الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2010 / 12 / 3
الادب والفن


كانت نصيحتها لا تشبه نصائح النساء في بلادي..فلم تتعلق بشروط الإرضاع، و لا بمواصفات الحليب الجيد.. و لا هي صدّعت رأسي بمفردات ( حشريّة)..مثل ( غلط هيك، حرام عليك، لازم هيك).
و بما أنّي غير خبيرة في عالم الأطفال، فتحت أذنيّ جيدا لكلام جارتي صاحبة البشرة السوداء و القلب الأبيض، التي أهلّت فرحة تحمل الهدية الأولى التي حصلت عليها مولودتي الأولى.

- النصيحة الأهم التي أستطيع أن أقدمها لك.. هي أن لا تصمتي أبداً...

- تقصدين أحكي لها الحكايا، و أغني لها!

-لا.. أقصد حدثيّها.. احكي لها عن التاريخ، عن فنونكم، حضارتكم، عن أقاربها، عن مشاكلكم.. عن حياتكم... حدثيّها لماذا جئتم هنا...لقد حكيت لطفلتي قصة نضال العرق الأسود في أمريكا، و هي لا تزال رضيعة.. هناك أحداث يجب أن تُسقى مع الحليب.. و لا تظني أنها صغيرة، إن كل ما تتحدثين به سيحتل العقل الباطن ليرسم شخصية مميزة.

فكرت كثيراً بكلام "نيكول" بعد أن خرجت، خاصة و أنا أعرف طفلتها ذات السنوات الخمسة و الشخصية المميزة.. قلت في نفسي: يا ريت تصبح "ألمى" مثلها.
و ألمى هي طفلتي، و هي الروح في اللغة الإسبانية.. و هي روحي في لغة قلبي.
**********


عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟! و من أين أبدأ؟

في جعبتي تاريخ واسع.. فضفاض.. و ممزق.. أأحكيه لك كما قرأته؟ و هل سيسامحني عقلك الصغير على تلك القصص المُخجلة، و النهايات الداميّة؟
و هل ستفهمينني إذا حكيت لك التاريخ كما أراه.. إذا قلت لك أنّ التاريخ عندنا ك(الويسكي)..و الويسكي يا صغيرة سائل للشرب كالحليب، لكنه يُسكر و يُحرَّم و يُغش في الخفاء.

عويصة هي مفاهيم الويسكي يا صغيرة.. لن يكون من السهل عليك تخزينها في عقل باطن بنقاء الحليب.
**********


عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!

هل للجغرافية البعيدة مكان في مخيلتك النضرة.. هل أخبرك عن أراض قريبة من جدك و جدتك قد لا تُدركي يوماً وجودا لها.
أم أنك قد ترحبي أكثر بفكرة تنازع الخير و الشر.. و لكن إذا ما تفلسفت أكثر و حدثتك بالتفصيل فما نسميه حروباً أهلية، قومية، و طائفيّة ..هل ستطلقين عليها حرب الأخيار أم حرب الأشرار؟!

معقدة هي الجغرافية، و مكروهة التفاصيل.. لن تتقبلها تلافيف عقلك البريئة التي لا تعلم شيئاً عن الحروب.. لا يوجد أحاديث هنا غير محرجة، و غير (غابيّة) لتسرد لصغيرة و لا حتى لكبيرة.
**********


عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!

بما أنها أمور معقدة، و حيث أن القضايا الكبيرة أصبحت لا تُستخدم إلا للسخرية.. دعينا نبتعد عن المواضيع الكبيرة.. لأحدثك مثلاّ عن حياتنا البعيدة، عن جذورنا التي أخاف من أن تقتلعيها يوماّ، بينما تمنيت طوال عمري اقتلاعها...
نحن عشنا و نعيش الأفعال يابنتي.. كفعل التدافع، و لفعل التدافع أكياس من الحكايا..

نحن نتدافع أمام أبواب السفارات الأجنبية للحصول على تأشيرة دخول واحد..نتدافع أمام (السرفيس)، أمام المستشفيات، أمام فرن الخبز.. أأخبرك مثلاً أن عشرين رجلاً في أعمار جدك.-و قد يكون جدك أحدهم- قد سقطوا على الأرض و هم يلحقون برغيف مشاكس هارب.. هذا (كرتون) حياتنا يا طفلتي، تعلميه قبل أن تتعلمي الضحك.


أما عن فنوننا، فنحن نستورد الغناء مع أن العصافير في أوطاننا تتبل للشواء...
لا نعرف من الرقص إلا هزّ المؤخرات...
لا نجرؤ على اقتراف الأدب، مع أننا أساتذة في قلة الأدب.

نحن أبناء الحروب، و إن لم نجد مشكلة اختلقنا واحدة.. لا نجيد الفرح لأنه غالي الثمن، كل شيء عندنا يباع و يشترى.. و إن رخص الثمن.
الحب لدينا فرح هارب، و إن نجح في الفرار خارج حدودنا.. كُتبت له النجاة.

نحن شعوب نستورد كل شيء إلا فعل الخسارة..أجل نحن لا نستورد الهزيمة، بل نصنعها.
**********


عن ماذا سأحدثها يا "نيكول"؟!

و هل يحق لي أن أقارن بينك و بيني.. بين تاريخكم و تاريخنا.. بين حاضركم و حاضرنا..
يا عزيزتي ..أخبار المساء عندكم تحمل أنباء الغزال الذي أُُنقذ من حادث سير.. و القط الذي أُنقذ من الغرق، بينما تحمل أخبار الثامنة في أرضنا أنباء عن أطفال (لم) يُنقذوا من القتل.

مهما حَلُكَتْ قصصك ياجارتي فإنك تملكين نهايات سعيدة : ك "أوباما".. لكنني إذا ما أخبرت طفلتي حكاية ما.. سينتهي بها المطاف في مصح للأمراض النفسيّة.

اتركيني مع حكايا( سنو وايت) و (سندريلا)، و مع جميع النهايات السعيدة التي تضج بها حكايات الأطفال التي صُنعت في بلدان بعيدة بعيدة..عن أرضنا.. و عن أفعالنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائعه
درويش السيد ( 2010 / 12 / 3 - 12:48 )
رائعة ايتها الرائعه ويسلم كريستال افكارك .


2 - الى الروح الصغيرة
هيفاء حيدر ( 2010 / 12 / 3 - 15:11 )
حتى لا ترهق الما بتاريخنا وحتى تنمو روحها بكل صفاء حدثيها عن حبنا للحياة وخاصة في فصل الربيع عن اعجابنا بالزهور وألوانها الفرحة واللون الأزرق للسماء ينعكس على وجه البحر في بلادنا قولي لها إننا نعشق النجوم لدرجة اننا خلنا أنفسنا نستطيع قطفها ذات يوم كي نهديها لمن نحب
هناك الكثير من صور الحب سوف تحضر لمخيلة ألما عن ذكرياتنا هذه ولا تنسي أسمعيها فيروز كلما استطعتي
جارتك أعطتكي أجمل النصائح لكنها بالتاكيد لم تكن لتعرف أننا عندما نريد ان نتحدث لصغارنا وخوفاً على مخيلتهم نفضل أن نصمت فاللصمت لغته أيضاً في تاريخنا
مع تمنياتي بأجمل الأوقات لحضرتك مع ألما رفيقة الدرب الجديدة


3 - حدثيها وحدثيها فهناك ما يستحق
فيصل البيطار ( 2010 / 12 / 3 - 19:46 )
حدثيها سيدتي عن ثورة الكادحين من الزنج والقرامطة، وعن حركة البابكية التحررية ...عن الحلاج وابن رشد ومدرسة المعتزلة التقدمية .
عن سجون ديكتاتوريات وحركة مجتمع لا تستكين إنتزعت من بين فكيها حقوق متقدمة للمرأة ومساحات واسعة من الحريات العامة .. عن شهداء إعتلوا منصات قتلهم وهم يهتفون بإسم الوطن وشعبه ... عن فهد وفرج الله الحلو وشهدي عطية الشافعي .
حدثيها عن أبشع إحتلال لأرض شعب ... إقتلاعه من أرضه ورميه في المنافي الصعبة، وقتل عشرات الألوف منه وزج الوف أخر في معتقلاته، دون أن تستكين إرادته في التحرر .
لكن قولي لها أيضا، ان المشوار ما زال طويلا طالما ديكتاتورياتنا يطول عمرها ببركات الراعي والحامي الأميركي .
طالت غيبتك ... السعادة والهناء لكما سيدتي .


4 - الأمل
نجيب كملي ( 2010 / 12 / 4 - 01:56 )
انه موضوع رائع لأن معانيه عميقة و ذات دلالات فوطننا العربي و الانسان العربي أصبحا رمزا للذل و القهر و العذاب حياته رخيصة لا قيمة لها


5 - حالة ممتعة حقا
رمضان متولي ( 2010 / 12 / 4 - 15:07 )
المقال رائع فقط إذا قرئ مع التعليقين 2 و3 لهيفاء حيدر وفيصل البيطار، قرأته مع التعليقات كقصة قصيرة من طراز رائع وفريد، حقق متعة الفن الذي أعشقه مرسوما بالكلمات والمعاني.


6 - كلام روحاني وعميق
ديما سلوم ( 2010 / 12 / 6 - 11:25 )
حدثيها عن كل ما هو جميل وعن كيف تفرح وعن كيف تجعل كل ما هو حزين سعيد وان لا تسمح لشوائب اي مجتمع ان تعكر صفاء روحها .ربماتنظر المىفي يوم من الأيام إلى لما نراه سئ انه ملئ بالإيجابيات ولولاه لما كنا على مانحن فيه الان ..ياعزيزتي اني أرى إن حدثتها اولم تفعلي فإنها ستسعى جاهدتاًًلتكون امهاالعظيمةلمى


7 - الولادة رقم إضافي يحل مكاننا بعد وقت
مجاهد ع.المتعالي ( 2010 / 12 / 14 - 13:07 )
عندما جاءتني طفلتي الأولى كتبت
عندي طفل يشتهي الصراخ .....
قالت أمه : الشهوة حرام
طفلتي عندها نزوة للعب ... فحرمنا عليها اللعب .
فالنزوة حرام
جزعت لحالي مع أطفالي ..
نهرني أبي لأن الجزع حرام
قررت الموت ..
عاقبني القاضي .... لأن الموت حرام
أمي ..... خمسين عام ...... لم تخرج للشارع
إلا تحت الحراسة ...... خوفا من الحرام
أبي صلى آلآف المرات ... قرأ الآف الآيات
وصام مثلها أياما
عاش خائفا ..... من الحرام
عندها وجدت إلهي ...
فليس العفو الغافر ...
بل إلها .... يدعى :
حرام
ولهذا فقد تعايشت مع مسألة التربية باعتبارها مأزق أخلاقي نقرره بجرأة لا يقرنا عليها أبو العلاء المعري

اخر الافلام

.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح


.. سهرة لبنانية بامتياز في كازينو لبنان مع النجم سعد رمضان والف




.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..