الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب : تراجيديا الديمقراطية في إيران

محمد حسن فلاحية

2010 / 12 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعدّ الصحفي والناشط في مجال حقوق الانسان ورئيس جمعية دعم السجناء في إيران السيد عماد الدين باقي من أبرز الشخصيات التي تطرح حقوق الشعوب غير الفارسية من خلال مقالاته وأطروحاته التي تستند على مبدأ حقوق الانسان كمنهج متبع في جميع نشاطاته فدافع باقي من هذا المنطلق عن عدد من الاحوازيين الذين تعرضوا للسجن خلال فترات تاريخية متفاوتة وتلقى نتيجة ذلك تهديدات عدة من قبل المخابرات بسبب دعمه هذا وتعرض للمضايقات والاعتقال للكف عن دعمه للعرب وبقية الشعوب في إيران و أجبره القضاء المسيس وغير المستقل في إيران على إغلاق جمعيته المذكورة.
تركت إطروحات باقي بصمات واضحة في مجالات عديدة منها حثّ مهدي كروبي عندما رشح نفسه في عام 2009 للإنتخابات الرئاسية في إيران الى تبنّي قضايا حقوق الإنسان وعلى رأسها قضية الشعوب ودعم مطالبها العادلة فدخل السجن لعدة مرات و أصدرت المحكمة الثورية أخيراً حكماً ضده بالسجن لفترة 7 سنوات وحرمانه من مزاولة النشاط الصحفي والاعلامي نتيجة مقابلة كان قد أجراها مع أحد أبرز القيادات الدينية المعارضة في إيران أية الله منتظري قُبيل رحيله والتي إتهم فيها خامنائي بالديكتاتورية علناً مما أثار غضب المحافظين وأعتقل بُعيد بث المقابلة على شاشة بي بي سي الفارسية واليوم هو يواجه السجن سبعة أعوام بذريعة إجراء تلك المقابلة وأيضاً قضية نشره كتاب "تراجيديا الديمقواطية في إيران " والذي خصص جزءاً كبيراً منه للإغتيالات التي طالت الصحفيين والسياسيين متهماً وزارة المخابرات الايرانية بالوقوف وراء كل ماشهدته البلاد من أحداث دامية وعنف مبرمج وتفجير مرقد الامام الثامن لدى الشيعة .
والواقع أنّ إتهامه بهذا الحكم جاء بذريعة إجراءه المقابلة مع منتظري و التي صدر بحقه جراءها ست سنوات الهدف من هذا الحكم الحد من نشاطه خاصة فيما يتعلق بحقوق الشعوب الايرانية .من هنا نسعى من خلال هذا المقال أن نتناول فيه أهم كتابات باقي و نلقي نظرة على تكوينه الفكري وخاصة ماجاء في كتابه المذكور للتعرف على حجم تدخل المخابرات الايرانية في غياهب إتخاذ القرار في إيران والسناريوهات العديدة التي تجرى داخل إطارالثورة الاسلامية حيث يُعدّ كتاب تراجيديا الديمقراطية في إيران من أهم الكتب التي تناولت مجريات الاحداث داخل إيران منذعام في حقبة بسيطة من الثمانينيات في القرن المنصرم يمكن تعميمها على عمر الجمهورية الاسلامية برمتها وقامت السلطات الايرانية بمنع تجديد نشرالكتاب بسبب ماكُشف فيه عن المستور وللتعريف بهذه الشخصية ومعرفة أفكاره وركائزها نتناول في قراءتنا للكتاب من منطلق موضوعي .
نبذة تعريفية بالكاتب :
عمادالدين باقي مواليد 24 نيسان/أبريل 1962 ناشط سياسي وصحفي منتقد للتيار اليميني وهو عضو مؤسس لجمعية دعم حقوق السجناء وهو عضو سابق في الحرس الثوري الايراني ولديه عدة مؤلفات على رأسها تراجيديا الديمقراطية في إيران وعدد أخر من الكتب التي لم تصدر إجازة لنشرها بسبب تناولها لموضوعات تكشف ما يدور خلف ستار النظام الايراني . باقي يعتبر من الجيل الأول للحرس الثوري في إيران أصوله دينية ولد في أصفهان وانتقل والده الى الكويت ثم النجف وعاد الى طهران قبل الثورة تزوج في سن الثامنة عشر وكان أية الله الخوميني من قرأ خطبة زواجه . عمل عدة سنوات بتدريس اللغة العربية حتى الثمانينات من القرن الماضي وتعرض لمحاولتي إغتيال من قبل مجاهدي خلق ، قام بتأليف كتب التاريخ للمرحلة الإعدادية . هو خريج فرع السوسيولوجيا من جامعة العلامة طبطبائي مرحلة الماجستير مختص بقسم التأريخ ، تأريخ الثورة الاسلامية ولديه عدة كتب في هذا المجال . إنتمى الى جماعة الحجتية في البداية ثم تحول لناشط ضد الحركة وكتب العديد من المقالات ضد هذه الحركة . نشط في فترة خاتمي عبر مقالات عدة في صحف إصلاحية وعمل كمستشارلكروبي في 2009 اثناء ترشحه للإنتخابات الرئاسية ويعد من أتباع وطلاب المرجع الديني الشيعي أية الله منتظري ولديه شهادة دينية من الحوزة الدينية في قم.
نشاطاته المدنية :
1- تأسيس جمعية الدفاع عن حقوق السجناء عام 2003 .
2- عضو المجلس المركزي في جمعية دعم حرية المطبوعات .
3- تأسيس جمعية صيانة حق الحياة (مناهضة الإعدام ) عام2005.
تعرف الرأي العام الايراني على باقي في الفترة من 1999الى2001 وتلك الفترة يعرف عنها بإزدهار الصحافة الفارسية في إيران وذلك بسبب مقالاته التي اثارت الجدل حول عدة قضايا منها مسلسل الإغتيالات و فضح البعض من رجال الدين الذين ينتمون الى السلطة .حصل باقي على عدة جوائز بسبب نشاطه المدني والاعلامي منها جائزة من قبل مؤسسة باركينسون عام 2004 وجائزة اللجنة الوطنية الفرنسية في مجال حقوق الانسان وفي عام 2009 حصل على جائزه مارتين انالز . أهم مؤلفاته هي كتاب في معرفة حزب القاعدين ؛ وهو کتاب يدرس فكرة تأسيس جماعة "حجتية" السلفية الشيعية . وكتاب"روحانيت= رجال الدين" يشمل تحاليل لمعرفة رجال الدين الشيعة "روحانيت "؛ وهو كتاب يدرس بصورة بحثية و تاريخية حول رجال الدين من منظار تاريخي و ثقافي و اقتصادي ويدافع فيه عن رجال الدين الذين يمتلكون رؤية ومنهاج تقدمي وثوري وينتقد أولئك الذين ينتمون الى اليمين أو المحافظين و بعد نشره تم حجبه من قبل وزارة الثقافة والاعلام .
ومن بين أهم كتبه التي شكلت منعطفاً في تحدياته أمام السلطة التي لا لبس فيها و منهجه الذي يتحدي فيه الفكر القائم لدى النظام حيث يتسم بالصراحة كتاب " تراجيديا الديمقراطية في إيران " الذي يتناول فيه بشكل خاص مجريات الاحداث السرية التي تتم من قبل المخابرات وخاصة في جزءه الثاني مجموعة الذي يشمل بحوثاً و وثائق حول مسلسل الإغتيالات التي طالت الناشطين والسياسيين خلال الفترة التي سبقت تأليفه وطريقة تعامل السلطات لمعارضيها واستخدام العنف والتصفيات. ينقل الكتاب حديثاً أجراه "سعيد إسلامي أو إمامي" وهو ضابط مخابرات رفيع المستوى يتلقى أوامره من كبار القادة الايرانيين أثناء قيامه بتنفيذ الاغتيالات في حين هو خريج إحدى الجامعات الامريكية يشير الى هذا الحديث نقلاً عن إسلامي أو إمامي بقوله :
" في فترة الحكم الملكي كنا هكذا أيضاً عندما نحضر في الجامعة باعتبارنا طلاب نقوم بقذف زجاج كلية الهندسة بالحجارة عندما يشتد النقاش ونقوم بتهشيم الزجاج ونشتبك مع حرس الجامعة وكان ذلك السلوك تمهيداً للحرية التي أدركناها أنذاك وبعد أن تحولنا الى موقعنا الذي نحن الأن فيه"منصب إستخباري رفيع" أدركنا أننا كنا مخطئين ولم نستطع الوصول الى فهم واضح من الحرية . فالحرية لا تعني تهشيم الزجاج فالحرية هي نقلة نوعية في الفكر نعم هي تعبر بالضرورة عن طريقة ما في الاحتجاج ونحن قد تخلينا عنها ". ويضيف إمامي قائلاً :" نحن نعتبر مفهوم حقوق الإنسان عبارة عن مفهوم غير وارد لاننا نؤمن ونصر على ما نؤمن بأنها يمكن أن تصبح من مبادئنا " يضيف إمامي :لا يوجد لدينا سجين سياسي ولا نقوم بتصفية شخص ما داخل البلاد ... كان أحد قادة الإستخبارات الاجنبية يتباحث معي حول مجاهدي خلق ويسألني هل قمتم بقتل مجاهدي خلق ؟ قلت نعم من الواضح أننا قمنا بقتل مجاهدي خلق ولم نقم فقط بقتل هؤلاء وإنما قمنا بقتل عدد أخر من المعارضين . ويكمل فكرته حول قضية مقتل ستة ألاف يهودي في المحرقة ويقول أنّ أحد النازيين الجدد زوده بكتب موثقة تشير الى بطلان نظرية مقتل هذا العدد من اليهود وما يدور من كلام حول هذا الأمر ما هو إلا مجرد كلام فارغ .
يبدأ باقي كتابه "تراجيديا اليمقراطية في إيران المجلد الأول" والذي يشمل مجموعة مقالات و حوارات أجراها عماد الدين باقي حول سلسلة الاغتيالات وشبکة مافيا الاغتيالات في وزارة المخابرات الايرانية "إطلاعات" وأيضاً تقاريرو مقالات قام بإعدادها في فترة خمسة أشهر نشرت في الصحف ويشمل الكتاب بعض الوثائق التي لم يتمكن من نشرها تخص الاغتيالات ووثائق أخرى تضمنها الكتاب.
أما المجلد الثاني يقوم بشرح شبكة إستخبارية قام بإنشاءها سعيد إمامي وتقديم تحاليل حول تلك الشبكة وخاصة تفجيرضريح الامام الثامن للشيعة في مشهد وعمليات إغتيال القساوسة المسيحيين في إيران حيث يحقق بعين فاحصة لصحفي يستقصي الحقائق التي تحوم حول وزارة المخابرات الايرانية ويحاول إستكشفها في هذا الكتاب . كان وزير المخابرات الذي تمت تصفية عدد من القساوسة والصحفيين خلال فترة وزارته "علي فلاحيان" ومساعده الخاص شخص يدعى فلاح وسعيد إمامي مساعد الأمن الداخلي لوزير المخابرات كان يخطط وينفذ بنفس الوقت إستناداص لما تصله من أوامر عليا . يصف باقي كتابه في التوطئة : "هذه المقالات عبارة عن تحقيق يومي يجرى حسب رغبة متعطشة للمجتمع من أجل معرفة الحقيقة وما يدور خلف الكواليس ولا يمكن لهذه التساؤلات أن تسد فراغ الحقيقة لكنها عبارة عن "فلاش بك" ويرى باقي أنه لايمكن التخلص من ثقافة العنف عبر كشف ماجرى للمثقفين المعارضين وهم ضحايا عنف عمليات المخابرات . لكن هذا الكتاب هو عبارة عن فضح ممارسات العنف التي تشكل وصمة عار على جبين أي نظام يمارسها للتخلص من معارضيه .
فالنقطة المهمة للغاية هنا هي أن هذه الحقائق لا تأتي من شخص عادي وإنما جاءت من شخص يعتبر نفسه جزء من منظومة هذا النظام والاهم من ذلك كشف النقاب عن ممارسات العنف والتي جاءت من قبل قادة عسكريين و أمنيين بارزين في النظام .ولأول مرة يحدث في تاريخ هذا النظام أن يصدر بيان "البيان رقم15" من قبل وزارة المخابرات احول الاغتيالات لتي ألقت اللوم فيه على عناصر غير منضبطة في وزارة المخابرات وتتحدث عن تشكل مافيا في الوزارة حيث عملت هذه المافيا من تلقاء نفسها كما صنفتها الوزارة المذكورة .
هذه العناصر التي توصف بغير المنضبطة والتي كشف عنها باقي وهي عناصر رفيعة المستوى في المخابرات "سعيد إمامي" عبر عنها نفسه "إمامي" قبل إغتياله أو كما يقال إنتحاره بالقول أنه لم يفعل شيئاً من تلقاء نفسه وأن المرشد ورئيس الجمهورية ووزير المخابرات كان على علم بما يخطط له وينفذه . فعمليات الاغتيال التي يعتبرها باقي من أكثر الجرائم التي تقشعر لها الابدان ولا يمكن وصفها بما تحمله من قساوة في تصفية الاخر ويتساءل باقي في هذا السياق في كتابه " كيف يمكن لسعيد إمامي أن يقوم بعمليات قذرة بإحتقار سجين رأي بصورة مسيئة جداً وهو يتحدث في خطابه وكأنه يقوم بنشر مفاهيم إنسانية ينجذب لها السجين ويصور نفسه كملاك يريد إنقاذ المعتقلين في حين يجبر السجين على خلع ملابسه والرقص أمامه " .
ثم ينتقل باقي الى إنفجار مرقد الامام الشيعي الثامن في مشهد والذي نسبه أيضاً الى سعيد إسلامي ويعتبر ماجرى في مشهد من إنفجار وقتل عدد من الابرياء يشكل صورة بشعة تتعارض والانسانية بما تحمله من مفاهيم .ويصفها بالشكل التالي :" هي من إجراءات المخابرات حيث تقوم بتعريف أشخاص هم أساساً يقبعون في السجن بأنهم مسؤولون عن التفجيرات حيث قامت عبر التعذيب لإنتزاع الإعترافات منهم فمن الواضح أنه يقوم الشخص الذي لايعلم شيئاً عما جرى هناك بمقاومة التعذيب وخاصة إذا كان الشخص الذي تعرض للتعذيب "مهدي نحوي" ( من أعضاء مجاهدي خلق الذي كان في السجن أنذاك ) يحمل رؤى مذهبية لأنه يعرف بأن إعترافه بمثابة القضاء على نفسه تلقائياً من هنا غيرت المخابرات أسلوبها لأنها فشلت في انتزاع الإعتراف وخططت لسيناريو أخر حيث يقوم الضحية "مهدي نحوي" بلعب دور الهارب في شوارع طهران المزدحمة باستخدامه سيارة "سعيد إسلامي" ويزودونه بمسدس لكي يشاهد عدداً أكبر من الناس هذا المشهد ، كان مهدي نحوي شاباً لا يملك خبرة يقوم ضابط الامن "اسلامي" بإطلاق سراحه في الشارع ويهرول الشاب هارباً خارج السيارة وبعد لحظات يخرج الأمنيون ويأمروه بالتوقف ولكنه لا يمتثل ويواصل الهروب من هنا يطلقون النار عليه ويردونه قتيلاً ليقولو للناس أنه من فجر الضريح وعند هروبه من قبضة الأمن تمت تصفيته في تلك الليلة يبث التلفزيون الرسمي خبراً عن الحادث ويسأل شهود العيان عن الحادث وكأنها حادثة طبيعية ولم يعرف أحد أنه سيناريو مخطط له من قبل .
ويشمل الكتاب أحداثاً شبيهة كلها تعبر عن قسوة النظام في التعامل مع معارضيه و يروي مشاهد حدثت بالفعل وكانت في معظمها تراجيدية بمخطط إستخباري من تنفيذ وتخطيط عناصر إستخبارية مارست العنف ضد الأخر في السجون وإغتالت الكثير بسيناريو معد سلفاً لا رحمة فيه ولاشفقة دون أن يعرف أحد ما أنه من تنفيذ المخابرات .
للكاتب مواقف كثيرة وقفت بوجه هذه الممارسات الدموية مثل كتابته رسالة الى زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله يطالبه فيها باتخاذ موقف من الإتهامات التي تطاله ومفادها أنه يشارك، مع "حماس" في قمع التظاهرات التي حدثت بعد يونيو2009 في إيران وتكمن أهمية موقف باقي لأنه كان من داعمي حزب الله، وكان قد نظّم مؤتمراًت عدة لدعمه ولكن اليوم أين يقف من هذا الحزب وقضايا مشابهة يمكن معرفة هذا الأمر بعد التعرف على مواقف باقي حيال قضايا عدة تخص النظام في إيران ومن يدور في فلكه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية