الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنوات لا تنسى مع قاسم محمد

يوسف العاني

2010 / 12 / 5
الادب والفن


عام 1959 تعرفت عليه عن قرب..فقد كنت قبل هذا التاريخ أراه مع طلبة معهد الفنون الجميلة، يدخل المعهد وقاعة الدرس بهدوء، يحمل الهم والجد معا وتلمع عيناه بذكاء حاد، وكان يتأمل الآخرين اكثر مما كانوا يتأملونه.في ذلك العام اقتربت منه عن كثب.. ففي الامتحان النهائي كنت مع المرحوم الحاج ناجي الراوي. نمتحن الطلبة بدرس الابتكار وكنت آنذاك أحاضر في التمثيل الصامت والابتكار. ولكن الصف الذي كان فيه قاسم محمد لم يكن من حصتي في المحاضرات.تقدم الى الامتحان شاب نحيف القوام هادئ الملامح والطباع، واثق من كل ما يقول او يؤدي في المشهد الذي يقدمه، طرحت على قاسم بعض الأسئلة فرد عليها بتواضع جم ولكن بثقة عالية بنفسه. فقلت له: ستكون فنان مسرح له موقعه الكبير!!منذ ذلك اليوم أحببت هذا الفنان الشاب (العراقي) الأصيل الرقيق كالنسمة الحاد كالسيف حين يتطلب الموقف حدة الطبع او حسم الحالة فيه. تابعته عن قرب وبعد.. فعرفت عنه المثابرة والجدية وعمق الرؤية ومواصلة البحث. واستمرارية العطاء.. ثم عملنا معا في فرقتنا-المسرح الحديث- فكان قاسم ومازال ابن الفرقة البار وفنانها الشاب المبدع، فحين وقف على المسرح في مسرحية (الخال فانيا) عام 1962 كان محط أنظار النقاد ومحبي المسرح.. وغادرنا قاسم للدراسة في الاتحاد السوفيتي.. وهنا اعترف انني مدين له بالكثير في فترة كنت فيها أعاني الاغتراب في لبنان أحاول ان أتعرف على كل ما هو جديد ونافع في مجال المسرح والفنون الأخرى.. وكان قاسم نافذتي المطلة على ما يجري في الساحة المسرحية بموسكو، فقد كانت رسائله وثائق تفصيلية عن كل تلك النشاطات البعيدة عني والتي اقتربت مني عبر قاسم، فناً وشرحاً وتحليلا.. فكنت امتلئ بما كان يصلني من قاسم.. سعيدا باستمرار جديته ومتابعاته وملاحقته كل ما يقدمه المسرح هناك والفرق الزائرة التي تأتي الى موسكو ولو على حساب راحته ووقته الذي يمكن ان ينصرف فيه الى الراحة او الاستقرار النفسي كما فعل الآخرون..وعاد الى بغداد يحمل (النخلة والجيران) ليفتتح بها باكورة اعماله المسرحية مع فرقة المسرح الفني الحديث.. معدا ومخرجا.. تلك المسرحية التي كانت ومازالت علامة مضيئة في مسيرة مسرحنا العراقي الاصيل..وكنت في تلك المسرحية امثل أول مرة مع قاسم محمد-المخرج-ليؤكد لي ما قلته له عام 1959.. وبدأ قاسم يعمق بحثه واجتهاداته الكثيرة التي تعرف عليها الجمهور وأحبها واقترب منها واندهش من بعضها لحداثتها وصيغها الجديدة المتجاوزة صيغا تقليدية شبع منها مسرحنا حتى اختنق! خاض في التراث شغفا واستيعابا لكنوزه الجديدة بالتجسيد مسرحيا، وتواصلاً مع الحداثة في معظم مضامينها وأشكالها لتستمر محطاته المسرحية في درب المسرح المتألق كما في: النخلة، والجيران، الشريعة، الرجل الذي صار كلبا، نفوس، بغداد الأزل، ضمير المتكلم، مجالس التراث، مقامات الحريري، رسالة الطير.. وغيرها ليكون بحق رجل مسرح بجدارة الفنان واستيعاب المثقف، ان العمل مع قاسم.. حالة من حالات الفرح.. اقول ذلك من خلال مسرحيات عملت فيها ممثلا وقاسم مخرجا.. سواء كان النص المكتوب لي ام له ام لغيرنا.. ان قاسم حين يتقدم ليخرج عملا مسرحيا فانه يدخل بيت سعادة جديدة.. وحين يسعد.. فانه لا يحتكر السعادة لنفسه، بل يرشها على كل العاملين معه.. لتصل بعد ذلك للناس.. انه يضع متاعب الحياة خلف ظهره.. ويأتي وكأنه في عرس، يحول كل الأشياء الصعبة الى حالة من اليسر والسهولة.. حتى نخاله أحيانا (يكذب) علينا، لكننا-نحن الممثلين نكشف بعد ذلك انه صادق كل الصدق.. واثق كل الثقة.. فنتحول بعد هذا الى طيور محلقة في فضاء- المحبة- فقاسم محمد.. عاشق كبير لفن اسمه (مسرح) وهو حين يقف متأملا ما يجري على خشبته يعيش حلما عذبا وجديدا.. يرفضه ان وجده حالة معادة ومكررة لا إضافة فيها ولا إبداع يحتويها..قنوع في البداية بما يقدمه الممثل.. متساهل في الخطوات الأولى، لكنه بعد مراحل.. يطالب بالمزيد.. يطالب بتأمل الحالة.. بالبحث عن الاعماق فيها.. فتراه ينهض يدور حول نفسه وحول الممثل ويردد كلمات هي كالشعر وأحياناً هي الشعر بعينه.. ليوقظ الأحاسيس النبيلة عند الممثل او الممثلة..لتجد جسرها ومكانها بعد ذلك الى المشاهد.. الذي لابد من ان يكون يقظاًَ منتبها وليس في (رخاوة) كسولة تشل الانتباه او التأمل..ان قاسم محمد.. وبكل صدق أقول.. يفلسف كل سطر في النص وكل صورة في العرض.. ويحول الممثل.. مرحلة مرحلة، الى راقص ومغن من دون ان يرقص او يغني، بل يمثل كل الحالات من بينها الرقص والغناء.. وقاسم حين يعمل مع أدوات مبدعة تراه يزداد إبداعا باندفاع ساخن لا يقف عند حد.. لقد أدركت ذلك حين اخرج النخلة والجيران والشريعة مع كاظم حيدر في استعماله المسرح الدوار أول مرة في المسرح العراقي.. في النخلة والجيران.. واستعماله جزءاً من قاعة المسرح بوضعه (البلم) الزورق..داخل القاعة جزء من الفضاء المسرحي.. وأبدل مكان الدخول الى (الشريعة) من خلف المسرح الى مقدمته..ان (بعث الإبداع) عند كل العاملين مع قاسم هدف كبير، بل رئيس عنده.. ليملأ كل العاملين معه بالثقة بما يقدمون عبر عشقه الكبير –كما قلت-المسرح، قاسم فخر من مفاخر مسرحنا العربي على سعته وتاريخه في الماضي والحاضر. وسعيد من يتعامل معه كاتبا او ممثلا.. وقد نلت تلك السعادة في مرات عديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
عادل الخياط ( 2010 / 12 / 5 - 21:40 )
تحية للمبدع يوسف العاني..نورت موقع الحوار المتمدن بطلتك من نافذته.. أما ماذا يمكن أن يُقال عن يوسف العاني , فإن هذا القول سيُبحر في موج أزلي من الإبداع
تحية مرة أخرى ودمت منارا للإبداع العراقي


2 - انتم الاعلون
محمد الشمري ( 2010 / 12 / 23 - 05:02 )
الف تحيه لكم جميعا مشاعل العراق التي تحترق لتنير الدرب للمناضلين من اجل الحريه والانعتاق

اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم