الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحراء السلطة و المجتمع

أحمد عصيد

2010 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ظلت قضية الصحراء منذ 1975 أحد الطابوهات السياسية التي تحتكر السلطة تدبيرها والحديث عنها بمختلف المقاربات التي تراها والتي تطورت من فكرة مغربية الصحراء القطعية والنهائية إلى فكرة الإستفتاء إلى اقتراح الحكم الذاتي ثم الجهوية المتقدمة.
كانت السلطة تتخذ مواقفها تلك واختياراتها على انفراد، ثم توعز إلى الجميع عبر وسائل إعلامها وعبر الأحزاب السياسية المنخرطة في المؤسسات القائمة بالإصطفاف وراءها والهتاف بما تقرره السلطة، وعندما كان البعض يعبر عن مواقف مخالفة لما تراه السلطة كان يودع في السجن بقسوة، ولهذا تمّ اعتقال مناضلي اليسار الجذري الذين كانوا يرون بأنّ من حق الصحراويين تقرير مصيرهم بأنفسهم عبر استفتاء شعبي، وعندما غيرت السلطة رأيها وقبلت بفكرة الإستفتاء وأعلنت ذلك وعارضها عبد الرحيم بوعبيد الذي ظلّ وفيا لفكرة مغربية الصحراء القطعية والنهائية أودع بدوره في السجن، و عندما اقترحت السلطة مؤخرا مشروع الحكم الذاتي للصحراء كان الناس قد أدركوا عدم جدوى معارضة السلطة أو حتى مناقشتها، فانخرطوا جميعا في التعريف بمقترح السلطة وإشاعته والتصفيق له، وعندما تحدثت السلطة عن الجهوية الموسعة و المتقدمة تحمس الناس لذلك ليس من أجل حلّ قضية الصحراء بل بهدف إخراج المناطق المهمّشة والمنسية من الفقر والتهميش الذي دام لأزيد من نصف قرن، مما يعني ضمنيا أن المغاربة يرفضون أن يتمّ اقتراح مشروع الجهوية أو الحكم الذاتي كحل ظرفي وجزئي خاص بقضية الصحراء و يعتبرون أن أي حلّ من هذا النوع ينبغي تعميمه على كافة مناطق المغرب.
إنّ معضلة الأنظمة غير الديمقراطية هي أنها حريصة على صرف النظر عن مشاكلها الداخلية نحو قضايا الخصوم الخارجيين، فمن مساوئ النزاعات بين البلدان المتخلفة أنها تصبح ضمانة لاستمرار الأوضاع الداخلية بذريعة وجود "التهديدات الخارجية"، وسوف يلاحظ بأن ما يغلب على ملف الصحراء هو سعي السلطة إلى تسويته بطريقة لا تمسّ بالوضع العام كما هو قائم، فالنزاع حول قضية الصحراء ينبغي أن يحلّ في إطار واقع الإستبداد و الغطرسة السلطوية و احتقار الإنسان و الدوس علىالقانون و الفساد و الزبونية و العنصرية المؤسساتية و الميز بكل أشكاله وتهميش المناطق المختلفة و سوء توزيع الثروة مع إرشاء النخب والأعيان المحليين، وهو ما يميز واقع البلدين المغرب والجزائر على السواء، أي أن على الصحراويين أن يختاروا بين أن يقولوا إنهم مغاربة وأن ينضموا إلى بلدهم رغم كل مساوئه، و أن يتقاسموا مع كل المغاربة معاناتهم من أجل الكرامة والمواطنة، أو أن يصرّوا على إنشاء "جمهورية عربية صحراوية" تقوم باستغلال ثروات الصحراء وتقسيمها بين الصحراويين وحدهم وفي إطار نظام "جمهوري" "ديمقراطي" إلخ إلخ.. كما يعدهم بذلك الطرف الآخر الذي هو أكثر سوءا من المغرب في أوضاعه الداخلية. إن الناس يحبون الأحلام بما فيها المبنية على أوهام، و لكن الأهم هنا هو أن الذي يجعل الحلم أفضل لدى صاحبه هو مرارة الواقع.

يحق لنا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نطرح أسئلة من قبيل : لماذا ينحاز الناس إلى خصومنا بسرعة رغم أنهم ليسوا بالضرورة على حق أو على حال أفضل ؟ لماذا تبذل السلطة و الأحزاب جهودا مضاعفة للرد على إسبانيا ولإقناع الناس في الداخل بمؤامرات الخصوم و بقبحهم في الوقت الذي نعجز فيه عن إقناع الغير في الخارج ؟ لماذا يتنكر الإنفصاليون الصحراويون للجنسية المغربية في الوقت الذي يحرصون فيه أشد الحرص على الحصول على جنسيات أجنبية ؟ هل يوجد بلد واحد في العالم يمكن اعتباره ديمقراطيا و متقدما ينفر منه أبناؤه و ينبذون جنسيته ؟
يترتب عن هذه الأسئلة و يفهم منها أن الحل الفعلي لقضية الصحراء ليس في الأمم المتحدة و لا في التفاوض مع البوليزاريو و لا في الحكم الذاتي و لا في خوض الحملات و المرافعات من أجل إثبات الحق، ولا في تنظيم المسيرات التي تتم الدعاية لها في وسائل الإعلام الرسمية، بل هو قبل كل شيء في صنع الواقع الذي ينجم عنه تراجع العقلية الإنفصالية، الحلّ هو في إنجاح الإنتقال نحو الديمقراطية عوض عرقلته، و جعل الصحراويين يفتخرون بانتمائهم إلى المغرب و لا يشعرون بالإهانة من أن ينعتوا بأنهم مغاربة، عيبنا هو أننا نصرّ على الإحتفاظ بكل المساوئ التي ندخلها ضمن "تقاليدنا العريقة" و"ثوابتنا" التي نكرس من خلالها قيم استعباد الناس و استغلالهم باعتبارهم "رعايا" لا مواطنين.
المطلوب هو تجديد معنى الوطنية و الإقبار النهائي "للوطنية" الكاذبة، تلك التي تقوم على الرياء و الأساطير والمشاعر المفتعلة، و على الطاعة والولاء والتسليم المسبق بالمطلقات و"الثوابت" التي ليست إلا آليات لاحتكار السلطة والنفوذ والثروة.
المطلوب إعادة تأسيس الوطنية على مفهوم أجدى و أكثر واقعية و دقة هو مفهوم "المواطنة"، فلا وطنية بدون مواطنة، و المواطنة حقوق و واجبات، أي حقوق قبل الواجبات، إذ لا يصح مطالبة المرء بحسن أداء الواجب ومعاقبته على عدم فعله وهو لا يتمتع بأبسط الحقوق، بهذا المعنى لا فرق بين الإنفصالي و بين ذاك الذي يلجأ إلى قوارب الموت و ينقذف في البحر هربا من حياة بئيسة بلا كرامة، لأن هذا الأخير لو سئل إن كان يريد تحويل منطقته المهمشة و المقصاة من مشاريع التنمية إلى دولة مستقلة تتولى أمورها بنفسها وتستفيد من خيراتها الطبيعية لسارع بالقبول، لأنه لا شيء يكرهه الإنسان أكثر من الإستغلال و العبودية و الإقصاء.
كيف يمكن لسلطة لا تحظى بمصداقية في الداخل أن تكتسبها في الخارج ؟ هذا هو السؤال الذي علينا طرحه كلما تعلق الأمر بوزن المغرب في العالم، إذ لا ينظر الناس إلى الشعب المغربي و حضارته و ثقافته و لا إلى الجغرافيا المغربية و جمال الطبيعة و لا إلى الماضي التاريخي، بل ينظرون قبل ذلك كله إلى طبيعة النظام الذي يتولى تدبير شؤون البلد وإلى السياسة المتبعة و نتائجها على حياة الناس، هذه هي نقطة ضعفنا أمام العالم.
إن "بركة" الصحراء التي ينتظرها المغاربة هي أن تدفع ـ كمشكلة مع الجيران ـ في طريق الدمقرطة الشاملة، و هو المخطط الوحيد الكفيل حقا بهزم الخصوم في معترك السياسة الخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع