الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - شبح طلفاح يجول في بغداد !

رضا الظاهر

2010 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



في كل يوم يقدم واقع هذه البلاد شهادة جديدة على أن مصائبها لا تنتهي. وكان آخر هذه المصائب ما فعله سدنة الفكر المحافظ من منتهكي الحريات الشخصية والعامة مساء الثامن والعشرين من الشهر الماضي. فقد اقتحمت قوة مسلحة من الشرطة والأمن السياحي وعمليات بغداد مبنى اتحاد الأدباء والكتاب في العراق الواقع في ساحة الأندلس ببغداد، وأرغمت أمينه العام على توقيع محضر اغلاق النادي الاجتماعي للاتحاد بشكل نهائي أسوة بالنوادي الليلية والملاهي والبارات.
ومن الجلي أن هذا القرار، الذي اعتبره الناطق الاعلامي للاتحاد قراراً غير حكيم ومؤشراً على محاصرة الحريات المدنية، يستند الى قرار سيء سابق لمجلس قيادة الثورة المنحل، وهو القرار رقم 2 لسنة 1994، حيث لم يتجرأ الطاغية، الذي أطلق حملته الايمانية المزعومة في حينه، على غلق نادي الاتحاد.
وكان من الطبيعي أن تثير الاجراءات التعسفية رفضا سياسياً وشعبياً وإدانة للانتهاكات ومطالبة بالتراجع عن القرارات والاجراءات الجائرة. وفي هذا السياق كان الاعتصام الذي نظمته صحيفة "المدى" يوم الجمعة الماضي في شارع المتنبي، والاعتصام في مقر اتحاد الأدباء والكتاب ببغداد في اليوم التالي، بمشاركة فعاليات سياسية وثقافية وإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وانطلاق حملة إدانة في سائر المحافظات.
ومن نافل القول إن الاجراء التعسفي ينطلق من منهجية مرتبطة بثقافة التخلف وسعي قوى اجتماعية الى إشاعة وفرض وتأبيد هذه الثقافة في المجتمع سعياً للحفاظ على امتيازاتها.
والحق إن ما يجري من ظواهر حصار وانحدار بدأت بالتفاقم والطغيان لا يكشف عن قصور في الفهم أو خطأ غير مقصود، وإنما هو إجراء متعمد ومدروس يعبر عن ذهنية التحريم ومنهجية القمع الفكري.
ولا ريب أن هذه الانتهاكات التي تبدو صغيرة يمكن، اذا ما تركت دون احتجاجات منظمة ومقاومة شعبية واعية، أن تتحول الى الانتهاك الأعظم الذي يقود الى إشاعة القمع. إن الشروع بتضييق الحريات وخنق الناس ومنع الشمس من أن تدخل البيوت الآمنة وسوى ذلك من ممارسات الجور والتخلف هي السبيل المؤدي الى نفق الدكتاتورية.
ويحق لمحللين أن يتساءلوا: لماذا يسكت الحكام عن الآثام الكبرى في محافظاتهم ؟ وما معنى أن يصدر قرار من جهة معينة واحدة خلافاً للدستور ليكون ملزماً للجميع ؟ ولماذا يتخلى سياسيون "اسلاميون"، عن وعودهم ويلجأون الى ممارسات فظة مثل فرض الحجاب ومنع الاختلاط في المدارس ووجوب أن تكون عضوة المجلس البلدي برفقة محرم ومنع الموسيقى في بابل والسيرك في البصرة والترفيه في بغداد، وقائمة الممنوعات تطول ؟
الله وحده يعلم متى يتوقف هؤلاء الحكام عن امتطاء القوانين حسب مشيئتهم ورغباتهم ومصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة. فهم لا يتورعون عن انتهاك الدستور باسم الحفاظ على الأعراف الاجتماعية، ولا يطبقون القوانين الا عندما تكون ضامنة لامتيازاتهم.
* * *
إذا كانت هذه هي وعود من منحهم الشعب ثقته في غفلة من زمن .. وإذا كانت هذه هي ديمقراطية "المحررين" في "نموذجهم" للشرق الأوسط "الجديد" .. وإذا كان بعض ضحايا أمسنا يتحولون الى جلادي يومنا .. وإذا كان "متنفذون" يسعون الى إشاعة أجواء التخويف وكم الأفواه وغسيل الأدمغة .. وإذا كان وإذا كان وإذا كان ... وأخيراً وليس آخراً إذا كان مسؤول كبير في وزارة التربية يرفض التوقيع على شراء جهاز بيانو لطلبة قسم الموسيقى لأن هذا من الموبقات .. وإذا كان مسؤول آخر يرفض الدخول الى معهد الفنون الجميلة قبل إزالة التماثيل من أروقته لأنها تذكره بأصنام الجاهلية .. فما الغريب، إذن، في أن يغلق حكام بغداد النادي الاجتماعي لمبدعي القيم الجمالية !؟
العقل الذي أغلق نادي الأدباء والكتاب هو امتداد، بصيغ جديدة، لعقل الحملات "الايمانية" لطاغية العراق المقبور، "حامي الماجدات"، الذي لم يترك هو وحثالاته المنبوذة، في قصوره التي كانت تعج بالرذائل، إثماً لم يقترفوه، فكانوا مثالاً للاجرام والتشوه والشذوذ، أنجب تلاميذ يتخذون من الستار ذاته، ستار الاسلام الزائف، تبريراً لفرض فكرهم الظلامي الواحد. وليهيء هؤلاء السدنة الصغار المناخ لشبح محافظ بغداد المقبور خير الله طلفاح، الذي بدأ بصبغ سيقان الفتيات لينتهي ابن اخته المقبور بحملته الايمانية الزائفة وسط حروبه واستبداده ومقابره الجماعية، كي يجول الشبح المقيت في دار السلام، ناشراً الرعب واليأس، ومنتهكاً حريات الناس، ومانعاً "ناقصات العقل والدين" من السفور، وأطفال المدارس الأبرياء من الاختلاط، في سياق ممارسات تخلف لا تحصى، وأزمات مستعصية تعصف بالبلاد وأهلها المعذبين.
اختفت شهرزاد مرعوبة من شبح طلفاح، وأوقفت كلامها المباح .. لكن بلاد الرافدين ستلاحق، بنورها وتنوعها الثقافي وشفافية روحها المتطلعة الى الأفق، ذلك الشبح، وتعيد شهرزاد الى مجد القصص العراقية !
إنها معركة بين النور والظلام .. ونحن، السائرين في دروب التحدي، نمضي بأملنا الى حتفهم .. بأيادينا شموع المتنورين .. ويعلم كل ذي بصر وبصيرة أن بوسع شمعة واحدة أن تبدد ظلام العالم كلّه !

طريق الشعب – الثلاثاء 7/ 12/ 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اوووووووووووو ذكرتنه بالمرحوم السافل
محمود الفرج ( 2010 / 12 / 8 - 03:18 )
تحية للاستاذ المبدع رضا الظاهر
ان هؤلاء القادمون الجدد الذين لم يتحروا ولم يطلعوا او يقراْوعن الديمقراطيات والحريات وكم من الدماء سالت من اجلها انهم يختزلون دماء العراقيين ونضالهم وتضحياتهم بعقولهم الضيقة التي لا تستوعب مفردة الكاتب والصحفي والشاعر في مجتمع غابت عنه ثقافة لاربعين عاما شعبا يعاني الامية في دوائره الرسمية انه شبح طلفاح يوسخ العراق من جديد وعلى القيادات المحترمة ان تنطق


2 - النور قادم لا محالة
عبد الصاحب ثاني ( 2010 / 12 / 8 - 14:20 )
اليوم حقا تذكرت خير اللة طلفاح الذي يعرف اسمة بانة (خير من اللة طل ثم فاح) صاحب الكتاب الذي بدون شرائة لايمكن البت في (المعاملة) واقصد (ثلاث ما كان على اللة ان يخلقهم) والذي بسببة اكملت الدراسة في الاتحاد السوفيتي (رحمة اللة ) حيث عند خروجي من الجامعة قام شرطي باعتقالي وزجي في سجن الاعظمية حتى حلول عيد الفطر بسبب التدخين علنا مما ادى الى تركي للدراسة في العراق

اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح