الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قنينة عَرق مُعتق على عمامة - اليعقوبي - لتعقيمها من الجراثيم

عادل الخياط

2010 / 12 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في سنوات السبعينات كان عندنا في مدينة الشطرة قارئ حُسيني يُسمى " شيخ موسى " شيخ موسى هذا ضرير البصر , ومن أصل إيراني , وكان شيخ موسى يُدعى للقراءة الحسينية من أغلب المواكب طيلة شهري مُحرم وصفر إضافة لجميع مناسبات وفيات الأنبياء والأولياء وحتى في فواتح الموتى . ورغم العيب الذي دائما يُشار له في نوعية قراءة هذا القارئ عن إنه دائما يُكرر نفس أسطوانة الحسين والعباس : تقدم نحوه وطعنه بالرمح وقطع يديه وحز الرأس .. ثم يبدأ بالنواعي .. لكنه ظل محل تقدير الناس له لكونه ضرير البصر وبسيط وتلقائي .

غير ان الطقوس الحسينية ايام زمان كان فيها مُحورين , المحور الأول هو محور الـ " قارئ " ومحور الـ " رادود " ,بصرف النظر عن الزنجيل والتطبير والتشابيه لأننا بخصوص قضية بعينها - . محور القارئ عادة ما يهتم به الـ " شياب " يعني المتقدمين بالعُمر ولو نسبيا , أيضا شياب من سليقة عشائرية بحتة , بحيث إنهم ينصرفون لبيوتهم فور نهاية القارئ لقراءته ولا يستمعون للرادود .. أما محور الرادود فقد كان يهتم به الشباب , والشباب الذين يعيشون في حاضرات المُدن , مهما كانت تلك الحاضرة المدنية , قضاء أو مركز محافظة أو عاصمة , وأولئك الشباب كانوا يطربون للرادود لأنه يُلقيها بنغمة موسيقية عذبة , إلى حد إن ردات الرادود " عبد الرضا النجفي " وعلى الأخص التي بكلمات الشاعر " عبد الحسين أبو شبع " كانت تُسمع في غير مناسبة عاشوراء , بل ان الكثير من الشباب كانوا يسمعونها وهُم يشربون العرق الزحلاوي , وأتذكر مُدرس مادة فنية ورسام من أهالي الشطرة حين يشرب كان يضع أغاني أم كلثوم وغيرها من الأشرطة الموسيقية على جانب ويستمع لـ " ردات عبد الرضا الرادود , وغيره الكثيرين كانوا يصفون حنجرة عبد الرضا بأنها تفوق حنجرة أم كلثوم بمراحل , وأن قصائد من قبيل " الطفوف , الغاضرية , آلام .. وغيرها .. وبأداء راق وصوت جميل ظلت في مخيلات الناس الذين عايشوا تألق تلك الردات الحُسينية .. وتلك النغمات ترجع لو يفهم اليعقوبي والزيدي والخزاعي إلى المقامات العراقية , ولذلك فإن الموسيقى تدخل في أشياءهم التي يسترخون على نغماتها .

لكن ليس هذا هو صلب هذي الموضوعة , فبالعودة إلى القارئ الضرير : شيخ موسى " , وإلى الشباب الذين يرغبون أو يُفضلون الردات أو الرادود الحسيني على القارئ , فإننا سوف نقع على طريفة في ذات السياق . فذات مرة في أيام عاشوراء كان " شيخ موسى " في موكب الشطرة الكبير" يقرأ أشياءه الإسطوانية التي وردت في بدء هذا الموضوع , ولأنها إسطوانة مشخوطة دائما ما يُرددها , ولأن الشباب ترغب بأن يعتلي الرادود المنبر لكي يستمتعوا بنغماته , فقد فاض الصبر بأحد هؤلاء الشباب ودمدم بصوت مسموع وهو قريب من منبر الشيخ موسى وجهاز التسجيل في يده في إنتظار الرادود ليُسجل ردته , فاض به الصبر وقال مُدمدما باللهجة العراقية الدارجة : دفضهه الخاطر الله , مو يوميا نسمع هذي الإسطوانة , ما مليت منها " .. كلام الشخص كان مسموع من الشيخ موسى لأنه كما قلت كان قريب جدا من المنبر الحُسيني .. حينها قال شيخ موسى - وهو الشيخ الكبير والبسيط الذي لا يعرف كيف يرد على إستفزاز بهذا المستوى , وإن كان الإستفزاز مسموع بخفوت لبقية الحشد المتواجد في داخل مبنى الموكب وخارجه - قال بعصبية عسلية تُعبر عن بساطته : يا أخي إحترم نفسك , أنا لا أقرأ لك , لا أقرأ لأنال رضاك , أنا أقرأ لسيد الشهداء أبا عبد الله الحُسين ." . كان شيخ موسى قد قال هذا الكلام في المايكروفون الذي كان يتحدث من فوهته , بحيث أن الجميع سمعه , الذي داخل المبنى وخارجه وحتى العابر في الشوارع الفرعية القريبة , بل رُبما حتى البيوت القريبة , وقد أثار تعصب شيخ موسى هذا نوعا من الضحك المصحوب بالتعاطف معه , لأن طبيعة شيخ موسى لا يُمكن أن تُستثار لهذا الحد , لأنه أقصى ما يمكن أن يقوله في موقف مُشابه : سامحك الله يا إبني .

هنا كيف تقارن شيخ موسى باليعقوبي , كيف تقارن روزخون بسيط وتلقائي مع آخر مثل اليعقوبي .. تقارنها أيضا من محورين , المحور الأول أن الروزخون ليس له علاقة بالحياة , الفن , الأدب , السينما , المسرح , الموسيقى وغيرها .. فعقلية مثل عقلية شيخ موسى لم ولن يكن بإمكانها أن تدرك لماذا هذا الشاب كان يتعجل بأن يعتلي الرادود المنبر , لماذا هذا الشاب ينتشي بنغمات الرادود ويشمئز من مجلس القراءة للقارئ مع ان الحالتين تصبان في الطقس الحُسيني ؟ لكن مع ذلك يظل شيخ موسى من نوعية الروزخون البسيط الذي لم تسممه الوقائع .
المحور الآخر عندما يكون الروزخون على شاكلة السمسار المُستغل لظرف بعينه مثلما يفعل اليعقوبي , والقبانجي والكمباري وغيرهم من روزخونية العصر العراقي الديمقراطي الروزخوني , عقليات هؤلاء هي نفس عقلية شيخ موسى عندما لم يفهم ما عناه ذلك الشاب بتشوقه لإعتلاء الرادود المنبر , بمعنى " عقليات مؤطرة بإطار خارج نطاق ما يكتنف الكائن البشري من أشياء لا سبيل إلى غورها " غير ان الفارق بين ذلك الروزخون القديم الذي عالمه ينحسر بالقراءة والنواعي ثم يتعشى وينام , وبين الحالي الذي وفرت له ظروف الزمن الزرنيخي بأن يحشر رأسه المُؤطر برُكام خيالي من الجهل في قضية أضنت العقل البشري على مدى آلاف السنين : قضية بناء الدولة والمجتمع على أسس سليمة ."

لذلك تم إقتراح قنينة العرق للتعقيم من الجراثيم العالقة في تلك الرؤوس .. وهذا الإقتراح ليس سخرية باليعقوبي والقبانجي والمالكي والزيدي وغيرهم من روزخونية العصر الديمقراطي الروزخوني , وأكرر , والله ليس سخرية , إنما لأن الخمر يفتح آفاق أخرى للعقل , أو ما يُسمى الظلال المُعتمة للعقل البشري ,يعني لو أن اليعقوبي تناول بضعة أقداح فإن عقله مُحتمل يعود لفترات سابقة في حياته , فترات سابقة " الطفولة المراهقة " فترات قد تنغزه , تنغز عقله وكيانه كله وعندها تبتدئ صحوة من نوع أخلاقي , وبعدها تأتي الرصانة في سلوكياته تجاه الآخرين .. ونكرر : ليس سخرية , فلقد كتب مُعظم فلاسفة العالم وأدبائه ومفكريه أشياءهم التي عبرت بالبشرية من عصر إلى عصر أكثر تطورا تحت وابل جرعات الخمر التي يرشفونها في الضوء والحُلكة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من أجل إقامة الجبهة اليسارية العراقية
التيار اليساري الوطني العراقي ( 2010 / 12 / 11 - 11:11 )
ان قيام اليسار العراقي بواجبه الطبقي والوطني في المعركة الوطنية الكبرى التي يخوضها الشعب العراقي ، يتطلب ارقى اشكال التنسيق والتعاون بين القوى اليسارية العراقية ، فلا يمكن لاي فصيل يساري ان ينهض بمفرده بالمهام الوطنية الراهنة والمستقبلية ،مما يستلزم اقامة الجبهة اليسارية العراقية لقيادة هذا العمل الوطني التأريخي

ان الجبهة اليسارية العراقية تمثل النواة الثورية للجبهة الوطنية، المناهضة للبعثية الفاشية والنظام الاحتلالي الطائفي العنصري الفاسد وتعتبرهما وجهين لعملة واحدة, عنوانها العمالة والقتل والتدمير والنهب
أن هدف الجبهة اليسارية العراقية الرئيسي هو تحرير العراق واقامة جمهورية العدالة الاجتماعية .وهي تشكل بذلك نواة طبقية دينامكية لاوسع تحالف وطني مناهض للفاشية والاحتلال , بأختيارها الطريق الثالث ، طريق الانتفاضة الشعبية لتحقيق اهداف الشعب العراقي في الحياة الحرة الكريمة

ورقة التيار اليساري الوطني العراقي : من أجل إقامة الجبهة اليسارية العراقية
الرابط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=226153

لجنة المتابعة
بغداد المحتلة


2 - تحيه للخياط
شمران الحيران ( 2010 / 12 / 11 - 17:03 )
الاخ الفاضل عادل الخياط...الحقيقه اذهلني عنوان الموضوع...ماكنت اتمنى هذا الوصف ان يصدر من كاتب مبدع مثلك يجعل للاخرين سهولة التعدي والاساءه للكتاب العلمانيين وتوسيع دوائر الاحتدام والاحتراب الفكري...كون الاخوه اصحاب
الافكار العلمانيه اشتملت مبادئهم على تفنيد اطروحات الملالي الضلاميه وفق صيغ التهذيب مقرونة بالدليل والبرهان كونهم لايمتلكون اكثر مما كنز الشيخ موسى من موسوعات الاعاده التقليديه وهذا موروث ركن في مجسمات الاجساد نتيجة الزمن المتعاقب على مجتمعاتنا الجنوبيه حتى اصبح يشغل مساحات كبيره
من الفكر والخيال مهما بلغنا الثقافه والتطور وهذ ما اكده الراحل الحاضر المرحوم علىالوردي في ازدواجية الشخصيه العراقيه مهما بلغت الثقافه واخلتف المناخ او البيئه يصد ر العكس سرعان ما توغز السرائر ........لذا اتمنى ان توجه السهام الى السياسيين المتلونين الذين تسببوا في ضياع الناس والوطن(وستر الله على شيخ موسى)وجماعته اصحاب صلاة(اعبيتي واعصيتي والله واكبر).....مع فائق تقديري ت


3 - بلا كلام
العامري ( 2011 / 11 / 13 - 20:46 )
كنت اود ان ارى كاتبا يحترم قلمه وحقيق ما قاله اليعقوبي فيكم ، واعجب ان يبيع الانسان عقله ويدعي انه مفكر ومبدع وما قيمة الانسان بلا عقل ... فمن نعت ودعيته الى ما تتردتاده انت وامثالك وهو اطهر وانقى من ان ينزل الى هذا المستوى...فقد ابدع ونهض باعباء الامة بدون الذهاب الى ما ذهبتم اليه ...
والوبك الفض واشارتك الغير دقيقة والمسيئة والبعيدة عن كل ادب ومنطق دليل بعد عقلك عنك بكأس من كؤوس تلك المردية طلابها ..كنت اتمنى ان اصفك بالمثقف والكاتب لكني لا اكون منصفا ان قلت ذلك

اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA