الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صياح الحمقى وحديث عابر عن الأصوات

حاتم سالم عبدالله

2010 / 12 / 9
الادب والفن


تحاصرني رغبة بقطع عنق هذا الديك الأحمق الذي لا يكل من الصراخ. أظن انه الوحيد في المنطقة التي أقطن بها ويحاول اثبات نفسه بطريقة ما , هذا ما اذا كان يبحث في الأصل عن تلك القشة التي ستسد مريئه حتى يختنق ويموت. أظن ان قبضة يدي ستكون أسوأ قشة ظهرت في مسارح الجريمة بالوجود , لن يحتاج إلى بلعها لأنها ستبلع عنقه الصغير أولا . أنا سادي , نعم سادي , ولا أوقع اتفاقيات مع الديكة بالعادة.

بعض التحدي مبكي وبالأخص عندما تتوعد الآخرين وهم يزيدون من صراخهم وتلقى نفسك امرءا ساذجا لا يقوى على فعل شئ , و يشبه رجلا ضعيفا يلبس زي أفعى في حفلة تنكرية. انه يصرخ , كل أربعة دقائق صباحا , ظهرا , مساء. علمتني أمي ان الصمت يشبه جبلا لا يحطمه صفير الرياح وهيجانها. اعتذر حقا يا أمي , لأن الجبل ان لم تحطمه الرياح فستعرضه للتعرية. انه يتآكل بفعلها كما علمنا معلم الجغرافيا القصير ذات يوم. وأنا يا أمي أتعرى من صبري , لكني صامت , صامد و ساذج أيضا , كالجبل يا أمي !

لطالما عرفني أهلي اني امقت ثلاثة أصوات إلى جانب صوت الديكة. كم أكره حناجر المغنيات الهنديات حد كرهي لصوت جارنا وهو يداعب ابنه صباحا. جميعهم أمقت اصواتهم القبيحة كصوت المضخات, الغليظة في أحيان , الحادة في أحيان أخرى. يجب أن أفعل شئ , لكن ليس الآن , فالقدر هو من يفعل الآن , فهو يرعى كل هذا الازدحام والزيادة في عدد السيارات. نعم , احب صوتها وهي تسابق ركود الشارع , أحب صوتها وهي تغطي على صوت هذا الديك الغبي. وبالطبع من يعتد على أكل الزنابير لا شك أنه سيعجب بطعمها.

منذ أن كنت صغيرا كانت تجذبني الأصوات قبل الوجوه والأشكال. وقبل أن اقرر المكوث مع ضيف أبي , كنت أتذوق صوته من خلف الباب. فإن أعجبني ذهبت إليه وحكيت له عن ألعابي التي تتلف سريعا , وإن لم يعجبني ذهبت شاكيا لأمي عن وجود وحش يستضيفه أبي. تلك الثقافة السمعية التي نشأنا عليها , جعلتنا نتعلم كيف نتنبأ بالأحداث قبلا , فصوت أبي الغاضب وهو ينادي علي ممتزجا بصوت قدميه الثقيلتين وهي تطرق أرضية المنزل , يعني انني موشك على جلسة تحقيق وتأنيب. أما صوت الرعد قد يعني ان سيارة المنزل ستتعطل بفعل المطر.

ومن الغريب حقت ان يكون الصوت سببا لتفكيرك بالطعام قبل الرائحة لكنه يحدث بطريقة أو بأخرى. ما زلت أتذكر مشهد تلك البائعات العجائز بالمحاذاة مع المدرسة وهن يجلسن القرفصاء مفترشات انواعا عديدة من ساندوتش الجبن. ينادين الأطفال القادمين للمدرسة : " جبن , مية " , وبمجرد تحسسي لأصواتهن أسارع بإخراج مصروفي الفقير المكون من ورقة واحدة تكفي لفطيرة جبن واحدة. رغم اني منعت مرارا من أمي , بحجة انه ساندوتش منزلي وربما يكون غير نظيف , الا اني كنت افعلها رغبة بالطعم.

ويصرخ الديك , مرة , مرتان وثلاث , ويقف قلمي , دقيقة صمت , دقيقة صمود , بل دقيقة سذاجة , احتراما للمزعجين , كما علمتني أمي .

‏09‏/12‏/2010 الخميس , ظهرا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟