الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المزار ...

نعمة ياسين عكظ

2010 / 12 / 1
الادب والفن


المزار

وانا منتضر دوري للدخول الى الطبيب كنت اتابع احدى الفضائيات على جهاز التلفاز وهي تبث تقريرا عن الطقوس والمعتقدات الدينية في العالم .... مجموعة بشرية تركع وتسجد لمجموعة من الفئران واخرى تتبرك ببراز بقرة مارة في احد الاسواق .... اكوام من النذور والهدايا في معبد يحوي الكثير من تماثيل حجرية او خشبية .... ومن خلال الشباك جنب الجهاز ارى حشودا من الناس حول المزار الذي يظهر الجزء الاسفل من قبته العالية الذهبية ومجاميع تدخل واخرى تخرج ... الى الجانب الثاني من التلفاز تجلس امراة تحتضن طفلا لا يتجاوز الخمس سنوات من العمر اصفر الوجه نحيل الجسم يسحب نفسه بقوة وينتابه السعال بين فترة واخرى تطبطب امه على ظهره ودموعها تجري على خدودها.... فيما تزدحم الغرفة باناس اخرين كل ينتظر دوره .لم اهتم باي واحد منهم بل ظلت نظراتي موزعة بين التلفاز والطفل والمزار ... مجموعة المناظر اعادتني الى سني عمري الاولى , كنت بعمر هذا الطفل حين اصطحبتني والدتي لزيارة نفس هذا المزار كنت وقتها مذهولا بهذه المدينة الكبيرة وبيوتها الكثيرة المصطفة بنسق جميل وممراتها الواسعة حيث تعرض انواع البضائع في دكاكين على جانبيها, ناس كثر يروحون ويجيئون ,هناك من يشتري شيئا واخر يقلب في بضاعة ما , مجموعة من الكهول يتسامرون هناك , اخرون يتجادلون بصوت عال يتحول الى عراك بالايدي , بين الحين والاخر تاتي كتلة حديدية تعلن عن نفسها بصوت منبهها فينزاح الجميع عن الطريق فتمر متهادية يسبقها صوت محركها وانا مندهش بمشيتها والوانها الزاهية البراقة .... كل شيء كان مختلف لم االفه سابقا, في قريتنا الصغيرة القابعة على نهر صغير يتفرع من نهر الفرات ببيوتها التي لا تزيد عن العشرين ممراتها تكاد ان تكون خالية من البشر عدا في الصباح الباكر وقبل الغروب حيث يذهب الجميع الى اراضيهم الزراعية او يعودون منها... في نهاية الممر (الشارع) يقع هذا المزار وعند الدخول نرى كتلا بشريا متراصة تجبر والدتي على رفعي على كتفيها وتدخل فضاء المزار مع الحشود الداخلة ارقب باعجاب شديد تلك الزخارف الجميله ذات الالوان الزاهية وقطع المرايا المرصوفة بشكل زخرفي تتيح للاضواء الساقطة عليها من مختلف المصادر ان تتوزع على مختلف الاتجاهات وتختلط صور الحشود المتحركة فتكون اشكالا منوعة وغريبة ... تمتزج اصوات الجموع من دعاء وصلاة وتكبيروتتداخل فتدخل اذني مشوشة لا استطيع ان اميز منه اية كلمة فهي تدخل في اذني على شكل دوي وصفير....
في الاسفل الجميع يتدافعون ومعهم امي وهم يدورون حول القفص المصنوع من الذهب والفضة يجاهدون في سبيل الوصول اليه ومسك مقابضه وعندما استطاعت امي ان تفعل ذلك مسحت يدها راسي وجسدي بعد ذلك خرجنا من الباب الذي دخلنا منه لا ادري بسبب دفع الجموع لنا او لان امي اكملت الدورة حول المرقد الى ساحة واسعة تخف الحشود بعض الشيء حيث تصبح الاصوات اكثر وضوحا فاستطيع ان اميز بعضها وتتيح لامي ان تنزلني من كتفها وتشتري من احد الصبية خيطا اخضرا من القماش تربطه حول معصمي ورقبتي وهي تتمتم بكلمات لا افهمم اكثرها وقد اكدت لي ان هذا يقيني من الامراض والشرور علما انني بقيت اعاني من مختلف الامراض والعلل حتى الان ... سالتها من يكون هذا ؟
- انه مرقد الامام ويبدو انها تسمي كل المزارات هكذا دون ان تعرف التفاصيل وتابعت انه يستطيع ان يفعل كل شيء وما علينا الا بتقديم النذور واذا لن نف بالنذر فهو يسبب لنا الاذى والويل .....
مسكت جهاز التحكم وبدات تغيير الفضائيات من واحدة الى الاخرى للتعرف على اخر اخبار العالم .... مئات من القتلى والجرحى في انفجار سيارة مفخخة في .... عشرات القتلى من المدنيين جراء المعارك المستمرة في .... هجوم مسلح للشرطة على متضاهرين يطالبون بالحرية والعدالة يودي بعشرات القتلى والجرحى واعتقال المئات في .... هذه الصور الدموية اثارت في نفسي الاشمئزاز حاولت التخلص منها فاستقر الجهاز على احدى الفضائيات وهي تقدم تقريرا عن مركبة فضائية اطلقت قبل خمس سنوات بهدف انزالها على سطح احد اقمار الكوكب زحل ... في هذا الوقت صعد الدرج المؤدي الى الغرفة رجلا في الخمسينات من عمره يسبقه سعاله .... مجموعة من العلماء يراقبون المركبة وهي تعبر وتتخلص من جاذبية كوكب الزهرة وفق حسابات دقيقة .... يتوجه الرجل نحو المراة والطفل المركبة تعبر السحاب المحيط بالكوكب والمكون من احجار صخرية صغيرة وتتوجه نحو القمر المقصود .... يربط الرجل خيوطا من القماش الاخضر على معصم الطفل ورقبته ويرفعه خارجا من الغرفة ..... المركبة تاخذ مدارا لها حول القمر للتهيئة للنزول ....يختلط الرجل بالحشود الزائرة فيما يسحب الطفل انفاسه بصعوبة شديدة بسب الزحام .....تهبط المركبة في المكان المحدد لها .... تنقطع انفاس الطفل وتحاول امه تحريكه والطبطبة بدون جدوى ... يتعالى التصفيق حيث تضهر على الاجهزة المرصوفة في القاعة الصورة الاولى للقمر .... تصيح المرأة مات ابني ....
مات الوحيد فيما يضيع صراخها وسط صخب الجمهور ...عندها يحين دوري للدخول الى الطبيب .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل