الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين كبير مستحق السداد

صلاح عبد العاطي

2004 / 9 / 21
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لقد علمتني الحياة أن لكل الأشياء نهاية وبداية، وعلمتني أن نهاية الظلام الصباح، وعلمتني أن أي نهاية لا تعطي الإنسان والناس حقوقهم ستنقلب إلى بداية جديدة هكذا حتى تصل إلى نهاية عادلة طبيعية مشروعة ومقبولة.
فنهاية الدين هي السداد لذا فمن الطبيعي أن يبقى الدائن يطالب ويعمل من أجل الحصول على دينه مهما طال الزمان وأجل السداد. "ما ضاع حق وراءه مطالب" فهروب المدين من السداد لا يعفيه من السداد ولا يبرى ذمته. فالقواعد القانونية لسداده الديون تعطي الدائن الحق في الحصول على أصل الدين وفوائده وتعويض عادل نتاج ما لحق بالدائن من خسارة أو ضرر جراء عدم تسديد الدين أو التأخير فيه. كما وتعطي الدائن الحق في الحصول على كفلاء لكفالة تسديد الدين والفوائد والتعويض والكفلاء يغرموا فمن يكفل يغرم في حالة عدم السداد من المدين والدين لا ينتهي بالوفاة ولا يسقط بالتقادم بل يورث ويزداد ولا ينقص، وقد يتواطأ الكفلاء مع المدين في سداد الدين لكنهم جميعاً متضامنين في السداد وللدائن أن يعود على أحدهم أو جميعهم لتسديد الدين كما أن هروب ومماطلة المدين والكفلاء في السداد لا يعفيهم من السداد، ربما يؤجل السداد ولكنه لا يعفيه. والقانون أعطى الدائن أدوات متعددة للحصول على الدين من المدين (اللجوء للمحاكم، توكيل محامي، الحجز العيني، الكفلاء...الخ).
في ظل ما قامت وتقوم به سلطات الاحتلال الصهيوني منذ ما يزيدعن56 عاما من مجاز وتشريد وانتهاك لحقوق الإنسان والشعب الفلسطيني نجدد العهد للحصول على الدين وفوائده المتزايدة يومياً والتعويض عن الضرر الذي لحق بنا جراء ممارسات الاحتلال الصهيوني فنحن الدائنين لدينا ديون كثيرة على الاحتلال و وحلفائة والمجتمع الدولي والعربي. لدينا فوائد الدين التي فاقت مئات المرات أصل الدين فلا زلنا دائنين للتاريخ والحضارة والزمان، (قسماً لن ننسى.. لن ننسى ما حدث في جنين، نابلس، وجباليا ، ورفح وبيت حانون، ورام الله.. كما لم ننسى صبرا وشاتيلا، دير ياسين، وكفر قاسم.. سنبقيها ونبقى حضورها الدائم في الذاكرة والمستقبل فهي ديون مستحقة الأداء لحظة الانتصار الحضاري والأخلاقي.
إن من يطالب ويبحث عن سداد الدين عليه أن يدرك أن الدين ثابت، يزداد ولا ينقص، والمطلوب هو إيجاد الآليات والطرق للوصول إلى سداد الدين وهذا يتطلب بدوره كل مرة تأكيد الحق بالدين والنضال والتضحية من أجل الوصول إليه واختيار أنسب المحامين والطرق ومغادرة حالة الحصار والسكوت والصمت وتوثيق مماطلة المدين وأحياناً القبول بتقسيط الدين مع إلزام المدين بالسداد عبر كفلاء جدد لتوثيق وتقوية قاعدة السداد لضمان أداء الدين مع ضرورة الاتفاق زمنياً على برنامج السداد كما أن التضامن بين الكفلاء والمدين يفرض ويحتاج إلى تضامن واتفاق بين جميع الدائنين الفلسطينيين والعرب والشرفاء في هذا العالم مع توضيح أدوار والتزامات كل طرف من هذه الأطراف مع ضمان أن كل الطرق مشروعة لتحصيل الدين، المحاكم الدولية.. قواعد الشرعية الدولية.. العرف العالمي لحركات التحرير فجميعها تعطي لنا الحق في الحصول على الديون وفوائدها، وتعويض عادل لما لحق بنا من خسارة نتاج المماطلة والتأخير في السداد.
تزداد معاناتنا اليومية بسبب الاحتلال والانحياز له والصمت الدولي على جرائمه أولاً، وثانيا،ً وثالثاُ، ورابعاً.. .
لكن في وسط هذه المعادلة لدينا أسبابناً الداخلية كوننا مختلفين في كيفية تسديد الدين وفوائده والتعويض، بل لسنا متعاونين ولكننا متنافسين، ولا يوجد لدينا رؤية مستقبلية واضحة تضمن لنا الوصول إلى الدين.
قد يتواطأ أو يتراخى بعض الدائنين بقصد وبدون قصد في تأجيل سداد الدين. صحيح أننا مثخنين بالجراح وملء بالمعاناة ومحاصرين ولكن كل هذا يجب أن لا ينسينا الدين فالمدين يحاول أن يقهرنا ويريد منا توقيع صك يعفيه من السداد بالقوة والقهر والحصار والقتل والتدمير...الخ. ليس ذلك فحسب بل يريد منا التنازل عن حقوقنا المشروعة، والتخلي عن ثوابتنا الوطنية التحررية والاجتماعية الديمقراطية وأن أسرار الهزائم دائماً واضحة فالقلعة الحصينة تهزم دوماً من الداخل ومن يناضل ويبحث عن سداد الدين على أن يعي أنه ليس بالدموع والصراخ والكلام يغاث شعبنا فالكلام والصراخ لا يقوم مقام الفعل، وللأسف في مجتمعنا يخرج المجتمعين من الاجتماعات في نفس كل واحد منهم شعوراً بأنه أنجز مهمة، فيكفي أن تتحدث عن الإنجاز لتشعر أنك تنجز. لعل ذلك ناتج عن الشعور بالرضوخ والحصار وسيطرة الواقع والإحساس أيضاً بالعجز إزاء المستقبل وهذا ما يفسر اكتفاءنا أحياناً برد الفعل بدلاً عن التفكير والتحكم بالفعل والأحداث.
كما أننا نبرر غياب الفعل الخارجي والداخلي الإصلاحي بالبيئة غير المستقرة بأن تبعات الحصار والقمع استراتيجية، فهي تمنع التفكير الاستراتيجي والتخطيط لدى الدائن فثقافة الحصار والقهر والألم معدية تنتقل من شخص لآخر انتقال جرثومة المرض من المريض إلى الشخص الصحيح فيغدو المرض قاعدة والصحة استثناء بين هذا وذاك تخرج الأسئلة هل فعلاً نحن قادرين على مواجهة ثقافة الحصار والقمع استراتيجياً..؟ ما جدوى الحياة طالما الموت يحاصرها..؟ ما جدوى العمل طالما ضاعت وغابت الأهداف..؟ ما جدوى الفكر والعقل طالما لا نعمل بموجبهما..؟ ما جدوى العمل الجماعي في ظل الهيمنة والتفرد والأنانية واستمرار منطق التوازنات وحب الموقعية..؟ ما جدوى التراكم في ظل إصرار البعض على العودة كل مرة إلى نقطة الصفر..؟ ما جدوى معرفتنا طالما لا نستخدمها..؟
أما آن الأوان أن نغادر حالة الحصار وغياب الفعل المنظم..؟ ولنا أن نتساءل هل نجح العدوان بكل أسلحته أن يهجر العقول..؟ هل نجح في إصابة أعيننا بالعمى..؟ وهل نجع في تغيب إرادة العمل والعقل هل.. لماذا.. متى.. إلى أين.. وكيف.. ومن.. ومع من..؟
تبقى الأسئلة تدور حتى نصل إلى إجابات واضحة تدلنا على طرق الحصول على الدين وطريقة المحافظة عليه أيضاً. في غمرة الموت يظهر سؤال الحياة عندها نعرف أن الأمل والإرادة أقوى من الموت فنحن بشر ولسنا تماسيح تتنازل عن حقوقها وديونها ولا تكترث. ربما يستطيع الاحتلال وحلفاؤه أن يحاصرونا ويقتلونا ويأسرونا لكنهم لن يحاصروا أفكارنا وأحلامنا وأدواتنا المبدعة المتجددة..؟
فنحن نحاصرهم فنحن الدائنين لهم ولكفلائهم في العالم فلقد علمنا العالم دروساً في النضال والصبر والإرادة والتحدي هذا ما قالته الانتفاضة وتضحيات شعبنا أن لحظات الانتصار تتطلب تفعيل قوي من الناس والجماهير لضمان مشاركتهم في صنع القرار السياسي والاجتماعي وتتطلب تفعيل سلاح الإدارة القائمة على المشاركة وسلاح العقل والأخلاق فهذه هي القوة القاهرة التي ستصنع التغيير. هذه قوة الأخلاق والعقل والإبداع في أشكال النضال للحصول على الدين قوة الحق التي ستواجه منطق التوازنات والمستوى. لنغادر حالة الحصار والانكفاء على الذات وللغد للمستقبل فالدين مستحق السداد ولن ننسى وسندفع الاحتلال الثمن وسيأتي اليوم الذي يحاكم فيه المجرمين يدفعوا ثمن ما اقترفوه من جرائم، هم وكفلائهم.
لنعمل بالأمل لنستمر في الأمل وفي تقوية وتحسين أدواتنا لكي تكون أوفر حظاً وأقوى داخلياً وخارجياً للحصول على الدين وتبعاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو طريف.. كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة شاهدت دمى تطفو


.. الرئيس العراقي: نطالب المجتمع الدولي بالضغط لوقف القتال في غ




.. سقوط مزيد من القتلى والجرحى مع تواصل القصف الإسرائيلي على غز


.. أكسيوس: إسرائيل قدمت خطة لمصر لإدارة معبر رفح| #الظهيرة




.. ما -الحكم العسكري- الذي يريد نتنياهو فرضه على غزة في اليوم ا