الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس آخر.. إن نفعت الذكرى

ساطع راجي

2010 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كان ياما كان في سالف العصور والأوان ومنذ أزمان طواها النسيان، اتفقت القوى السياسية العراقية بعد انتخابات الدورة البرلمانية الاولى التي اجريت عام 2005 على تشكيل مجلس سياسي للامن الوطني، وبالصدفة المحضة كان اقتراح تشكيل المجلس آنذاك هدفه انجاز صفقة تشكيل الحكومة بخلق منصب ما وبالصدفة ايضا كانت رئاسة المجلس ستمنح وقتها لرئيس القائمة العراقية الدكتور اياد علاوي وقيل آنذاك ان المجلس السياسي هو غرفة صنع القرار وهو نقطة تحقيق الشراكة قبل ان تختلف الكتل آنذاك على تركيبة المجلس وصلاحياته، فأنقلبت بعض الكتل على تعهداتها وهيجت حشودها ضد ما اعتبرته محاولة لخرق الدستور والالتفاف على صلاحيات رئيس الوزراء وما قد يشكله ذلك من انقلاب على نتائج الانتخابات، وكما يحدث في العراق عادة تمت تسوية الامر بالاتفاق على تشكيل هلامي لا احد يعرف حدوده وصلاحياته وبقي يحمل اسم المجلس السياسي للامن الوطني ثم سار المجلس في طريق النسيان العراقي المعروف.
ولأننا في العراق نحتفي دائما بالماضي دون ان نتعلم منه كثيرا، ونشتم مآسيه وفجائعه واخطائه ومشاكله دون ان بذل جهدا كبيرا لمنع تكرار كل ذلك، فقد بحث الذهن السياسي العراقي وبمعونة امريكية هذه المرة عن حل لمشكلة تشكيل الحكومة عبر تصفح الماضي القريب وتجاربه الكبيرة حتى وان كانت فاشلة وتم انتشال فكرة انشاء مجلس جديد هو بشكل ما عودة لما قبل خمس سنوات بهدف انجاح صفقة بناء الحكومة التي استعصت على التشكيل لعدة أشهر، ومجلس هذه المرة لم يتفق حتى على اسمه فضلا عن صلاحياته ووضعه القانوني ودوره في صنع القرار وما يتسرب من تصريحات تشير الى ان الماضي القريب يستعد للعودة بقوة، فهناك من يريد وضع صلاحيات ودور كبير للمجلس وهناك ايضا من يريد افراغ المجلس الموعود من كل سلطة بعدما كان يعظم من دوره رغبة في تحويله الى طعم يهمل بعد انتفاء الحاجة اليه.
لا احد يعرف متى سيتمكن البرلمان من وضع تشريع يقونن وضع المجلس الموعود ولا احد يعرف ايضا فيما اذا كان تشكيل المجلس سيكون بالتزامن مع تشكيل الحكومة ام بعدها او قبلها، ولا يعرف احد شيئا عن مصير الاتفاق السياسي لو فشل البرلمان في انجاز الاطار القانوني للمجلس الموعود.
لم يكن احد يتحدث عن حاجة العراق الى مجلس للسياسات او ايا كان اسمه قبل ان تصل القوى السياسية الى طريق مسدود في مفاوضات تشكيل الحكومة، بل ان مجلس الاتحاد وهو كيان دستوري بقي منسيا لسنوات، لكن حاجة الساسة ومصالح الكتل هي التي دفعت الى محاولة بناء مجلس جديد يكون جزءا من هرم السلطة وغرف صنع القرار او هكذا يقال، ليضيف الساسة مشكلة تشكيل مجلس السياسات الى مشكلة تشكيل الحكومة وكلاهما يحتاج الى مفاوضين ولجان واموال ووقت.
صناعة القرار في العراق تواجه أزمة معقدة تتمثل في تناقض رغبتين، الاولى تريد اشراك جميع مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع في صنع القرار، والرغبة الثانية تريد تمركز صنع القرار بيد جهة واحدة، وكل من الرغبتين تستند الى نصوص واتفاقات وتسعى لتحقيق أهداف وحل مشاكل، لكن المجلس الجديد لن ينجح في التوفيق بين الرغبتين بل لعله سيكون عاملا في رفع مستوى التوتر السياسي قبل ان يسير المجلس الموعود هو الآخر في طريق النسيان مرورا بمرحلة الوفاة السريرية او الغيبوبة الطويلة.
المثير في حكاية المجلس الموعود هو ان القوى السياسية العراقية وضعت رئاسة المجلس في جدول المناصب التي يتم التفاوض على توزيعها رغم انه منصب غير موجود من الناحية الفعلية ووجوده المستقبلي موضع شك وصلاحياته وتركيبته موضع جدل، ويبدو ان مكونات القائمة العراقية او بعض قادتها هم من جعل المنصب وكأنه حقيقة واقعة ربما لدفع رئيس القائمة اياد علاوي للتخلي عن طموحه برئاسة الوزراء لفتح الطريق امام بقية قادة العراقية لينالوا هم حصتهم من المناصب التي كانت ستختفي لو حصل علاوي على رئاسة الوزراء.
احياء فكرة تشكيل مجلس سياسي تعني ان العقل السياسي العراقي غير قادر على النمو بسرعة لتجاوز الحلول الهشة، وهو عقل غير قادر على التعلم حتى من تجارب الماضي القريب حتى لو لم تمر عليها غير خمس سنوات لذلك ظل هذا العقل حبيسا داخل خيارات محدودة في مواجهة التعقيد المستفحل للوضع العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟