الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة ايمانية

احمد حسين

2010 / 12 / 7
حقوق الانسان


بعد مخاض عسير غارق بالدم ودخان الموت شارفت الحكومة التي تمتعت بحمل كامل على أن تطل برأسها، حكومتنا التي دخلت كتاب غينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابه لتحرم الحكومة الهولندية التي احتلت مركز الصدارة بلا منازع في هذا الكتاب منذ سبعينيات القرن الماضي حين تأخر تشكيلها لمدة 208 ايام.
الحكومة المرتقبة المستنسخة عن سابقتها لها مشروع، وهو مشروع يغيض دول المنطقة والعالم الثالث، فهي تخطط لاختراق منظومة الدول المتقدمة وتتجاوزها كما تجاوزت الحكومة الهولندية، ليس هذا بحلم ولا هو إرهاصات مواطن عراقي يطمح إلى أن يكون للعراق شأن بين الدول المتحضرة، بل أنه استنتاج جاء على خلفية الحملة الأخيرة التي شنتها شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغلق محال بيع الخمور والنوادي الليلية، وهو ما يدل على أننا لا نعاني من أية كوارث أو أزمات ـ كلا هذه مبالغات ـ وكأننا لا نواجه إزعاجات ومنغصات في قطاعات الدولة كافة، أو على الصعد السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والمالية والبيئية والخدمية والصحية والتربوية والثقافية والاجتماعية والتنموية، عائقا الوحيد الآن الذي يعطل مشروع اختراق العالم المتحضر هو النوادي الليلية!.
هذا ما يراه الساسة وهو ما تطامنت ضمائرهم عليه، واتفقت سلطتهم التشريعية والتنفيذية والقضائية على تطبيقه، فبلادنا لا تقف على بنى تحتية متهالكة كلما أحيى ارتفاع أسعار النفط أملها بمغادرة خانة الهلاك، وأدته الميزانية التشغيلية المهولة التي تذهب هباء، والعملية السياسية بحاجة إلى (خضرمة وحرمل) لتحميها من عيون الحاسدين، وعلاقتنا الدبلوماسية في غاية المتانة والاستقرار، وأمننا بات تجربة عالمية تعيد إنتاجها الدول، كما أن الاقتصاد في أوج ازدهاره والبيئة الخدمات لا تتوافر عليها فنادق الخمس نجوم، أما الصحة والتربية فهما قطاعان أصبحا مقصدا للمشاهير، ناهيك عن الحراك الثقافي الذي اكتسح ما جادت به الثورة الفرنسية، ولا جدال في الرخاء الاجتماعي والاستقرار، وخططنا التنموية أصابت منظري العالم باليأس لعجزهم عن مجاراتها.
هكذا نحن، ومن الضروري التوضيح هنا مقصد الحكومة من غلق النوادي الليلية ومحال بيع الخمور، فهناك من يظن أنه تضييق للحريات وانتهاك للدستور والحقوق المدنية، وهذا خطأ فادح، حقيقة الأمر أن الحكومة وبعد دراسات عكف على إعدادها فطاحل علم الاجتماع وكبار الأطباء خرجت بنتيجة مفادها أن نسبة عددية غير محددة ومن فئات غير عمرية محددة من العراقيين يقضون ساعات غير محددة وفي أيام غير محددة في حالة انتشاء ومرح متناسيا دورهم الفاعل في رقي المجتمع ـ وليس هموم الحياة ـ كما أنهم وجراء هذه الحالة تتعطل خلايا أدمغتهم عن الإسهام في مشروع الاختراق الكبير، ما يؤدي إلى إخلال بمواعيد الخطة الزمنية المحددة لهذا المشروع.
تدعي الجهات التي نفذت هذه الحملة أن المحال والحانات والنوادي غير مجازة لذلك أرسلت شرطتها السياحية وقواتها العسكرية التي من المفترض أنها مسؤولة عن أمن المواطنين وليس قمعهم لتأديب هؤلاء المخالفين وتذكير الأمة العراقية بأن القانون خط أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة حتى وإن كانت الدستور، لكن هل الفنادق والنوادي الاجتماعية الموجودة قبل وجود هذه الحكومة وسابقاتها غير مجازة أيضا، ومنها النادي الاجتماعي في اتحاد الأدباء والكتاب على سبيل المثال لا الحصر؟.
شرطة السياحة وقوات الأمن بدلا من أن تحمي المواقع الأثرية وتحافظ على حضارة وتاريخ يحني لهما العالم إجلالا، نجدها تنفذ حملة ستكون لها آثار سلبية كبيرة على السياحة الترفيهية في العراق والتي كانت حتى ثمانينيات القرن مقصدا لدول الخليج، وحمل عيد الأضحى المنصرم بوادر عودتها إذ استقبلت محافظة البصرة وافدين من خليجيين بحسب ما أعلنته وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار، كذلك ستعكس الحملة صورة سيئة عن إيديولوجية الحكومة المقبلة وطبيعتها تعاملها مع الحريات الشخصية، والأهم من كل ذلك هو تزامنها مع موجة الهجرة الداخلية والخارجية للعوائل المسيحية عقب جريمة كنيسة سيدة النجاة، هذه الحملة ستدفع المسيحيين بشكل خاص والصابئة وغيرهم وعدد من المسلمين الذين يعملون في أو يديرون محال بيع الخمور والنوادي الليلية بشكل عام للهجرة إلى إقليم كردستان أو الدول المجاورة للبحث عن مصدر دخل، فهل خطرت هذه الأفكار البديهية في خلد مخططي ومنفذي هذه الحملة العشواء؟.
الحكومة بقصد أو بدون قصد تعيد إنتاج ما ابتدعه الدكتاتور المقبور وسماه في حينها الحملة الإيمانية، وكانت حملت لتشريد آلاف العوائل العراقية ممن لا تعاني من تابوات دينية والتي كانت تعتاش من مصادر الدخل هذه، بل أن الحكومة زادت على الدكتاتور في تطبيقها لحملته بغلقها النادي الاجتماعي في اتحاد الأدباء وهو المكان الذي لم يجرأ الدكتاتور على إغلاقه أبان الحملة المشؤومة تلك.
الحكومة المرتقبة على يبدو تريد أن تكون بدايتها شديدة وصادمة، لكن ضد الحريات والحقوق المدنية وليس ضد الإرهابيين والخارجين على القانون وعصابات الجريمة المنظمة والفوضى السياسية والتردي الاقتصادي والخدمية والصحية والتربوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مباركة..
د. رحيم العراقي ( 2011 / 2 / 8 - 05:19 )
صدقني يا زميلي العزيز أحمد أن هذه الحملة الإيمانية المزعومة لم يباركها سوى تجار الحشيشة مابين إيران والنجف والذين عاثوا خرابا وفسادا بعقول أبنائنا و بقبور اهلنا واجدادنا ..مع تقديري (لك طبعاً)..و وافر محبتي

اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد