الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام القاص عبد الفتاح المطّلبي

كاظم الشويلي

2010 / 12 / 8
الادب والفن


تؤرشف قصص عبد الفتاح المطلبي - وبشكل يكاد ان ينطبق على جميع أعماله القصصية – اضطهاد الإنسان العراقي من قبل السلطات البائدة ، وان إلقاء نظرة إلى أرشيفه القصصي ستتجلى هذه الحقيقة ، ولو نظرنا بلمحة نقدية لقصة ( أحلام ) وهي تتناول أحلام شريحتين من المجتمع العراقي ، أحلام أرواح سجناء ، تركهم سجانوهم يموتون في السجن المشيد تحت باطن الأرض وهو عبارة عن غرفة من الخرسانة ، وأحلام شريحة ثانية ، وهي الشريحة المحرومة المعدمة من المجتمع العراقي .
يعثر صاحب بلدوزر على غرفة السجناء تحت باطن الأرض و يظنها كنزا من كنوز النظام المقبور ، فيعمل بحذر وبعيدا عن أنظار الناس حتى لا يشاركونه الكنز ، ونبقى نترصد المفارقة المدهشة ، وهل يوجد كنز غير هياكل السجناء ضحايا النظام المقبور ؟ تشرع القصة بمقدمة تشرح هواجس الناس من الاعيب النظام هل ما حدث في عام ألفين وثلاثة هي مجرد لعبة ام حقيقة فالتزم بعض الناس الصمت :
( لم يصدق الناس بل لم يستطيعوا متابعة و مجاراة الأحداث لذلك بقي كل شيء معلقا في مكانه ، كل شيء قيد الانتظار ، لا يستطيع أي واحد اتخاذ قرار خشية أن يكون ما يحدث مجرد أزمة من تلك الأزمات التي كانت السلطات تجيد صناعتها ، لذلك ظن الضابط المسؤول عن سجن سري يضم سجناء إستثنائيين وسط منطقة جرداء داخل المسيج الكبير الذي يحيط بمباني و منشآت الحرس الجمهوري و مخازنه ، ظن أنه لابد من الاحتفاظ بمفتاح السجن السري معلقا في سلسلة مفاتيحه ، كيف لا يعتني بذلك و هروب المسجونين يعني إعدامه فورا ، و عندما جرت الأحداث بسرعة و سادت الفوضى لا زالت الأهمية القصوى عند ذلك الضابط في تلك الأحوال هي الإحتفاظ برأسه سليما فوق كتفيه لذلك عندما هرب على عجل لم يفكر بالمسجونين و في الوقت نفسه استبعد أن يستطيع أحد ما العثور على باب السجن المموه جيدا وسط ساحة تحجبها أشجار الكالبتوز بعيدا عن مرمى النظر .... ) ...
وبهذا السرد الممتع نكتشف الجريمة المركبة ، سجن هؤلاء الضحايا ، وهرب المسوؤل عنهم دون ان يلتفت الى الضحايا ، ، ثم تنتقل عدسة القاص بعد ان صورت بيئة وشخصية السجان وعقدة القصة الى الضحية و يبدأ بذكر ظنون السجناء ( ظن السجناء الخمسة عشر عندما لم يأتهم السجان ب(جلكان) الماء لليوم الثاني ظنوا أنها عقوبة كتلك المرة قبل ثلاثة أشهر لكنهم استبعدوا تلك الفكرة فهم لم يفعلوا ما يستدعي ذلك كما إن حساء العدس الذي كان وجبتهم الوحيدة خلال اليوم لم يصلهم أيضا ليومين خليا لذلك فقد صاروا نهبا للجوع و العطش ... و هكذا فهم لا يعرفون الليل من النهار كان لهم مصباحا واحدا ينير لهم القاعة المستطيلة المبنية من الإسمنت المسلح على عمق خمسة أمتار تحت الأرض ... )
لقد جاد القاص الرائع عبدالفتاح المطلبي واثبت قدرته الفائقة في الفن القصصي وهو يصور لنا معاناة السجناء الذين لا يريدون غير قطرة ماء واناء فيه القليل من العدس .. انه يصف محاولاتهم للبقاء أحياء بشكل مذهل :
( استندوا جميعا إلى الجدار البارد عراة لكي يجعلوا أجسادهم المنهكة قادرة على تسريب بعض من حرارتها إلى الجدران الباردة نسبيا ... )
ولم ينس القاص ان يصور ما فوق الأرض وانشغال الناس بجمع كل ما تصله أيديهم ، وذلك إيذانا بسقوط العهد الدكتاتوري الذي قتل وجوّع الناس ، ثم يعود القاص لتسليط الضوء على محاولات السجناء لمقاومة العطش في شهر نيسان البارد :
( و لا زال السجناء الخمسة عشر المرموقون يلصقون أجسادهم الملتهبة عطشا على الجدران الإسمنتية الباردة يذودون بصعوبة بالغة أخيلة الموت التي كانت تنتابهم وقد أشرفوا على الموت عطشا لكنهم عندما تعبوا من النضال ضد أخيلة الموت بدأت تراودهم أحلام جميـــــــــلة وهم أنصاف غائبين عن الوعي ، حلم أحدهم أنه قد نزل الى مجرى نهر بارد شرب منه حتى ارتوى ، يصيح على زملاءه الذين يقفون على جرف النهر تعالوا لكنهم لا يلبون دعوته و تتملكه الحيرة من ذلك... أما الثاني فقد كان يحلم أن ابنته ريم الصغيرة قد ألصقت خدها على عظام خده الغائرة فشعر أن خد إبنته ريم بارد كالثلج فتملكه قلق شديد من أن تكون إبنته قد ماتت قبله فصارت باردة كالثلج و تتابعت أحلام الآخرين على المنوال نفسه ... ) .
وبعد مرور سنة كاملة ضربت سكين بلدوزر بصورة غير متعمدة حافة غرفة السجناء المبنية تحت الارض وهنا وبعد عمل لمدة ايام وبعيدا عن انظار الناس : ( وجد سائق البلدوزر في حلمه تلالا من صناديق خشبية مليئة بسبائك من الذهب و راح يفكر بنقلها ووجد أنه مهموم رغم وجود الذهب في حلمه ، أما أحد الولدين فقد حلم بوجود أكياس مليئة بملايين الدولارات الخضراء لأنه كان يعلم أن الدولار كان للحكومة فقط ، أما العم و الأخ الثاني فقد كانت أحلامهم متقطعة و مشوشة ينتابها عراك و عويل .... )

وبتداعيات أحلام السجناء والمشردون وهذا السرد الجميل صنع لنا القاص المبدع عبد الفتاح المطّلبي ، قصة رائعة من نوع أخر وهي تحمل جمال و سحر ملائكي ، ومدهشة جدا قل نظيرها في تراكمات السرد ... أنها القصة الهادفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 12 / 8 - 18:42 )
شكرا لك اخي القاص و الناقد الأستاذ كاظم الشويلي وقدسرني جدا ماكتبت حول نص أحلام وطوقني بجميل لا أنساه لك خالص مودتي و تقديري


2 - شكر
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 12 / 8 - 18:42 )
شكرا لك اخي القاص و الناقد الأستاذ كاظم الشويلي وقدسرني جدا ماكتبت حول نص أحلام وطوقني بجميل لا أنساه لك خالص مودتي و تقديري


3 - تحياتي للقاص المبدع عبد الفتاح المطلبي
كاظم الشويلي ( 2010 / 12 / 9 - 11:29 )
استاذي واخي القاص الرائع عبد الفتاح المطلبي .... روائعكم تحتاج الى وقفة تأمل ودراسة ، فهي تستحق واكثر ...

اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء