الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقيد في خريفه !

حارث الحسن

2010 / 12 / 7
كتابات ساخرة


اخر من تبقى من جيل الزعماء الثوريين التقليديين في المنطقة ، يقف العقيد الليبي كظل لمرحلة تلاشت ، وكتعبير كاريكاتوري عن عصر اللاجدوى وتداعي الاحلام القديمة وسقوط المنطقة في وحل الاصولية والعدمية . "أمين القومية العربية" عاش ليرى عبد الناصر يموت ، وصدام يشنق ، ومنظرو القومية العربية يختفون ويحل محلهم خطباء الجوامع والملتحون الغاضبون يطلبون الثأر وحكم القران . يلتفت فيرى الكثير من يساريي الامس وقد صاروا منظرين "ليبراليين" يكتبون في صحف البترول وينزلون في فنادق الخمسة نجوم ويتحدثون عن "السلام" وينظرون للسوق كمنتج للسعادة الابدية. يقلب اوراق كتابه الاخضر متسائلا عن سبب اخفاق العالم في فهم الحكمة القابعة في ثناياه ، مدركا ان زمن النظريات الكبرى قد انتهى وعالم اليوم هو عالم الصورة والميديا والسطحية التي لايمكنها ان تحيط بعبقرية من يولدو ليصنعو التاريخ . يلتفت الى افريقيا فيجمع رؤساء قبائلها ويغرقهم بعطاياه من الجيب الليبي ليعلنوه ملكا للملوك ، فيتعهد بالكفاح من اجل وحدة افريقيا ، لكنه يكتشف انه جاء متأخرا وان افريقيا التي كان العرب يزدرونها قد تجاوزت عصر زعماء القبائل وبات لديها طبقتها الوسطى التي استوعبت منطق وول ستريت واقتصاد العولمة ولم تعد ابجدية العقيد بالنسبة اليها سوى مصدر للتسلية ، لامانع منها اذا كان ارضاء غرور العقيد سيجازى بعطاياه السخية .
معركته اللفظية قبل بضعة اعوام مع "ملك ملوك" الجزيرة العربية ربما منحته املا بعصر جديد للمشاكسة ، واطلقت خياله الذي كانت قد داعبته فكرة الدولة الفاطمية من جديد ، لكنه امل سرعان ماتلاشى مع خصمه الذي يمارس سلطانه بصمت ، فهو لايحتاج الى الكلام وهناك جيوش الاعلاميين في الفضائيات والصحف التي تسيطر عليها المملكة او تمولها او تلك التي تغازل الجيب الملكي لتحصل على بعض نعمه يتحدثون نيابة عنه . يبحث العقيد عن ساحة للمعركة ، فهو محارب لايكل وزعيم لايعرف منطق القصور والمكاتب ، بل يطل على العالم من خيمته التي باتت صديقه الاخير الذي ينسجم مع فهمه للعالم ومع "الثائر" الذي كبته في اخريات السنين دفعا للشر . يتذكر زميله في منطق الثورة ولغة الشعارات ، ذلك الذي بموته ادرك العقيد ان عليه ان يسدد بسخاء فاتورة المشاكسة من اجل ان يحفظ رقبته . هكذا فهمها العقيد وعرف ان مشنقة "الشهيد" كانت ستلتف حول عنقه لو لم يرضخ للمنطق الجديد.
للعقيد جيب واسع مول له مشاكسات الماضي من خطف للطائرات ، وتعامل مع جماعات ثورية كالجيش الجمهوري الايرلندي وثوار الباسك ، ووحدات مجهضة مع مصر ثم مع تونس ثم مع الجزائر ثم مع تشاد ، ثم مع كوبا ، وحلم الوحدة الافريقية الذي لايقل طوبائية من سابقيه . دفع الجيب الكبير كثيرا لتمويل تلك الاحلام ، ومازال الجيب كبيرا ليسدد الفاتورة التعويضية عن جموح تلك الاحلام ، مع وعد بالتعقل ، فالعقيد لم يعد شابا ، والعالم صار اقل تسامحا مع مشاكسة "الثوريين" .
العقيد يطوي زمنه الاخير بين الحنين للماضي الثوري والتعامل البراغماتي مع الحاضر ، يعلن صدام شهيدا ويتبنى قضية "الثأر المعنوي" له ، يصرخ في وصلته السنوية في قمة المستبدين : "ستنالون جميعا مصير صدام" ، ربما كان العقيد يقصد نفسه او يعكس الصراع في داخله بين رغبة "الثوري" في ان يموت شهيدا ، وبين وحشة "الشهادة" عندما يعلقك على الحبل ابناء شعبك . ويستقبل رسلا قادمين من زمن بداية الظلام ليطلبوا نصرة "الثوري العربي" لمحنة الشعب العراقي فيمد يده الى الجيب الليبي الفضفاض ويخرج تمثالا للشهيد ، ويعود "الرسل" الى المجهول الذي جاءوا منه. لقد تغير الزمن ، يدرك العقيد وهو يشهد ان لا احد يهتم بمعركته سوى بضعة من سياسيي الماضي الذي انقضى ، فيعود الى الواقع ، يسافر الى ايطاليا ويلتقي صديقه بيرلسكوني ، النموذج الاوربي للمستبد العربي بزلاته وفضائحه وعبثه وردمه الفواصل بين الرسمي وغير الرسمي . لكن العقيد لايقاوم اغراء التفرد اللصيق بالثوريين ، فيدعو فاتنات روما الى اجتماع عام يطلب خلاله منهم اعتناق الاسلام والذهاب لـ "العمل" في ليبيا ، ويعطي لكل واحدة مصحفا والى جانبه ظرف بريدي .
لم تعد اهداف الثائر كبيرة كما كانت ، ولكنها ماتزال ثورية ومهمة . لقد بات صعبا التصدي للقطب الاوحد ومشاكسته ، ولكن لـ "الامبريالية" اكثر من ساحة ، يدرك العقيد ذلك وهو يعلن الجهاد ضد سويسرا ، ويوقف تصدير النفط اليها ، انها هدفه الذي اختاره بعناية ، ولم تكن قضية حجز ابنه الذي ضرب خادمته هناك من قبل الشرطة سوى ذريعة ، فثاراتنا مع سويسرا اعمق واكبر بكثير .
لكن سويسرا ليست امريكا ولن توفر للعقيد الاضواء التي يريدها ، فالبلاد التي يسميها البعض تندرا بـ "عاهرة اوربا" لن تنجر الى معركة العقيد ، وقد تهادنه او ربما فعلت ، لاتريد سويسرا ان تكون تسلية العقيد في خريفه .
يقف العقيد مجددا على هامش الاحداث ، اخفقت كل وحداته ، مشاكساته دفع ثمنها غاليا ، زملائه اختفوا واخرهم معلقا في حفلة ثأر متلفزة ، كم هو صعب ان تكون قائدا لفترة طويلة وتشهد كل هذه التحولات ولاتعود قادرا على فهم العالم من حولك ، يفكر العقيد ، ولكن ماالحل ، اذا كان هذا الشعب لايستطيع ان يقود نفسه ، يجيب العقيد نفسه ، يتنهد ، يطالع وجه "ممرضته" الاوكرانية الشقراء ، يبتسم ... الحياة مازال فيها الكثير من الجمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من المؤسف
الليبي حسن ( 2010 / 12 / 8 - 10:02 )
ايام السنوسي كانت المظاهرات تخرج في ساحات ليبيا امام ناظري الملك منددة بالوضع السياسي دون ان تلقي لها قوات الشرطة بالا وكانت الصحافة حرة ولكن في زمن العقيد تكممت الافواه وصودرت الحريات جميعا


2 - Gaddafi dictateur arab Raciste et Chauviniste
YAN AMAZIGH ( 2010 / 12 / 8 - 14:59 )

merci

اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع