الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتحاريون وسط النار!

هشام نفاع

2010 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بعض أذرع المؤسسة الاسرائيلية تحاول حماية مؤخراتها من ألسنة النار. فقد انكشفت أمام العالم كله كمؤسسة عاجزة حين يتعلق الأمر بإطفاء النار، وليس إشعالها. في حوزتها أسراب من الطائرات المقاتلة والمروحيات القادرة على إحراق الأخضر واليابس. لكن ترسانتها تكاد تخلو من طائرة للإطفاء. هذه هي المعادلة في هذه الدولة. هذه هي خلاصة سياستها.
هنا، لم تكشف مأساة الكرمل حقيقة تخلّف الجهاز المدني في اسرائيل لصالح ذلك العسكري، فقط. بل كشفت مؤخرات مسؤوليها عارية على الملأ.. راحت بعض الأذرع تبحث عن مخرج ووجدته كالعادة في التحريض على العرب. فتوالت التسريبات والاتهامات الجوفاء لمواطنين عرب بإشعال الحرائق. وتبدّت جوقة كراهيّة كريهة اجتمع فيها صوت البوليس والإعلام وردود قراء سمجة-سامة على مواقع الانترنت، بينها تعليقات منحطّة على الصفحة الرسمية للشرطة في "فيسبوك"! هكذا بكل صفاقة. دون دليل أو طرف خيط واهٍ يسعى البعض الى اشعال نار التحريض للتهرّب.
قبلها بأيام نشر "المعهد الاسرائيلي للديمقراطية" استطلاعًا عن عمق تفشي العنصرية في المجتمع الاسرائيلي. بين نتائجه: 53% من اليهود الاسرائيليين يرون أن على الدولة تشجيع هجرة العرب إلى الخارج، 46% لا يرغبون بجيران عرب، 55% يرون أنه يجب تخصيص موارد للبلدات اليهودية أكثر من تلك العربية، 56% يدعون الى سحب حق الترشح والانتخاب ممن لم يخدموا في الجيش.
وزير الخارجية افيغدور ليبرمان بحث عن المسؤولين عن هذا الانحطاط العنصري ووجدهم دون عناء.. ليس الأحزاب التي تدعو الى الترانسفير (مثله)، ولا الفاشيين الذين يشرّعون قوانين الولاء (مثله)، ولا العازفين على أوتار الخوف والأحقاد لجني المكاسب الانتخابية (مثله). لا أبدًا. فالمسؤول بنظره عن "تعمق الكراهية بين العرب واليهود" هي "قيادة عرب اسرائيل"، على حد تعبيره. ومثله كتب أحد كبار زعماء الاستيطان، يسرائيل هرئيل، في صحيفة "هآرتس": "هذا نتيجة للتعابير الفظة، قولا وفعلا، لدى الجمهور العربي في اسرائيل. فنخبه السياسية، الدينية والثقافية تنشط في البلاد والخارج لنزع الشرعية عن مفهوم دولة قومية يهودية".
المنطق واضح في الحالتين: لهدف التنصّل من المسؤولية، يتم تحميلها بفجاجة للعربي. فهو مسؤول عن العنصرية ضده. وهو المجرم الذي ضرب كرمله (نعم، كرمله!) بكارثة من النار. هل نحتاج الى تعريف أدقّ للعبث؟ وللقرف؟!
فليس أن مؤسسة هذه الدولة لا تزال تزرع الرياح وتحصد الزوابع؛ ليس أن الداء العنصري ينخر في عقليتها وخطابها وممارستها؛ ليس أن إدمانها على بارود الحرب يجعلها تتجاهل وتجهل كيفية بناء أجهزة مدنية لحماية سلامة ومصالح مواطنيها؛ ليس أن التحذير القديم من أن سياسة الاحتلال ستحرقها من الداخل لا يزال نافذ المفعول، بل شديد الخطر.. لا، فهناك مشجب عربيّ يتم تعليق عفنهم عليه.



يجب ان تُقال الأمور بكل وضوح. الجماهير العربية لا تخاف من التحريض لكنها تتعامل معه بكل جدية. وهي مصرّة على مقاومته بكل حزم. ولكن، تعالوا نفترض أن لعبة التحريض الدموية نجحت، لينتهي الأمر بكنس مأساة احتراق الكرمل تحت بساط اتهام العرب. فمن سيخدم هذا؟ بالطبع ليس من خرّبت مأساة الحريق بيوتهم، بل مسؤولين يحاولون لملمة الأمور للخروج سالمين من المسؤولية عما أدت اليه سياسة الخراب التي ينتهجونها على كافة المستويات. وطالما يتعامل هذا المجتمع الاسرائيلي بهذا "التسامح" الفاضح مع المسؤولين عن خراب بيته، فلن يتغيّر شيء حتى لو اعتقد 100% منهم أن العربي هو المسؤول. لأنه حين تحلّ المأساة القادمة، لن ينفعهم هذا في شيء.. سيظلّون ضحايا للجهل والجبن والإذعان لامتطاء مؤسستهم الحاكمة ظهورَهم المستباحة إراديًا.
أما آن الأوان للخروج من هذه النفسيّة الانتحارية؟ ومتى يُطلق من تبقى من عقلاء قلائل في هذه الدولة صوتهم، ليس لأجل العرب، بل لأجل مجتمعهم هم – هذا المجتمع المنفصم الذي يعتقد أنه يعيش في دولة عظمى متطورة بالرغم من انه يرى في كل مرة مدى العجز عن القيام بما هو مفهوم ضمنًا، ومع ذلك يواصل جرّ عربة عفن السّلطة وهو مغمض العينين الى الهاوية القادمة. يا لبشاعة ودقة الاستعارة: فعلا انتحاريون وسط النار!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو