الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهند والولايات المتحدة في مرحلة مابعد الحرب الباردة

محمد سيد رصاص

2010 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في يوم14أيار1994،وصل رئيس الوزراء الهندي(ناراسيما راو)إلى واشنطن:كان استقباله حافلاً على المستوى الرسمي وفي وسائل الإعلام،وكان هو أول زعيم أجنبي يلقي خطاباً أمام مجلسي الكونغرس منذ تولي بيل كلينتون لمقاليد البيت الأبيض. في نهاية الشهر المذكور،أتى الرئيس الباكستاني(فاروق ليغاري)في زيارة للعاصمة الأميركية: كانت مظاهر الإستقبال والإهتمام الأميركيين به معاكسة تماماً لمالاقاه رئيس الوزراء الهندي.
كان هذا من أول المظاهر على تبدل نظرة واشنطن في مرحلة مابعد السوفيات إلى حليفها الباكستاني السابق،الذي وقف معها كظهير أساسي ضد موسكو عقب غزو1979السوفياتي لأفغانستان والذي ساندته الولايات المتحدة في حربي1965و1971ضد الهند،وإلى الحليف الهندي السابق للكرملين،الذي اعترف بحكومة بابراك كارمال التي نصبها السوفيات في كابول وقبل هذا بأشهر بالحكومة الكمبودية التي أتت حصيلة للغزو الفيتنامي المدعوم من موسكو.تكرر هذا الموقف الأميركي بعد ستة أعوام(آذار2000) أثناء جولة كلينتون الأسيوية لماتوقف في الهند لخمسة أيام،فيمالم يمكث في اسلام آباد أكثر من خمس ساعات.
منذ تولي كلينتون لمقاليد الرئاسة الأميركية،في20كانون ثاني1993،كان من الواضح أن هناك تطبيقاً آسيوياً (وقبل أوروبة في عام1823 عبر مبدأ مونرو فيمايخص الأمريكيتين الشمالية والجنوبية) للسياسة التي انتهجتها واشنطن بمنع الألمان من الهيمنة على القارة الأوروبية عبر اشتراكها ضدهم في الحربين العالميتين،ثم استمرارها في ذلك ضد السوفيات في الحرب الباردة(1947-1989).كانت هذه السياسة الآسيوية للولايات المتحدة في فترة مابعد هزيمة السوفيات متجهة نحو تطويق"التهديد الصيني"،ولوأن كلينتون،بخلاف إدارة بوش اللاحقة التي تعاملت عبر سياسة المجابهة مع بكين،قد اتبع سياسة "ناعمة"اختلطت فيها سياسة"بناء الشراكة"مع الصينيين مع الكثير من استخدام العصي الإقتصادية والسياسية من قبل الأميركان،وقد رأت واشنطن أن للهند،التي دخلت في حرب حدودية مع الصين في عام1962،دوراً محورياً في المساعدة – إضافة لليابان- على تطويق "العملاق الصيني" عبر تشكيل حاجز غربي أمامه،له الطاقة الديموغرافية والإقتصادية والعسكرية المكافئة.
لم تكن الولايات المتحدة منزعجة كثيراً من التجربة النووية الهندية الأولى في منتصف أيار1998،فيماكان قلقها عالياً من الرد الباكستاني النووي المماثل لمافعلته نيودلهي في نهاية الشهر المذكور،وقد أعطت اشتباكات عام1999في مرتفعات جبال كارجيل عند حدود الشطرين الباكستاني والهندي من كشمير مؤشرات قوية على الإنحياز الأميركي للهند،ولم يوقف واشنطن عن المضي بعيداً مع نيودلهي سوى خوفها من أن يتحول النزاع حول كشمير إلى مجابهة نووية تكون فيها اسلام آباد تحت مظلة حلف مع بكين ضد الهنود،ممايمكن أن يدفع المسرح القاري لآسية بأكمله إلى اضطراب عميق.
تبدل الكثير من هذه المعطيات في مرحلة مابعد هجمات11أيلول2001:كان تجاوب الجنرال برويز مشرَف مع"الحرب الأميركية ضد الإرهاب" مؤدياً إلى انتعاش أهمية باكستان الإستراتيجية شبيه بماجرى بسبب أفغانستان1979ولكن هذه المرة ضد (حركة طالبان الأفغانية)التي أنشأتها ورعتها الحكومات الباكستانية المتعاقبة ابتداءاً من تلك التي كانت برئاسة بنازير بوتو في عام1993.قاد هذا إلى قلق هندي عميق،كان أحد ترجماته هو سياسة "حافة الهاوية" العسكرية التي انتهجتها حكومة نيودلهي مع الباكستانيين مستغلة حادثة الهجوم على البرلمان الهندي في 13كانون أول2001من قبل مسلحين كشميريين،من أجل وضع الجنرال مشرَف في الزاوية الضيقة وفي خيارين صعبين بين "حلفائه الاسلاميين"،الذين ساندوه ضد نواز شريف وبنازير منذ انقلاب12تشرين أول1999،وبين"حليفه الأميركي":اختار الجنرال الباكستاني التخلي عن الاسلاميين من أجل ضمان عدم انسحاق باكستان أمام الهجمة الأميركية على المنطقة وتحولها إلى وضعية"الدولة المارقة"،وهو ماسحب البساط من تحت أرجل الهنود الذين كان هدفهم على مايبدو انشاء وضع يضع اسلام آباد في مجابهة مع واشنطن، وهو بالتأكيد مادفعهم بعد فشل ذلك إلى مبادرات سلمية هندية تجاه باكستان منذ نيسان2003.
كان ركون وتراجع نيودلهي عن سياستها الباكستانية تلك مؤدياً إلى استئناف نشط للعلاقات الأميركية- الهندية: في تموز2005 تم بواشنطن التوقيع على اتفاقية(الشراكة الاستراتيجية)التي شملت مجالات واسعة عسكرية ومدنية،قبل أن يحصل في نهاية عهد بوش في 10تشرين أول 2008التوقيع على (اتفاقية التعاون النووي السلمي)بين واشنطن ونيودلهي التي رفضت الإنضمام للموقعين على معاهدة حظر الإنتشار النووي .
في بداية عهد أوباما،ساد التوتر العلاقات بين الهنود والأميركان مع اعطاء الأولوية لأفغانستان،التي اعتبرها وزير الدفاع روبرت غيتس، بعد أيام من بدء إدارة أوباما،"ذات الأولوية في كل المواضيع العسكرية لقضايا ماوراء البحار"،وخاصة بعد ربط الموضوع الأفغاني بالباكستاني في مهمة المبعوث الرئاسي ريتشارد هولبروك. كان أحد مظاهر هذا التوتر هو استثناء الهند في جولة شباط2009 الآسيوية لوزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون،وهو ماازداد مع تقاربات أوباما من بكين التي نشد تعاونها في الأزمة المالية- الاقتصادية،ثم مع اتجاه واشنطن إلى اجراءات حماية جمركية بحكم تلك الأزمة أمام البضائع الهندية.
اصطدم أوباما في هذا أمام "لوبي هندي" حقيقي بواشنطن : في11آذار2009نشرت(إكسينيا دورماندي)، المسؤولة السابقة لشؤون جنوب آسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، مقالاً في صحيفة"كريستيان سيانس مونيتور" تحت عنوان: "الهند:حليفة أميركا التي لاغنى عنها"،وهو ماأتبعه في حزيران2009 الأدميرال مايك مولن،رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي،بالقول التالي أمام اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ في الشؤون الدفاعية:"الهند تظهر بشكل متزايد كشريك استراتيجي متنامي الأهمية للولايات المتحدة".
السؤال الآن :هل زيارة الرئيس الأميركي في تشرين الثاني2010للهند(مع استثناء باكستان من جولته الأسيوية)،وتوقيعه على اتفاقيات تجارية مع نيودلهي بقيمة 10مليار دولار مع دعوة من قبله لرفع القيود التجارية والجمركية أمام الشركات والبضائع الهندية في السوق الأميركية،تؤشر إلى منعطف جديد من قبل واشنطن تجاه كل من نيودلهي و اسلام آباد شبيه بماحصل في مشهد أيار1994،وخاصة أن هذا الذي جرى في العاصمة الهندية قد كان سابقاً بعشرة أيام لماشهدته قمة لشبونة لحلف الأطلسي لماوافق الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف،الحاضر للقمة، على أن تكون المعابر الروسية الجوية،والطرق البرية وسكك الحديد،ممراًً لإمدادات القوات الأطلسية في أفغانستان كبديل عن المعابر الباكستانية المضطربة؟.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر