والأدراج وكل شيء، أخذوا منا الجوالات وعلمت بعد ذلك أنهم سرقوا مصاغي ومبلغ من المال يقدر ب1500 دولار أمريكي كان في خزانة ملابسي، بعدها طلبوا من النزول إلى أسفل فنزلنا بملابس النوم بعد أن أيقظت الصغار، وحبسونا في إحدى غرف منزل جارنا، كانت غرفة مكتب صغيرة وكنا حوالي 14 فرد أنا وأبنائي الخمسة وأخي والعمال الثمانية وجارنا وأسرته ووالدته العجوز، وبقينا كذلك حتى الصباح بلا ما أو طعام وبلا حليب لطفلي الرضيع، وهو أكثر ما آلمني إذ لأم استطع إرضاعه في ظل وجود رجال غرباء كما أنني شعرت بفروغ صدري من الحليب، فطلبت من ألجنود الواقفين على الباب الصعود إلى منزلي وإحضار حليب للطفل ، لكنه رفض صعودي، وبعد إلحاح صعد هو وأحضر العلبة بعد أن وصفت له مكانها، بعد قليل جاع الأطفال وعطشوا فطلبت منه الذهاب وإحضار طعام لهم من المطبخ، لم يسمح لي بذلك وأشار إلى والدة جارنا لتحضر هي الطعام فأحضرت ما استطاعت حمله وما وجدته متبقياً بعد تخريبهم.
وتستمر سعاد ونفسها يتصاعد مع كل تفصيلة تتذكرها: عند الساعة العاشرة، أخذوا الشباب ومنهم أخي، بعد أن ربطوا أعينهم وأيديهم إلى الخلف، إلى المستوطنة، ليحققوا معهم، وبقينا نحن في الغرفة حتى الساعة الثانية والنصف فجراً، يقف على الباب جنديان نستأذنه في الطعام والشراب ودخول الحمام، الذي كانوا يشترطون أن يبقى بابه مفتوحاً حين استعماله، ما جعلني أعزف عن مجرد التفكير من الاقتراب منه، حتى الأطفال إذا دخلوا الحمام لابد أن يبقى الباب مفتوحاً وأذكر أن ابنتي حين أرادت دخول الحمام كانت تبكي بشدة وهو أمامها ، ما جعلني أتجرأ وأصرخ في وجهه بالابتعاد قليلاً عن البنت،


الهروب كلصوص
بعد الساعة الثانية والنصف فجراً ذهبوا، وتركونا على حالنا، لا نعرف إن كانوا قد خرجوا من العمارة كلها أم من منزل جارنا فقط، فبقينا حائرين ماذا نفعل، هل نخرج من الغرفة، وأصعد إلى منزلي أم أظل أنتظر . فحسمت أمري وخرجت من الغرفة فلم أجد أحد في المنزل، ولم أصعد إلة منزلي في الطابق الثالث إلا عن الساعة العاشرة صباحاً تقريباً حين انعدمت الحركة، وكانت صدمتي كبيرة حين شاهدت منزلي وأثاثي وكأن زلزالا ألم به، كل شيء في غير مكانه ومخرّب، والحوائط التي تطل على الشارع، كانت مليئة بالفتحات التي يستخدمها القناصة ، فارتميت أبكى بحرقة وألم وأحمد الله على ما أصابني في بيتي ولم يصبني في أسرتي.
وبعد أن هدأت قليلاً واستجمعت قواي أطعمت أطفالي مما وجدته متبقياً، وأبدلت لهم ملابسهم ولاعبتهم قليلاً، ثم شرعت في ترتيب بعض الأثاث حتى أتمكن من الحركة وأغلقت الحفر في الحوائط بالملابس والأغطية الخفيفة، وبدأ الجيران يتوافدون للاطمئنان علينا وهاتفت زوجي لأطمأنه، كل ذلك والحزن والأسى يملاْ قلبي ولدي حنق كبير على العالم الذي يستمتع بمآسينا ، والعرب الذين لم يعبروا عن دعمهم ولو بمسيرة صامتة.


ما بعد التجربة
قلت لها ألم تشعرين بالخوف: بلى في أول الأمر ولكن بعد ساعات ذهب الخوف واستحضرت إيماني بالله وبضرورة المحافظة على أولادي مهما كانت الظروف.
كما أنني وجدت نفسي في هذه التجربة ولا مهرب أمامي سوى معايشتها بتحدّي، والحمد لله أنني اجتزتها.
ولما سألتها عما غيّرته هذه التجربة فيها كإنسانة، قالت: لن أكون قاسية مع أولادي ، ولن أدقق على سلوكهم داخل المنزل وطريقتهم في اللعب ، سأدعهم يلعبون ويخرّبون بلا صراط مستقيم أردته لهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض