الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويكي ليكس : لعبة الأمم والعولمة الماكرة .

رائد الدبس

2010 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ويكي ليكس : لعبة الأمم والعولمة الماكرة . / رائد الدبس.

تطرح "تسريبات ويكي" المثيرة للجدل، والمحتوية على قدر كبير من النميمة السياسية والديبلوماسية، جملة من الأسئلة والملاحظات، مثلما تكشف كمية لا حصر لها من الأسرار المكشوفة والخفيّة في آن معاً. وقبل الانشغال بالتعليق على طبيعة ونوعية الأسرار المكشوفة والخفيّة التي تفضحها الوثائق المُسَرَّبة، فإن أولى الأسئلة التي قد تقفز إلى ذهن أي إنسان سياسيّ، أو باحث متابع لشؤون السياسة الدولية، أو أي إنسان مهتم بالسياسة، هي : كيف استطاع مؤسس هذا الموقع الشاب "الخبير المستقل" أن يحصل على هذا الكم الهائل من الوثائق السرية؟؟ وهل يستطيع خبير واحد أو فريق من الخبراء المستقلين أن يحصلوا هكذا على مئات الآلاف من الوثائق السرية والحساسة للبنتاغون ووزارة الخارجية الأميريكية ؟
ولمصلحة من يعمل هذا الموقع، وما قام به من أضخم عمليات تسريب وثائق سرية لأكبر قوة عظمى في تاريخ العلاقات الدولية الحديثة؟ ومن هي الجهات ذات المصلحة والنفوذ التي تساعده بتسريب هذه الوثائق السرية والحساسة؟

بالطبع، لا يمكن الادعاء بامتلاك إجابات شافية ووافية عن كل هذه الأسئلة أو معظمها. لأن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب امتلاكاً للكثير من المعلومات السرية المحيطة بكيفية تسريب الوثائق من مصادرها الأصلية، وهذا غير ممكن وغير متاح إلا للجهات والأشخاص المخططين واللاعبين الرئيسيين الكبار في هذه اللعبة الدولية الحساسة والشديدة السرية والدهاء . ولكن الاعتراف بعدم القدرة على تقديم إجابات شافية ووافية عن الأسئلة المطروحة، لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى التفكير بنظرية المؤامرة، بل إلى التفكير بعقول تحليلية، وبنظرة فاحصة، تسعى إلى تكوين ملاحظات جوهرية، وافتراضات منطقية، حول طبيعة ونوعية هذه الوثائق المُسرَّبة، وما هي النتائج المرجوّة والمأمولة من وراء تسريبها؟

بالنظر إلى طبيعة ونوعية الوثائق المسربة، وعلى الرغم من تنوعها وشموليتها لمواضيع وأطراف دولية متعددة من أقصى مغارب الأرض ومشارقها، لا بد للملاحظ أن ينتبه إلى نوع من الانتقائية في تلك التسريبات. فهنالك العديد من التسريبات التي تمسّ في الصميم، جوهر وطبيعة ممارسات القوة المتعجرفة والمتعالية، التي تمارسها السياسة الخارجية الأمريكية تجاه حلفائها وأصدقائها وأعدائها على حد سواء، وإن بدرجات متفاوتة، وخصوصاً منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. وأن تلك الانتقائية المدروسة في تسريب الوثائق السرية، تعزز افتراضاً مفاده، أن الجهات واللاعبين الرئيسيين اللذين يقفون خلفها،سواء داخل المؤسسات الأميريكية أم خارجها وخصوصاً في أوروبا، إنما يهدفون إلى تحقيق نتائج سياسية مأمولة، من بينها محاولة التخفيف من ممارسات القوة المتعالية والمتعجرفة، عبر فضحها وإظهار أوجهها المتعددة السوء، والضارة بمصالح الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها الرئيسيين، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي. وعليه فيمكن للمرء أن يفترض، أن أكثر الأطراف استفادة من هذه التسريبات هي الجهات الأكثر اعتدالاً وواقعية في مؤسسات ومراكز صنع القرار الأميريكية، وكذلك السياسات الأوروبية .

لو أخذنا التسريبات المتعلقة بالسياسات وببعض القيادات الأوروبية مثل ساركوزي وميريكل، لوجدنا أن هذه التسريبات لا تدين الأوروبيين ولا سياساتهم الخارجية بشيء، بل تدين حليفتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً في عهد بوش الإبن، وتداعياتها وذيولها المستمرة في عهد أوباما. كذلك لو أخذنا التسريبات المتعلقة بروسيا، فإن نشر وثيقة كتبها ديبلوماسي أميريكي يعمل في روسيا بأن ميدفيديف هو دمية سياسية بيد رجل روسيا القوي بوتين، هو قول يكشف سراً مكشوفاً ومعروفاً على نطاق واسع. ولكن الاستنتاج الأهم في تلك الوثيقة، والذي يقول فيه ذلك الديبلوماسي الأميريكي لوزارة خارجيته، بأن الديمقراطية في روسيا تحتضر، هو أمر يهمّ الأوروبيين ويقلقهم بدرجة أكثر بكثير مما يقلق الأميريكيين، وذلك لأسباب متعددة ومعروفة، مع أنه يقلق أيضاً بعض الاتجاهات الواقعية والديمقراطية داخل المؤسسات الأميريكية، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط مبررات العداء الأيديولوجي، والحاجة المتبادلة للتعاون والتقارب في كثير من الملفات الدولية الحساسة.

بالنسبة للشرق الأوسط والعرب والفلسطينيين وإسرائيل، فإن هذه التسريبات لم تأتِ بجديد، بل إنها تكشف أسراراً يمكن اعتبار معظمها مكشوفاً . سواء ما يتعلق بموقف القيادة الفلسطينية الرافض للعدوان على غزة، أم الإشارات المتكررة والموثقة التي ترسلها قيادة حماس للأوروبيين والأمريكيين عن استعدادها للتفاوض على حل الدولتين والنظر بمسألة الاعتراف بإسرائيل، وكذا تسريبات أخرى عن الدولة ذات الحدود المؤقتة. ولعل اسماعيل هنية في هذا الصدد، قد قطع قول كل خطيب، حين أعلن بصورة مفاجئة، يوم الأربعاء 1 ديسمبر 2010 عن استعداد حماس للاعتراف بنتائج أي استفتاء فلسطيني على اتفاق سلام مع إسرائيل، على أساس حل الدولتين في حدود عام 1967.

وباختصار شديد، فنحن أمام شكل نوعي جديد من لعبة الأمم . وليست النميمة في العلاقات الدولية والعمل الديبلوماسي أمراً جديداً أو طارئاً، بل إنها قديمة وثابته. لكن الجديد فيها، هو هذا الشكل الحداثي المعولَم والمعزز بكمية هائلة من الوثائق السرية،التي لم يكن ممكناً تصور حدوث أجزاء منها قبل نهاية الحرب الباردة،أو قبل 11 سبتمبر وتداعياته الخطيرة، أوقبل بلوغ هذه العولمة الماكرة ذروتها.
فهل ستغير هذه التسريبات الأضخم في التاريخ المعاصر، كثيراً أم قليلاً من قوانين لعبة الأمم؟ هذا سؤال مفتوح. وعلى الأرجح أنها ستغير قليلاً من قوانين اللعبة في ظل ميزان القوى الدولي الراهن على الساحة الدولية .
لكن ما يهمنا نحن العرب والفلسطينيين، هو أن ننتبه جيداً لمكر العولمة، وللخفّة المتعجرفة التي لا تُحتمل، الناتجة عن نزعات التعالي وعدم الاكتراث الذي يظهر في تعامل الولايات المتحدة مع كل أطراف القوة والضعف على المسرح الدولي، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.

ملاحظة:بعد صدور مذكرة اعتقال من الانتربول بحق مؤسس الموقع، و في خبر عاجل أوردته بعض المحطات الفضائية،أن موقع ويكي ليكس قد انهار تماماً، ولم يوضح مستضيفه " أمازون" السبب . السؤال: هل انتهى دوره حتى هذه اللحظة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - راءي موزون
علي احمد الرصافي ( 2010 / 12 / 2 - 22:19 )
الاخ رائد الدبس
ان طرحك لهذة الموضوع وتحليلك يعتبر بحق راي قريب الى الحقيقة
ملاحظة هل انت رائد الدبس الذي درس في الاتحاد السوفيتي بداية عي باكو وبعدها في كيف
مع اجمل المنى

اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا