الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاشوراء وحقوق الإنسان

حسن الهاشمي

2010 / 12 / 4
حقوق الانسان


حقوق الإنسان شعار طالما تغنت به الأنظمة الدينية والوضعية، ولعل وجوده من عدمه يتراءى للمرء من خلال نتائجه لا من خلال ما يكتب في الإعلام الذي قد يناقض ما يشهده الواقع من تصرفات مشينة تجعل المواطن في الأنظمة المستبدة يمقت كل ما من شأنه أن يفرغ ذلك الشعار من محتواه، ربما الذي يرفع عقيرة تلك الأنظمة لسد أفواه المنظمات العالمية التي تدافع عن حقوق الإنسان ليس إلا، ولكنها تعمل بالضد حيال كل من يعترض على حكمها ناسية أبسط الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، بل ساحقة لكل تلك الحقوق وإنها تعطي لمم بعضها لمن سار في ركبها ولكن ذلك المغفل المستفيد في الحقيقة مسلوب الإرادة والاختيار حاله حال الدواب بل أشد منها لأنه ذو عقل وبصيرة دون غيره من المخلوقات.
وإلا أين حقوق الإنسان الذي يعيش في الأنظمة المستبدة من حرية المعتقد والحيازة والسفر والتجارة؟! وأين هو من حق الحياة والكرامة والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وغيرها مما يحفظ إنسانيته من الخدش وحقوقه من الانتهاك وعزته وكبرياءه من السحق والتدنيس؟! ومما لا شك فيه إن الدول التي تحافظ على حقوق الإنسان ليست بحاجة إلى استدلال، ولكنها ظاهرة من خلال سعادة شعبها وتطور بلادها وانسيابية العلاقة التي تربط فيما بين سلطاتها، حيث الجميع يتحركون لصون حقوق الإنسان ورقيه والدفاع عن كرامته، وهو في حقيقة الأمر المحور الذي يدور إزاءه كل تحرك والهدف الذي تتحرك جميع القوى لبلوغه وإرضاءه وإسعاده وتحقيق أمانيه وما يصبو إليه ضمن ما يحمل من مؤهلات وأهداف ومساع في تحركه وسط دائرة المجتمع الإنساني، وإلا إذا لم تظهر تلك المعطيات على السطح ولم يقطف المجتمع ثمار حقوق الإنسان ولم يستأنس بمناظرها الخلابة ولم يستنشق عبير نسيمها المنعش، ما فائدتها إذن عندما تتصدر فقط وفقط مانشيتات الجرائد وأشرطة الأخبار في الفضائيات دونما لها أثر عملي في علاقاتنا الإجتماعية؟!.
فإن كل من يدعي حقوق الإنسان دونما معطيات ومستحقات فإن قوله مضحك للثكلى وعمله أشبه ما يكون خرطا للقتاد، فهو يضحك على نفسه قبل أن يضحك على ذقون الآخرين، وهذا الإدعاء هو مجرد مقت وكذب وزور لا ينطلي إلا على الذين في قلوبهم مرض، أما الأحرار فإنهم يرفضون أن يكونوا يوما من الأيام في جوقة المصفقين والمنتفعين والمتزلفين والمتملقين وأصحاب المصالح الشخصية الرخيصة، أولئك الموجودون عادة في الأنظمة المستبدة التي تصنف شعبها على أساس طائفي أو قومي أو إثنى أو عرقي أو غيرها من التصنيفات التي لا تعطي يوما من الأيام شرفا لمن يتصف بها ولا تسلب منقبة لمن يفقدها، وأولئك الذين في قلوبهم مرض ويتصفون بجنون العظمة وعقدة الحقارة هم الذين تسيرهم تلك الدوافع الشوفينية دون أن ينظروا إلى المواطنة بما تحتويه من عناصر متنوعة بنظر المساواة والعدالة.
ومن هذا المنطلق نجد إن أهل البيت عليهم السلام كانوا يحرصون أشد الحرص على أداء حقوق الناس ويحثون أتباعهم وعموم الناس على ضرورة الالتفات إلى هذه الحقوق، ومن المواقف العجيبة والغريبة موقف إمام الإنسانية الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء حيث روي عن موسى بن عمير عن أبيه قال: أمرني الحسين بن علي عليهما السلام قال: ناد أن لا يقتل معي رجل عليه دين، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول: من مات وعليه دين اخذ من حسناته يوم القيامة. ( كلمات الإمام الحسين: ص 417 ).
أنظر إلى الإمام الحسين عليه السلام، كيف إنه في يوم ازدلف إليه أكثر من ثلاثين ألف مقاتل لقتاله، وهو محاصر مع رهطه الذين لا يتجاوز عددهم المائة؟! فإنه لا يتغافل عن حقوق الناس، بل يعتبر ذلك من صميم قيامه ونهضته وتحركه ضد الطغاة الذين يحاولون أن يسحقوا الحقوق وينتهكوا المقدسات والقيم التي تدافع عنها حتى في أحلك الظروف، وإلا كيف تفسر طلب الإمام الحسين عليه السلام في تلك المخمصة بانسحاب ثلة من جماعته من ساحة المعركة وهو بأمس الحاجة إلى الناصر والمعين؟! بيد إن الذي يعرف مثل وأخلاق ومواقف الإمام النبيلة تنقشع عنه تلك الغمامة، وإنه يعلم علم اليقين بأن منطلق الإمام كان لترسيخ مبدأ حقوق الإنسان بما هو إنسان للأسباب التالية:
1- يريد أن يصفي جيشه من أصحاب النفوس المريضة، ويقصره على أولئك المصطفين البررة الذين لا توجد بينهم وبين الناس أية متعلقات، وإنه يعلم ما ادخره الله تعالى لمن يقتل تحت لواءه من كرامة ومنزلة في الدنيا والآخرة، ولكي يكون قدوة لابد أن تكون ساحته خالية من متعلقات الدنيا الدنية.
2- يدافع عن حقوق الدائن مهما كان دينه أو قومه أو مذهبه الذي لو قتل المدين لاندثرت حقوقه وضاعت على الأقل في الحياة الدنيا، وحفظا لحقوق الدائن طلب عليه السلام لمن عليه دين في جيشه بالانسحاب وإرجاع الحق إلى صاحبه.
3- يدافع عن حقوق المدين الذي لو قتل لأخذ الله تعالى من حسناته ودفعها للدائن، وهذا ما سيلحق الأذى في الدائن بالدنيا والمدين بالآخرة وهو ما لا يرضاه الإمام عليه السلام.
4- يضرب لنا أروع الأمثلة في إن الحفاظ على حقوق الناس هي في غاية الأهمية ولا تسقط بالتقادم والتشاجر والأزمات والمواقف العصيبة، فإنها محفوظة في ظل الإمام العادل، وما خروجه على الطغاة إلا لتثبيتها وترسيخها في المجتمع.
5- يرفض رفضا قاطعا أسلوب الغاية تبرر الوسيلة، ولو كان غيره لغض النظر عن هذه المفردة طمعا بزيادة الأصحاب لمقارعة العدو، ولكنه عليه السلام يعمل ضمن قاعدة الإيمان قيد الفتك، وأي فتك أعظم من هتك حقوق الناس ولو بشق تمرة؟!.
6- يضحي بالغالي والنفيس من أجل المبادئ والقيم والحفاظ على حقوق الناس، كيف لمن تكون أهدافه نبيلة كهذه يستوعب بين صفوفه من بذمته دين أو حق حيال الآخرين؟! ولكي يتطابق المظهر والمخبر والظاهر والباطن فإنه أوصى بانصراف من اختلف ظاهره عن باطنه للحفاظ على نقاوة النهضة من أي خدش حتى لو كان بسيطا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ


.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا




.. مجلس الشيوخ الأميركي يرفض مقترح بايدن باستقبال اللاجئين الفل


.. موريتانيا الأولى عربيا وإفريقيا في حرية الصحافة | الأخبار




.. الأمم المتحدة تحذر من وقوع -مذبحة- جراء أي توغل إسرائيلي برف