الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاللي جرى

عوني الداوودي

2010 / 12 / 6
الادب والفن


لا أذكر متى وأين سمعت لأول مرة أغنية " عاللي جرى للفنانة " علّيا التونسية " وأحببتها. كل ما أعرفه، أو يمكن القول ما أتذكره، كحلم جميل، كان الزمن فيه جميلاً .
والحقيقة لا أعي على وجه الدقة إن كان زمن جميلاً. أم .. لا !! لكن الأكيد الذي ألمسه في حاضري هو هذا الشعور الخفي الذي يسري كدبيب النمل لكل خلية من خلايا جسدي. أنه إحساس يمكن أن تصفه بشتى الأوصاف، أو قل .. تنعته بشتى النعوت، لكن الطابع السائد لهذه المشاعر، جبروتية تغزوك على غفلة منك، كتسلق وصولي حقير حبال السلطة ليصبح لاحقاً دكتاتور طائش يتحكم بمصائر الملايين من البشر، ويخضع مقدراتهم لنزواته الطاغوتية، أو كأي جيش غازي لا يترك لك خيارات غير الإنزواء والإستسلام لخيار واحد، يدحرجك بقوة لماض ٍ بعيد، تبدو ملامحه متشابكة كأشجار غابة كثيفة.
أنه شعور يجمع تناقضاته بين جوانحه، شعور ما بين الحنين، والنقمة، بين الأرتياح، والقرف، النفور، والقناعة.
يتلفن صديقي سلام ... عوني أدر قناة تلفازك للمحطة الفلانية .. يابة ليش، بعدين تعرف، وإذا بها غنوة الدق على أوتار ماض بعيد لا تطله مخالبك، لتمزقه شر تمزيق، أو لربما تنحني إجلالاً لما قدمه لك من دروس في فن حماية قلبك من التلوث.

بعد أكثر من ثلاثة عقود تمر مطربة محدثة " أصالة " مرور عربات قطار تائه عن سكته فوق أشلائك المتناثرة على أكثر من محطة، ومدينة، وبلد، مع فارق يحمل بين طياته أكثر من تعبير، ودغدغة، وشجن ..
في ريعان الصبا لا تحملك العبارة، أو الجملة الموسيقية، لأكثر من الحط على أول غصن تركت قلبك الصغير عليه معلقاً .. لكن مع تقدم العمر، واتساع الأفق الفكري والثقافي، هناك دائماً فخاخ منصوبة لك خلف، وأمام، وما بين الحروف المتراصة، لتبدأ معها لعبة تفكيك العبارة، ووقعها، والكلمة الشعرية، وفعلتها، إيجابية كانت أم سلبية، وفي أكثر الأحوال تأخذ العبارة منك زمام المبادرة والفعل، لتمارس ساديتها عليك، والتلذذ بإنتقامها منك وإستهلاكك كأي بضاعة تباع في أسواق الخردة، وتأخذك لعوالم تمتد وتتقلص حسب الزمان، والمكان.

والمصيبة الكبرى تكمن عند شعورك بـالتغرب " التشيوء " عند ذاك سيكون المكان قاسياً عليك قساوة سياط جلاد أرعن لا يحترم حزن ضحاياه، أما إن كنت تمر بما يسمى بخريف العمر، هذا ( المصطلح الخرافي ـــ هناك شباب يمرون بخريف العمر، وعجائز يقضون أحلى الأيام بروح شابة مرحة !! ) يكون الإرتباط بالماضي البعيد، والجنون العاطفي والسياسي على أشده، وفي الحالتين لا تعدو بقضك وقضيضك أكثر من قربان يُنحر كل ساعة على مذبح التشبث بالزمكان الذي مضى دون عودة.

ما معنى أن تبكي عندما لا تكون بحاجة للبكاء، في حين أنك اليوم أحوج من أي وقت مضى لغسل أوجاعك ... لكن الدموع تأبى السقوط في زمن القحط، فهذه النفس اليباب اليوم بأمس الحاجة من أي وقت مضى للإرتواء من فيض الدمع المتساقط من عينين متعبتين من كثرة الرنو بعيداً للمح ولو بيرق من شأنه إضاءة عتمة دواخلك، ومن وقفة جادة أمام مرآت روحك التي قُضمت على مراحل وبهدوء دون رحمة.

قبل أكثر من مليون عام كنت تردد مع عليا :

" بس لما تيجي واحكيلك ... عاللي جرى
ومسح دموعي بمنديلك ... عاللي جرى
متغربين أحنا ... متغربين
تجري السنين وأحنا .. في جرح السنين
إلى آخر الأغنية :
وتاهت المراسيل .. بين النهار والليل
ما فضلش غير دمعة .. مرسومة بالمناديل "

أما اليوم ....

يلاحقنا الماضي البعيد حتى في فنجان قهوتنا،
وفي فراغ رشفة الكأس، في روائح التوابل والدخان
في التأمل لصلاة أمي ودعائها
في صخب الأطفال وضجيجهم
في نشرات الأخبار
والصلبان شاخصة

كان الحلم كبير، ولم يزل

تيتمت روحي .
في أحشائي ينمو القرف كالطحالب
وقلبي يتدحرج على الحجارات الحادة تتربص به السلاطعين أفواجا

لا تسل عن ماضِ ولى ... ولا عن حاضر ليس بمقدورك ترويضه.

كأسك صديقي ...
شتاء 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا