الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مكان ما

صبري هاشم

2010 / 12 / 5
الادب والفن


ما بين خيمةٍ في منتصفِ برّيةٍ
وبين فندقٍ مشرفٍ على بحيرةٍ تحتلُّ قلبَ برلين
صلْ بيتاً مِن الشِّعرِ أو ضحكةَ صبيةٍ اندلعتْ في المكانين
ما بين خيمةٍ في الباديةِ وقصرٍ في لُبِّ حضارةٍ
اسقِ يا هاجسي في ركنِ حشاشتي بعضَ خميلةٍ
ودعْني ابتهجْ لرؤيةِ ربٍّ يسبحُ في ساقيةٍ مِن حنين
هل كان بهياً في برودةِ ماءٍ آسرة ؟
ما بين خيمةٍ تتنفسُ مِن عمقِ البرّيةِ ندىً
وبين حجرةِ غريبٍ يأتي الصوتُ متهدجاً :
خُذي نصفَ آهةٍ واترُكي للرحيلِ القادمِ نصفَها الآخر
خُذي فأنا لم أتعلّمْ أسرارَ الرّيحِ
ولا أحوالَ الطيرِ
ولم أعرفْ للبحرِ هديراً آخر
خُذي وتَحَوّطي مِن غدرِ النسيمِ
فهو إنْ علا غدا ريحاً صرصراً
وأنتِ هل تعلّمتِ مِن رغبةِ الرّملِ أعنفَ الرّغبات ؟
ما بين أحلامِ البرّيةِ وبين صحوةِ روحٍ معذَّبٍ في جسدِ برلين
خمسون فرساً مقدساً تصهلُ في خَلْوتي وتسدُّ عليَّ منافذَ السنين
وإلى جوارِ منضدةٍ يحفُّ بها السكونُ
يجلسُ إلهٌ غريب الأطوارِ
يحملُ كأسَ الكراهةِ ويُحدِّقُ في فضائي
كلّما رفعتُ نحو القمرِ طرفاً
وأنا أجمعُ شتاتي وأقذفُ الكلامَ :
ـ يا هذا الإلهُ خُذْ كأسَك الملعونةَ وارحلْ
يا أيها الإلهُ
ابحثْ عن طاولةٍ أخرى تمنحكَ كأساً مُبرَّدةً
ربما مِن خلالِها تعلّمتَ شيئاً عن المحبةِ ـ
يأتي الدعاءُ :
يا إلهَ الليلِ والعتمةِ والأقمارِ وكلِّ المتاهةِ
امنحْني القدرةَ على متابعةِ انطفاءِ النجمِ في آخرِ الأفقِ
امنحْني جسداً زورقياً كي أُراوغَ شبقَ الموجةِ اللعوب
يا ملكَ الضبابِ
امنحني نظراً ثاقباً كي أرى ما لم يُرَ
أو بنا تحرف البحرَ
امنحْنا إدراكَ ما لم يُدركْ
فنحن مِن روحِ المتاهةِ إليه داخلون
ومنه خارجون
نبحثُ في عثراتِ اليمِّ عن محّارتِنا القاتلةِ
ها نحن ننصلبُ أمامَ هذيانِ المرجان
في هذا الوطنِ المائيّ
الذي لا تمتلئ فيه الضروعُ بلبنِ الحنينِ
ها نحن مُتصلبون
نتصدّرُ الغرابةَ في لونِ المشهدِ
حيثُ نبيعُ ثيابَ سترٍ ما عادَ ينفعُنا
وقد عرينا وعرِيتْ سرائرُنا
خُذي مِن دنانِ خمرتي ما يكفي للطريق
وأمام محرابي تعللي
وتعبّدي
مثلما برقتْ عيونُ نسوةٍ عبثْنَ بحَيْرَةِ غرابتي
خُذي هذياني الأصيلَ ..
صيحاتِ عنفوانِ الجسدِ الصباحيّ
لشبقِ سفينةٍ حاسرةِ الموجِ
وارحلي عَبْرَ التماعِ البحارِ في غيبوبةِ النهار ِ
ارحلي فسفائني تحرّشتْ بالملحِ
وتخلّت عن قمصانِ نومٍ لم يدُم غيرَ بضعةِ أعوامٍ آسرةٍ
وإنْ شئتِ فتعطّلي هنا
في بابِ الصحراءِ
أو على أعتابِ الميناء
فالبحارُ غادرت
والموجُ أرخى ثيابَ العفّةِ
فادخلي الرّيحَ وتبسّمي
فهي لا تُسلم زغبَها لعبوسٍ أو غَرُورٍ
تعطّلي هنا في قارورةِ الإلهِ
واسكبي مِن عرقِ الجسدِ ما يُسكر الأكوان
هل رأيتِ فارساً مُسافراً في ثيابِ نجمةٍ مِن عطرِ
وأجنحةٍ مِن قهقهاتِ صبيةٍ
لوّثت مِن الفراشِ أطرافَهُ وتندّت في النومِ شفتاها ؟
أنا البحرُ
وسحابةٌ مِن موجِ التّمنّي تعتليني
لوحٌ تائهٌ مِن مدٍّ لنيرانِ الثورةِ التي سيشعلُها الجسدُ بعد حين
لوحٌ لركوبِ المحيطِ المُتعثِّرِ الزرقةِ
لسفينةٍ أدمنت البوحَ على سرّةِ الموجةِ
لتائهةٍ تُرشِدُها نارٌ فوقَ ساريةِ المحنةِ
نحن في أُبّهةِ التكوينِ
في النافذةِ المُتصالبةِ بلاجدوى بوجهِ الرّيحِ
افتحْ هذا المنفذَ
وليدخل نحو صدورِنا هذا العالمُ
افتحْ بوّاباتِ النّفسِ
ولتدخل مجرّاتٌ
مجرّةٌ في إثرِ مجرّةٍ
افتحْ لهذا الهواء الذي لا تعرفُهُ تضاريسُنا
منذ انمحاء خطوطِ الطولِ الأولى
وانبعاثِ الوهنِ في جسدِ الخرائطِ
افتحْ لهشيمِنا
الذي تواطأ على كلِّ شيء فينا
افتحْ فنحن تعلّمنا أنْ نأتيَ
نحو المساء نأتي
نرممُ تحت حنايانا أرواحاً باتت مهيضةَ الجناح
ونأتي
ندخلُ مِن أجملِ بوّاباتِ الليلِ نحو الجنةِ
يا هذا المساءُ أتينا
أتينا
فافتحْ لملوكِ الضبابِ
وآلهةِ الشمسِ
آخرَ باب

11 ـ 12 ـ 2010 برلين
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال


.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه




.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو