الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يدافع الآخر عن قضايانا ونقف ضدها؟!

محمود عبد الرحيم

2010 / 12 / 8
القضية الفلسطينية


حين يدافع الآخر عن قضايانا و نقف ضدها؟!

*محمود عبد الرحيم:
يؤسفني أن يسقط مثقف أو فنان أو مؤسسة ثقافية يوما تلو أخر في فخ التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو يبرر لهذه الجريمة الأخلاقية، أو يخلط الأوراق، بشكل إنتهازي يتجاوز أبجديات المنطق السليم، الذي يرفض الجلاد ويتعاطف مع الضحية وينتصر للحق والحقيقة، ويؤسفني أن يتحول الجدل مؤخرا في مصر ، حول ما إذا كانت المنتجة الاسرائيلية، التى حصلت على جائزة الجمهور في دورة مهرجان أبو ظبي الأخيرة .. مزدوجة الجنسية أم انها بريطانية فحسب، وأن يتطوع نفر من النقاد لتبرير الموقف والدفاع عن المهرجان أو اعتبار الأمر حدثا عابرا لا يستحق كل هذه الضجة، فيما يقف الممثل العالمي ريتشارد جير في مهرجان القاهرة السينمائي ليتحدث بحماس عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وكأن هذا الرجل الذي يجئ من أصقاع الأرض البعيدة أكثر قربا وتعاطفا مع الفلسطينيين، وأكثر تفهما للقضية الفلسطينية وأبعادها، وربما أكثر فائدة لأن صوته يصل إلى الآف، إن لم يكن ملايين من الجمهور حول العالم، خاصة حين يضرب في جذور الصورة النمطية السلبية التى يسعي الكيان الصهيوني إلى تكريسها عن الشعب الفلسطيني من أنه "يحترف لغة العنف والدم ولا يريد السلام"، فيما هذا الفنان المتحضر ذو الحس الإنساني الراقي يصف الفلسطينيين بعبارة وجيزة لكنها في غاية القوة والدلالة، بأنهم "طيبون ومسالمون".
وهذا التوصيف وتصدير صورة بهذا الشكل البارع والصادق، مهم جدا في هذا التوقيت، الذي تم فيه تسريب برقيات ديبلوماسية عبر موقع "ويكيلكس" والتى تظهر من خلال محاولات الكيان الصهيوني ربط المقاومة بالأرهاب، وإعتبار كل نشاط أو موقف رافض للإحتلال ويقاوم جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية، خطر بالغ لا يهدد الكيان الصهيوني فحسب، وأنما المنطقة كلها والمصالح الأمريكية، علاوة على إستغلال ورقة الإرهاب كفزاعة لضمان إستمرارإسرائيل في نهجها العدواني وأيضا في الحصول على كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والاستخباراتي.
من هنا تأتي قيمة تصريح جير، وأيضا تحركات المؤسسات الحقوقية الأوروبية، التى أصدرت بيانا مؤخرا تدين فيه بشدة إستمرار الحصار الإسرائيلي الجائر على غزة، وتطلب بإنهائه فورا، وليس إيهام العالم بأن الأمور تسير على ما يرام تحت مسمى"تخفيف الحصار" الذي هلل له الكثيرون منذ الهجوم الإسرائيلي البربري على أسطول الحرية التركي.
ومن المؤسف أن هذه التحركات المساندة والفاضحة للكيان الصهيوني، تأتي من خارج المنطقة، وليس من داخل أوساط المجتمع المدني العربي وطليعته المثقفة التى تبدو غافلة أو فاقدة للوعي والإنتماء لهذه القضية العادلة على كل المستويات، وكأن الخرس قد أصابهم، لينضموا إلى الموقف الرسمي العاجز والتابع والمهين.
الأكثر من هذا أنه في اللقاء الذي جمع رئيس السلطة الصهيو أمريكية محمود عباس مع مثقفين مصريين قبل فترة وجيزة أبدى كثيرون استعدادهم للتجاوب مع دعوته التطبيعية لزيارة الأرض المحتلة بتأشيرة إسرائيلية، ورددوا عبارته البائسة هو ورجاله أن" زيارة السجين وليس السجان لا تعد تطبيعيا".
وكأنهم لا يرون ولا يسمعون عن الجرائم الإسرائيلية، ولا يدركون أنها كيان عدواني يهدد حاضر ومستقبل المنطقة وكل أبنائها، وأن المثقف الذي يمثل ضمير شعبه وأمته العربية يجب ان يكون له موقف واضح بإتجاه رفض هذا الكيان وحصاره شعبيا وفي المحافل الثقافية على الأرض العربية وفي العالم كله ،كلما أتت فرصة لفضحه وإبراز وجوده غير الشرعي وسجله الدموي، فلا يصح أن يكون الآخر الأمريكي أو الأوروبي أكثر جرأة وحسما في إتخاذ موقف وإعلانه، وتفهم أنه لا سلام ولا تعايش بين الضحية والجلاد، بين القاتل والمقتول، بين السارق والمسروق، فنحن أحق بهذه القضية من غيرنا، الذي يبدو أنه صار أكثر إيمانا بها منا وإستيعاب لها، ولعل هذا المعنى جسده المخرج الإيطالي سافيريو كوستانسو بقوة في فيلمه "خاص جدا" الذي أتيح لي مؤخرا أن أراه، والذي تنبع قيمته من طرح القضية بشكل رمزي بالغ الدلالة، يكشف إستحالة أن يكون ثمة تطبيع بين بشر مسالمين لا يرغبون إلا في حياة طبيعية، مثل غيرهم في أرجاء الدنيا، وبين قوة إحتلال مدججة بالسلاح لا تعرف أن تتعامل مع الآخر بغير لغة العنف والتهديد وفرض الأمر الواقع بالقوة والإستمتاع المرضي بترويع وإفساد حياة أصحاب الحق وتعطيل تطلعهم للمستقبل المستقر الآمن.
فهل تصيبنا عدوى الوعي، ونسترد ما فقدناه من حرارة الموقف ومعاودة الالتفاف حول القضية الفلسطينية ، وتثبيت دعائم جبهة مناهضة التطبيع ورفض الإختراقات المتتالية، بل والتحالف مع كل القوى الحرة الرافضة للاحتلال والعدوان حول العالم..أم نواصل مسيرة الإنحدار وترك قضايانا لغيرنا، اما يعبث بها، أو يدعمها ، كيفما يحلو له، فيما نلزم نحن صمت الجبناء أو نتربح من وراء بيع القضية وترويج بضاعة السلام الفاسدة؟!
*كاتب صحفي مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا