الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكومونة والسوفييتات -6

أنور نجم الدين

2010 / 12 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الاستقطاب الطبقي

في الاستقطاب الطبقي لطبقتي البرجوازية والبروليتاريا نجد أحد أهم الشروط التاريخية لثورة الكومونة، فبنتيجة التطور الرأسمالي خلال أكثر من 80 سنة من بعد الثورة البرجوازية الفرنسية -ثورة عام 1789- طرأت تغيُّرات اقتصادية كبيرة على مدينة باريس، -وقد كانت إحدى أهم المدن بين المدن الصناعية والتجارية في أوروبا، كما كانت إحدى أهم المدن العمالية في العالم أيضًا في ذلك الوقت- فالتجمع البروليتاري في المعامل، والعمل التعاوني الناتج من التنظيم الصناعي للإنتاج، والاستعاضة عن الصناعات المنزلية، والأعمال اليدوية في المدن، والملكيات الفلاحية الصغيرة في القرى بآلات وأدوات الصناعة الكبيرة، ووسائل المواصلات السريعة في المدن، ثم التناسق السياسي الناتج من الحياة البرلمانية المسنة، حقق بدرجة من الكمال الاستقطاب الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا، أي بلغ المجتمع الباريسي بسببه حد الانفصال بين قطبين اجتماعيين، قطب البرجوازية وقطب البروليتاريا. وتبعًا لدرجة التطور الذي بلغه البروليتاريا الباريسية، والوعي الناتج منه، فكان من غير الممكن انطلاق أية ثورة في باريس دون ظهورها في شكل بروليتاري.

وهكذا، فقد جاءت الكومونة الباريسية لتعبر عن حياة كومونية كانت موجودة بصورة مسبقة في شكل العمل التعاوني، فالكومونة بوصفها انتظامًا طبقيًّا لطبقة البروليتاريا، كانت قائمة على أساس استقطاب طبقي ناتج من التطور الصناعي الذي جعل من الطبقات الاجتماعية قطبين متعارضين. وحين بلغ هذا الاستقطاب الباريسي نضوجه التام لم يكن ممكنا آنذاك طرح أي مطلب بروليتاري في باريس سوى إلغاء الطبقات، إلغاء السيادة.

أما ما جعلته الثورة أمرًا واقعًا فقد كان هو الازدياد في التفاوت الاجتماعي، والحرب المدمرة، والمجاعة المهلكة، وحِدَّة الصراعات التي أصابت بسببها الدولة الفرنسية بالشلل، فلم يَبْقَ أمام قطب البروليتاريا سوى حمل السلاح والهجوم المفاجئ على القطب المقابل -البرجوازية-.
فالاستقطاب الطبقي إذًا هو كان عامل نجاح الثورة، وفي هذا الاستقطاب ظهر بصورة واضحة جدًّا هدف ثورة الكومونة: إلغاء الطبقات والسيادة الطبقية!
أما عدم ثبات الثورة وتطورها، فيعود إلى عدم وجود الشروط الباريسية التي انطلقت الثورة بموجبها، في سطح أوسع من مدينة باريس، فعامل ثبات الثورة وتطورها في المستوى الوطني أولا، والأممي ثانيًا، هو نفس عامل نجاح الثورة في مستوى مدينة واحدة مثل باريس مثلا، ففي الاستقطاب الطبقي نجد توازن القوى الطبقية بين قطبي المجتمع الرأسمالي.

التوازن الطبقي:

لم يكن انتصار الثورة البرجوازية ممكنًا، دون وجود توازن القوى الاجتماعية الناتجة من الاستقطاب الطبقي بين الطبقات الاجتماعية لصالح البرجوازية بصورة مسبقة؛ فشروط انطلاق الثورة، وعامل انتصارها -ومن ثم ثباتها- تتوقف كليًّا على تكامل عناصرها التاريخية المختلفة، فلم يقم شخص أو مفكر أو حزب سياسي باختلاق الثورة البرجوازية وتخطيط أهدافها، بل إنها أتت من خلال تطور طبيعة الأشياء والصراعات الاجتماعية بين الطبقات ذاتها.
وإن المسألة هي نفسها بالنسبة للبروليتاريا أيضًا -الكومونة أم السوفييتات- فالثورة ليست مبادرة شخصية أو حزبية، بل انفجار اجتماعي يأتي بالضبط مثل البركان أو التورنادو غير المتوقع.
أما درجة انتصارها ومن ثم ثباتها فتتوقف على درجة استجابة الشغيلة التاريخية، وانضمامها إلى حركتها، وانتظامها الطوعي فيها بصورة مسبقة.
وإن هذه الدرجة من التقدم في الحركة البروليتارية تتوقف على الشروط المسبقة التي تحدثنا عنها أعلاه، فعدم تقدم الكومونة مثلا في تحقيق أهدافها الاجتماعية لا يعود إلى أزمة القيادة الثورية، أو قيادة حكيمة وحزب حديدي، كما يقال، بل يعود إلى عدم استجابة الشغيلة الفرنسية في المستوى الوطني أولا، والبروليتاريا الأوروبية ثانيًا. وكما يقول ماركس:

"لو تنظمت كل المدن الكبيرة في كومونات على الشكل الباريسي، لما استطاعت أية حكومة من قمع الحركة بمفاجأة رجعية" (ماركس، كومونة باريس، تعريب فارس غصوب، ص 134).

إذًا، فالردة أيضًا فعل تاريخي لا فردي أو حزبي، فعوامل تراجع الثورة موجودة في عدم اكتمال العناصر التاريخية للثورة ذاتها، ولا يمكن تكميل هذه العناصر مهما كان من رغباتنا في القضاء على العالم القائم، فالشروط المادية التاريخية هي التي تحكم في الأخير لا رغباتنا وفكرنا وتصاميمنا لخلق مجتمع ممكن، فقدرة الثورة المضادة إذًا هي قدرة مادية للطبقة السائدة، وهي التوازن الطبقي الناتج من الاستقطاب الطبقي لصالح الأسياد.
انظروا إلى ثورة السوفييتات من وجهة نظر ثورة الكومونة، فاحدى أهم شروط التاريخية لهزيمة ثورة الكومونة، وهي الاستجابة الوطنية الشاملة وثم الأممية للبروليتاريا، أصبحت كامنة أثناء انطلاق ثورة السوفييتات، فالثورة انتشرت في المستوى الوطني والأممي مثل اشتعال النار من استعمال البنزين. لذلك فالثورة قد صاحبتها ثورة مضادة تقوم بمكافحتها وإطفائها مثل فريق عازم على إطفاء النار أكثر من أي وقت مضى، فلم تُضْرَب ثورة السوفييتات من الأمام فقط، بل ومن الخلف أيضًا.
والسؤال إذًا هو: لماذا انتصرت الثورة المضادة؟ وما معنى التوازن الطبقي في ثورة الكومونة والسوفياتات؟ وهل الحزب عامل الانتصار؟
سوف نجيب على الأسئلة هذه من خلال دراساتنا التاريخية – الاقتصادية للثورة البرجوازية الروسية، وثورتي السوفييتات البروليتارية عامي 1905م و1917م، ثم استخلاص النتائج من دروس ثورة الكومونة والسوفييتات عمومًا، فالاختلاف في الطبيعة الطبقية والاجتماعية للثورات مثل الاختلاف في الأزمنة التاريخية المختلفة، فلا يمكن أن تَطْرَح مثلا ثورةٌ في القرن العشرين نفسَ متطلباتِ ثورةٍ في القرن التاسع عشر، فالتطور الصناعي للمجتمع، والتقسيم الاجتماعي للعمل، ثم شكل التبادل الناتج منه، لا بد أن يعطي شكلا جديدًا من المجتمع، ومن ثم مستوى أعلى من تقدم الطبقات والصراعات الاجتماعية بينهما.
وهذا هو المبرر التاريخي للثورات الاجتماعية المختلفة في المراحل التاريخية المختلفة؛ فكل ثورة تعبر عن مرحلة من التقدم الصناعي والتجاري للمجتمع، وبعد إعلان الثورة متطلباتها الاجتماعية في زمن معين من التاريخ، فستجعل هذه الثورةُ من الماضي ومتطلبات عصره بالضرورة متطلباتٍ رجعيةً بالنسبة للطبقات الجديدة في المجتمع.
فلننظر مثلا إلى تطور الثورات الروسية فيما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، والاختلاف في متطلباتهما الاجتماعية، ومن ثم موقف التجمعات والأحزاب السياسية من هذه الثورات في مراحلها التاريخية المختلفة، اعتبارًا من انطلاق الثورة البرجوازية الروسية في عام 1825م، ومرورًا بثورة السوفييتات البروليتارية –المجالس العمالية- في عام 1905م، وإلى ثورة السوفييتات الثانية في عام 1917م.
Email: [email protected]
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق انور تحية رفاقية
فؤاد محمد ( 2010 / 12 / 2 - 20:12 )
انا اعتقد ان البولشفيك قاموا باجهاض الثورة من الداخل ونتيجة الثقافة الاستالينية
السوفيتية لم يجرئ الكثير على كشف الحقيقه
وشكرا


2 - لايمكن ان تكون الثورة الا عالمية
فؤاد محمد ( 2010 / 12 / 3 - 18:10 )
الرفيق انورتحية رفاقية
نعم لا يمكن نجاح الكومونة الا عالميا
ولوجود الاممية الثانية والمنشفيك والبولشفيك الذين يحملون التصور البرجوازي للثورة وهو راسمالية الدولة وكذلك التصور الخطا التقوقع في بلد واحد
والهجمة الراسمالية المضادة
والطعنة النجلاء من الخلف من قبل لينين وتروتسكي
هذا هو الذي اجهض الكومونة بعد القضاء على المجالس العمالية


3 - الاستاذ فؤاد محمد
انور نجم الدين ( 2010 / 12 / 4 - 12:01 )
اتفق معك كليا: لا يمكن للثقافة الستالينية كشف الحقائق عن دور السياسيين البيروقراطيين الذين لا يمكنهم الحصول على وسائل عيشهم الا على اكتاف البروليتاريين، فالدولة وحشراتها توجد لان الاضطهاد الطبقي يوجد. لذلك لا تستهدف البروليتاريا من نضالاتها الا القضاء على سيادة الانسان على الانسان، وان انتصار ثورة السوفييتات -الكومونة- تعني فقط تحطيم الدولة واستعاضتها بميليشيا شعبية لتحافظ على الادارة الذاتية التي لا يمكن للمجتمع تنظيمه شيوعيا من دونها.
وان شروط انتصار هذه الثورة هي الاستقطاب الطبقي في المستويين الوطنى والاممي، حسب التجربة الخاصة لثورتي الكومونة والسوفييتات.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال