الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحديات المغاربية في عالم متغيّر

عبدالله تركماني

2010 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعد نهاية الحرب الباردة شهد العالم، بأجمعه، تحوّلات فارقة، فسقطت رؤى، وانبثقت بديلاتها، تراجعت استراتيجيات وظهرت أخرى، تشكلت علاقات دولية جديدة، تحكمت في نشأتها وتبلورها مصالح جديدة بديلاً عن تلك التقليدية، وشهدت الأقاليم المختلفة تقسيماً جديداً للعمل، مما حدا بجزء غير يسير في العالم إلى إعادة تشكيل ذاته وبناء مستقبله تأسيساً على المعطيات الدولية الجديدة والمفاهيم المستحدثة للتعاطي مع تحديات العصر.
وفي المغرب العربي متغيّرات جديدة وأسئلة جديدة، تتطلب تشخيصاً معمّقاً للتحديات ولكيفيات التعاطي المجدي معها، إذ ثمة مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدعو إلى تجنّب المآزق والأزمات المعطِّلة لمشاريع الإصلاح والتنمية. وهو الأمر الذي يتطلب الكثير من المساعي القادرة على تجاوز تركة الماضي، للتمكّن من بناء الروافع الفكرية الجديدة المساعدة على تأسيس حقبة جديدة في التاريخ المغاربي المعاصر.
وفي محاولتنا معرفة أهم التحديات التي تواجه الدول المغاربية وجدنا أنها تتركز على الخصوص في: البطالة، والفقر، والهجرة، والإرهاب، وضعف الأداء الاقتصادي، ومحدودية التنمية الإنسانية، وإشكاليات الصحراء الغربية، وتعثر الاتحاد المغاربي.
إنّ أكبر التحديات التي تواجه منطقة المغرب العربي تكمن في عدم قدرة الاقتصاديات المحلية على توفير فرص عمل كافية للشباب، مما يزيد معدلات البطالة ويهدد الاستقرار الاجتماعي، ومخاطر الهجرة غير الشرعية نحو دول شمال البحر المتوسط. وبسبب ذلك ارتفعت معدلات الفقر في السنوات الأخيرة في دول المنطقة، خصوصا في الجزائر والمغرب وموريتانيا، إذ يقدر عدد الفقراء بنحو 18 % من مجموع السكان، وكانت هذه النسبة لا تتجاوز الـ 12 % في بداية تسعينيات القرن الماضي.
لقد أظهرت إحصاءات اقتصادية أنّ دول الاتحاد المغاربي تخسر نحو عشرة مليارات دولار سنوياً، ما يعادل نحو 2 % من ناتجها القومي الإجمالي، بسبب غياب التنسيق في المواقف الخارجية, وتعثر قيام سوق مغاربية مشتركة, واستمرار الاعتماد على الأسواق الأوروبية في تسويق الصادرات واستيراد المواد الضرورية. وبحسب المعطيات لا تتجاوز التجارة البينية بين دول المغرب العربي نسبة 5 %من مجموع تجارتها مع الاتحاد الأوروبي، المقدرة بنحو 80 مليار دولار.
ومن المؤسف أنّ التجارة البينية المغاربية تمر عبر أطراف ثالثة غالباً ما تكون دول الاتحاد الأوروبي، إذ لا تستورد المغرب من الجزائر سوى 5 % من المشتقات النفطية المقدرة بنحو 2.5 مليار دولار. والجزائر بدورها تستورد أقل من 1 % من صادرات المغرب الغذائية, فيما تستورد بنحو 5 مليارات يورو من السلع الغذائية الأوروبية، وبعضها أُنتج في المغرب. ويخسر البلدان معا بين 5 و 6 مليارات دولار سنوياً بسبب الحواجز الجمركية المعقدة، وإغلاق الحدود وغياب تشريعات متناسقة. والشيء نفسه ينطبق على صادرات الأسماك، فعلى رغم أنّ المغرب من أكبر المصدّرين للأسماك في المنطقة، فإنّ إيطاليا وإسبانيا هما أكبر مزوِّد لأسواق تونس وليبيا من الثروة البحرية.
لقد عانى المشروع المغاربي، الذي انبثق من ديناميكية حركة التحرر الوطني في خمسينيات القرن العشرين، من صراع المحاور الداخلية، الذي تركز في التنافس المغربي - الجزائري داخل الدائرة الإقليمية وامتداداتها عربياً وأفريقياً. ولم يكن اختلاف نماذج الحكم و الخيارات الأيديولوجية والتوجهات الاقتصادية هو العائق الأساسي الذي حال دون نجاح الاندماج المغاربي فحسب، بل إنّ المشكل المحوري الذي اعترض هذا المشروع هو التضارب القائم بين الطرفين المركزيين في الاتحاد المغاربي، من حيث العلاقة الثنائية والملفات الإقليمية، مما تمتد جذوره إلى ما هو أبعد من موضوع الصحراء، مع الإقرار بأنّ هذا الموضوع هو بدون شك العقدة المستعصية اليوم في الرهان المغاربي.
ومن المفارقات الملفتة أنّ الجزائر والمغرب ملتزمان علناً بالإبقاء على الاتحاد المغاربي وتطويره وتفعيله كفضاء للحوار والتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي، غير أنه لا يمكن الحديث عن فضاء بهذه الأهمية الاستراتيجية مع استمرار الحدود المغلقة بين دولتين جارتين تشكلان مركز الثقل في البناء المغاربي، والحال أنّ تأثير هذا الوضع غير الطبيعي ينسحب سلباً على المنطقة المغاربية برمتها، ولم يعد مقبولاً من الطرفين انتهاج سياسات سلبية يتضرر منها شركاؤهما في الاتحاد المغاربي. فعلى سبيل المثال لم يتجاوز عدد السنوات التي بقيت الحدود البرية خلالها مفتوحة بين الجزائر والمغرب سوى 14 سنة منذ استقلال الجزائر في العام 1962.
وفي حين أنّ سياسات القوى الدولية ترى في المنطقة المغاربية خزاناً نفطياً وموقعاً استراتيجياً فضلا عن كونها سوقاً للسلاح بامتياز، فإنّ الجارين المغاربيين اللذين يلتقيان تحت مظلة منظومة 5+5 بين الدول الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط، وينضويان تحت لواء الحلف الأطلسي في توجهاتهما الأمنية، إلا أنهما يعجزان عن اللقاء تحت سقف المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
ومن المفارقات أيضاً أنّ بلدان الجوار المغاربي، في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، يعتمدون مقاربات في الحوار مع الأقطار المغاربية تضع في الاعتبار مخاطر تنامي التطرف والهجرة غير الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة، بينما المغاربيون يعيشون في عصر آخر تسيطر فيه الخلافات السياسية، على حساب الضرورات الأمنية والإنمائية والاستراتيجية. كما أنّ البنك الدولي جدد دعوته الدول المغاربية إلى تسريع دمجها، وتطبيع العلاقات وفتح الحدود التجارية والبرية وتسهيل تنقّل الأشخاص والاستثمارات فيما بينها، واعتبر البنك مؤخراً أنّ " تعثّر بناء اتحاد المغرب العربي يكلف اقتصادياته خسارة نسبتها 2 % من الناتج الإجمالي ".
ويبدو جلياً اليوم أنه بات من المستحيل للدول المغاربية التعاطي المجدي مع تحديات العولمة، بما تنطوي عليه من قوى احتكارية متوحشة، بالاعتماد فقط على السياسات الوطنية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. مما يفرض عليها تكثيف الجهود من أجل إحداث نقلة نوعية في العمل التكاملي والاندماجي المغاربي.
إنّ المطلوب من الدول المغاربية للتعاطي المجدي مع التحديات التنموية أن تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية المغاربية، بما يساعدها على الاستفادة المتبادلة من الإمكانيات والموارد المتوفرة لديها ككتلة إقليمية قادرة على الاستمرار والتواصل، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقاً للتطور العلمي والتكنولوجي، وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي الطبقات الفقيرة وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة وتحفظ استقلال الوطن وأمنه وتؤمن مستقبله ومستقبل أجياله. كما يتطلب تنسيق التشريعات المالية والاقتصادية وفتح الحدود أمام التجارة البينية, وإنشاء سوق استهلاكية مشتركة تزيد جاذبية المنطقة في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية, تؤدي على المدى المتوسط إلى تعزيز تكامل اقتصادي حقيقي بين دول المنطقة, تقلص تبعيتها الخارجية وتوفر لديها سيولة أكبر للإنفاق على التنمية. خاصة أنّ المنطقة تمتلك شروط التكامل بين الطاقة والزراعة والمعادن والسياحة والصناعة والخدمات, ما يجعلها مستفيدة من الوضع الدولي بسبب موقعها الجيو - سياسي وانفتاحها الثقافي في الفضاء الأورو - متوسطي.
وفي الواقع يمكن للحكومات المغاربية، إذا رغبت وصممت، أن تغيّر الوضع القائم وتقود المسيرة نحو تحقيق الأهداف المرجوة بتبنّي إدارة حكم رشيدة، وسياسات إصلاح عادلة لصالح الفقراء والطبقات الوسطى، وإدارة موارد نشطة وفاعلة، وتحديد أولويات واضحة ودقيقة للتنمية، وتبنّي برامج الإصلاح الاقتصادي القادرة على خلق فرص عمل تمتص الداخلين إلى سوق العمل، وتستقطب نسباً متزايدة من صفوف العاطلين عن العمل، ومعالجة الفجوات بين المدن والأرياف.
إنّ نجاح الخطط التنموية المغاربية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين من المشاركة في صياغة مستقبل أوطانهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
وفي سياق كل ذلك فإنّ الاعتماد على الذات مغاربياً يحتاج إلى حرية انتقال عوامل الإنتاج المغاربية من رؤوس أموال وقوى عاملة ومنتجات، كما يحتاج إلى ترشيد العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي ووضعها على أسس متكافئة نسبياً، بحيث يمكن تحقيق مزايا جماعية لأقطار المغرب العربي.
وهكذا، فإنّ التنسيق والتكامل المغاربيين يمكن أن يخلقا إمكانية تنمية حقيقية تلبّي الحاجات الأساسية للشعوب المغاربية، وتضمن استقلال الإرادة المغاربية. إذ أنهما ينطويان: أولا، على إمكانية تطبيق مبدأ الميّزة النسبية بالنسبة إلى إنتاج كل من الأقطار المغاربية، وما يترتب على ذلك من زيادة في الكفاءة الإنتاجية، وذلك بأن يتخصص كل قطر في إنتاج السلع التي يتمتع فيها بالكفاءة الإنتاجية. وثانيا، زيادة فرص التوظيف الكامل، فبعض البلدان المغاربية تعاني من انتشار البطالة، بينما يعاني بعضها الآخر من نقص الأيدي العاملة.
وثالثا، تقليل المخاطر الناجمة عن التنافس في التجارة الخارجية بين الأقطار المغاربية ذات الإنتاجية المتشابهة، وما يستتبع ذلك من زيادة في قدرة هذه البلدان على المساومة للحصول على أسعار أفضل وشروط أفضل في تسويق حاصلاتها. ورابعا، تمكين المغرب العربي من اللحاق بركب الدول المتقدمة، عن طريق التخطيط المشترك لتسريع النمو الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي للمواطنين المغاربيين.
إنّ المسألة ذات التأثير البالغ على مستقبل التنمية المغاربية تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، فالكثير من أسباب فشل التنمية يعود إلى الوهم بإمكان تعجيل التنمية الاقتصادية في غياب تحرك واضح في اتجاه التحديث السياسي. وثمة قضية هامة أخرى تتمثل في الموقف من القطاع العمومي، إذ أننا نعتقد أنّ أية تنمية مغاربية ناجحة في المستقبل مرهونة بالمحافظة على دور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني، خاصة في المشاريع الاستراتيجية. إذ أنه لابد من تدخل قوي لسلطة الدولة في وضع المعايير والقوانين والسياسات، وفي جمع الموارد المالية وتوزيعها، وفي إعداد البرامج الاجتماعية ومراقبتها من أجل ضمان الرفاهية للشعوب المغاربية.
إنّ ما يبعث على الاطمئنان - نسبياً - أنّ أكثر الإكراهات تحدياً يفرض النزوع إلى معاودة تفعيل البناء المغاربي، فبعد أن كانت الخلافات إزاء التعاطي مع تنامي التطرف والإرهاب تضع مفارق طرق بين العواصم المعنية أصبحت " مغربة " هذا الهاجس قضية مشتركة بين الأطراف كافة، إلى درجة أنّ الفرقة السابقة باتت تحتم المزيد من التنسيق وتبادل المعلومات والخبرات.
إنّ الدول المغاربية مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بإيجاد أرضية اقتصادية مشتركة، بعيدة عن المؤثرات السياسية، تجسد شبكة من المنافع والمصالح المتبادلة بينها، تمهد الطريق أمامها لتحقيق التكامل المنشود، الذي لن يحقق لكل دولة منها المزيد من القوة والمنافع فحسب، بل سيكون سبيلها للبقاء والوجود في عالم تتحكم به التكتلات والتجمعات الاقتصادية العملاقة.
وهكذا، يحدونا الأمل بأنّ دول المغرب العربي، التي تتوفر على إمكانيات مهمة ومؤهلات هامة، ستكون قادرة على التعاطي المجدي مع التحديات والصعاب، إذا كثّفت جهودها من أجل إقرار الآليات الكفيلة بالسير قدما نحو تفعيل الاتحاد فيما بينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للسيد الكاتب
يحي مغاربي ( 2010 / 12 / 6 - 17:02 )
نتمنى ان يتغلب صوت العقل على صوت الصراع
شكرا جزيلا

اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة