الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*

مصطفى لغتيري

2010 / 12 / 6
الادب والفن



يرتبط الأدب بالإنسان ارتباطا و ثيقا ، فهو شرطه اللازب ، الذي لا يمكنه الاستغناء عنه ، فالإنسان منتجه و مستهلكه ، وهو موضوعه الأثيركذلك ، و حين يقرأ المرء نصا أدبيا ما ، يجد نفسه مدفوعا برغبة لاواعية و قوية للربط بين النص و صاحبه ، فيرسم من خلال النص صورة مثالية لمبدعه ، لكن نادرا جدا ما تصيب هذه الصورة ، فقد يكون النص و صاحبه على طرفي نقيض.


و لعل الامتياز الذي يتمتع به أهل الأدب دون غيرهم يتمثل في أنهم يعرفون حق المعرفة و جهي العملة، أقصد النص و صاحبه ، و تلك لعمري ميزة لا تتأتى للكثيرين.


قد تتيح لي هذه التوطئة الحديث عن المبدعة المحتفى بها السعدية باحدة ، فقد أتاحت لي الظروف معرفة هذه المرأة إنسانة و مبدعة ، لمدة من الزمن كافية ليكون انطباعي عنها قريبا من الصواب ، و قد لا يجانبه إلا قليلا.


كان لقائي الأول بها خلال تأسيس الصالون الأدبي ، إذ كانت السعدية باحدة مؤسسة فعلية له ، كما أثثته بحضورها الدائم و تضحياتها التي ربما لا يعرفها الكثيرون ، تكررت لقاءاتنا و تشعبت ، فأتاح لي ذلك تتبعها عن كثب كإنسانة و مبدعة ، بكثير من الحماس و الشغف ، خاصة و أنني لمست في كتابتها القصصية قوة و نضجا قلما يتأتى للوالجين حديثا لدنيا الأدب، وقد تتوج كل ذلك بتقديمي لكتابها الجميل "وقع امتداده و رحل".


السعدية باحدة امراة استطاعت بكثير من الحنكة أن توفق بين دورها كزوجة و أم، و دورها كمبدعة و ناشطة جمعوية ، و لعل ذلك يعبر بعمق عن شخصيتها التي استطاعت أن تجمع ما بين طبيعة المرأة المغربية المتسمة بالحياء و الخجل و تكريس وقتها لأسرتها، و بين طموح المرأة الحديثة المتمثل في رغبتها في أن تحجز لنفسها موطئ قدم في الحياة العملية و الفكرية ، فإن كانت أخلاقها و سلوكها و هيأتها توحي بامرأة محافظة ، اتخذت من دماثة الخلق والحدب على من حولها ديدنها ، فإنها-بالإضافة إلى ذلك- تتمسك بعقلانيتها و قوة إرادتها في التعبير عن انشغالاتها و من خلال ذلك عن انشغالات المرأة المغربية الحديثة ، التي تأبى إلا أن تشارك أخاها الرجل هموم الفكر و الأدب ، و المساهمة بقبس في تنوير العقل المغربي و الدفع به قدما نحو اكتشاف قارات جديدة في الإبداع و الفكر.


رغم التزاماتها المهنية و الأسرية تواظب السعدية باحدة على حضور اللقاءات الثقافية، و تساهم فيها بفاعلية تحسد عليها ، فهي تعتبرها-كما أسرت إلي ذات لقاء ثقافي- متنفسها الوحيد ، الذي يقيها من الاختناق برتابة الحياة و روتينها ، فكاتبتنا تختلف عن كثير من النساء اللواتي يجدن متنفسا في الغيبة و النيميمة و التسوق و أشياء أخرى.


السعدية باحدة امرأة تتحدى مرضها ، فرغم ما تكابده من معاناة بسبب أمراض أتعبت جسدها و نفسيتها ، فإنها تحافظ على روحها متألقة ، تحلق بها في عوالم الخيال المجنحة ، فتكتب لنا قصصا تواسينا و تعالج أنفسنا المتعبة.


تتميزالسعدية باحدة بخصلة نادرة في زمننا الأغبر هذا ، إنها امرأة الوفاء و سيدته ، تسأل عن أصدقائها باستمرار و تطمئن عليهم ، و تواسيهم ، تفرح لأفراحهم ، و تحزن لأحزانهم ، دوما تفاجئنا بشرطها الإنساني القوي ، و قدرتها اللامتناهية على العطاء ، إنها من تلك النفوس الكبيرة المعطاء ، التي تغمر الجميع بحنانها الأخوي الجميل.


السعدية باحدة مبدعة حقيقية ، أتاحت لها قراءاتها و تكوينها و حضورها للندوات الولوج إلى مجال الإبداع من بابه الرحب ، لقد ولدت نصوصها ناضجة ، حتى أن المرء ليحار في تصنيف مجموعتها "وقع امتداده و رحل " ضمن بواكير الأدباء.


إنها تكتب قصة ناضجة شكلا و مضمونا ، تعتني بجملها بهدوء و رصانة ، فتأتي قوية و صادمة ، تتميز بحيادية خلاقة ،تؤهل كتابتها لتصنف ضمن أدب الكبار.


فلنقف تحية إجلال و إكبار لهذه المبدعة الراقية، التي تذكرنا بالزمن الجميل ، زمن الإخلاص و الوفاء و المثابرة و المحبة والعطاء المتواصل.


*شهادة ألقيت في ملتقى "فتنة الأماسي القصصية" بمدينة الفقيه بن صالح المغربية، الذي تم خلاله تكريم المبدعة السعدية باحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي