الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كونية وشمولية حقوق الإنسان

عبدالله تركماني

2010 / 12 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في الذكرى الثانية والستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجدر التأكيد على كونية وشمولية هذه الحقوق، فكونية حقوق الإنسان تعني أنّ تبلور هذه الحقوق أو تضمينها في الشرعة العالمية هو ثمرة لكفاح الإنسانية عبر التاريخ في مواجهة جميع أشكال الظلم،‏ ونتاج لتلاقح وتفاعل الثقافات الكبرى عبر الزمان‏،‏ بما في ذلك الحضارة العربية – الإسلامية،‏ كما تعني أيضاً أنه لا يجوز استثناء أحد، في أية منطقة أو في أي نظام ثقافي، من التمتع بهذه الحقوق‏،‏ فهي كونية لأنها ترتبط بمعنى الإنسان ذاته وبغض النظر عن أي اعتبار‏.‏
وتكشف دراسة الوثائق الدولية المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، أنّ المفهوم الذي تحدده هذه الوثائق، التي حظيت بقبول واسع في المجتمع الدولي، هو مفهوم شامل ينطوي على ثلاث فئات من الحقوق، يتفق كل منها مع جيل معين من حقوق الإنسان ساهمت أقسام متباينة من البشرية في صياغته:
أولاها، الحقوق السياسية والمدنية، وتتمثل في حقوق الحياة والحرية والكرامة الشخصية، البدنية والمعنوية، وضمان المحاكمة العادلة وحرية العقيدة والتعبير والتنظيم المهني والسياسي وانتخاب الحاكمين الخ. وثانيتها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل حقوق العمل وفقاً لأجر عادل، والتعليم، والعلاج، والدخل المناسب. وثالثتها، ما يمكن تسميته بحقوق الشعوب أو الحقوق الجماعية، مثل حقوق تقرير المصير والسلام، والتنمية والبيئة، فضلاً عن استخدام اللغة الوطنية وصيانة الثقافة القومية.
وهكذا، فمفهوم حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مفهوم شامل لا يقتصر على فئة واحدة من الحقوق دون غيرها، فهو يشمل حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، كما ينطوي على حقوق سياسية ومدنية مثلما ينطوي بالقدر نفسه على حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية. ومع ذلك، لا يمكن القول بأنّ التجمعات الدولية المختلفة تعطي الدرجة نفسها من الأهمية لكل فئات هذه الحقوق، أو أنها تتبنى المعايير نفسها في الدعوة لها وحمايتها أو حتى الاعتراف بها.
ففي العالم العربي، مثلا، ثمة مجموعة معوّقات متضافرة تعيق تطور نظرية وممارسة حقوق الإنسان، في إطار كونيتها وشموليتها، كما وردت في الإعلان العالمي والعهدين الدوليين. وتأتي في مقدمة هذه المعوّقات تلك النابعة من الهيكل القانوني والتشريعي في الأقطار العربية، والبنية الثقافية – الاجتماعية. فمن المسلم به ضعف الارتباط بين الهيكل القانوني في البلدان العربية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، إذ أنّ أكثر من ثلث بلدان المنطقة لم تنضم إلى العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يتوافر في انضمام بعضها مقصد الالتزام، ولم ينعكس انضمام معظمها بتأثير يذكر في القوانين والتشريعات الوطنية. كذلك يكتظ الهيكل القانوني العربي بالعديد من القوانين الاستثنائية التي تتناقض أحكامها مع ضمانات حقوق الإنسان.
وفي مقابل التوسيع المضطرد لسلطات أجهزة الدولة، كان هناك إضعاف متعمد لدور السلطات الرقابية، بدءاً بالرقابة القضائية ومروراً بالرقابة البرلمانية، وانتهاء بالرقابة الإعلامية ودور الرأي العام. ويعطي موقف الحكومات العربية من منظمات حقوق الإنسان، كمؤسسات شعبية رقابية على حقوق الإنسان في بلدانها، مؤشراً بالغ الوضوح حيال هذه الحالة، فأغلبية الأقطار العربية تنكر الحق في تكوين جمعيات لحقوق الإنسان. كذلك تحظر بعض السلطات حق التنظيم النقابي، وبينما يعترف البعض الآخر بهذا الحق ويصّرح بقيامه قانوناً، إلا أنه يضع له أطراً قانونية تتناقض أحياناً مع الاعتراف القانوني، فلا تعترف بحق العمال في إنشائه وتتولى نيابة عنهم هذه المهمة، وتخضع أغلب ممارسات المنظمات النقابية والمهنية والاجتماعية للرقابة والمراجعة والتوجيه الحزبي أو الحكومي.
ومن جهة أخرى، تتباين دساتير الدول العربية في مواقفها من الاتفاقيات الدولية، ويبدو هذا التباين واضحاً في الموقف من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويعود هذا التباين إلى أنّ دساتير الدول العربية ظاهرة حديثة نسبياً، مرتبطة بمدى تقدم مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، ومفهوم حقوق الإنسان للمواطن الفرد التي من مسؤولية الدولة حمايتها. فما زالت تلك المفاهيم الحديثة لدولة المواطنين الأحرار تحاول أن تجد لها موقعاً مؤثراً في العالم العربي.
‏ ويبدو أنّ المشرّع العربي لم يهتم الاهتمام الكافي بدراسة الآثار القانونية لانضمام الدول العربية إلى الاتفاقيات الدولية عامة، وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان، رغم أنها من أكثر المواضيع حساسية وإثارة. مع العلم أنّ جميع هذه الاتفاقيات تناولت موضوع التزام الدول المنضمة وخلاصته: اتخاذ إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية وغيرها من شأنها تمتّع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة المنضمة لأية اتفاقية بالحقوق التي تناولتها الاتفاقية نفسها.
ولا يقتصر خلط المفاهيم على الحكومات، فالواضح أنّ ثمة محاور أخرى للخلط حيال مفاهيم حقوق الإنسان لدى الرأي العام العربي. فمن ناحية هناك من يعتقد أنّ حقوق الإنسان " اختراع غربي " لتحقيق مآرب سياسية، ومن ناحية أخرى هناك الانتقادات حول عدم جدوى الطابع الإصلاحي لحركة حقوق الإنسان.
وتخلُّ مجمل هذه المعوّقات بالتوازن بين سلطات الدولة من ناحية وبين السلطة والمجتمع من ناحية أخرى، وبالتوازن الاجتماعي من ناحية ثالثة. وفي إطار هذا الخلل المركّب كان من الطبيعي أن تستشري أعمال العنف، والعنف المضاد، وأن تتردى العلاقات بين الأغلبية والأقليات العرقية والدينية في الكثير من بلدان العالم العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل