الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاوضاع الصحية في العراق 1945 – 1958 في اطروحة دكتوراة

جواد الديوان

2010 / 12 / 11
الطب , والعلوم


رسالة الدكتور حيدر حميد "الاوضاع الصحية في العراق 1945 – 1958 دراسة في التاريخ الاجتماعي للعراق المعاصر" متممة لدرسالته في الماجستير "الاوضاع الصحية في العراق 1932 – 1945" وسبق ذلك رسالة السيد متعب خلف جبار "تاريخ التطور الصحي في العراق 1914 – 1932" تعكس اهتمام اقسام التاريخ في جامعة بغداد في التاريخ الاحتماعي للعراق.
نشر اطباء الجيش الانجليزي اول البحوث عن انتشار البلهارزيا والحمى السوداء وحبة بغداد والملاريا وغيرها في المجلات الطبية العلمية البريطانية، واضافت الكوادر الطبية العراقية بحوثا تناولت فيه انتشار الامراض والعوامل المؤثرة في ذلك بعد تاسيس الدراسات العليا في كليات الطب في سبعينات القرن الماضي. الا ان الفترة التي يدرسها الدكتور حيدر لم تشهد انجازات علمية واضحة للعراق. وبخجل يشير حيدر حميد الى مؤتمر الملاريا في العراق قدم فيه اطباء عراقيون بحوثا عن التشريعات! الخاصة بمكافحة الملاريا. لقد امضى احدهم اكثر من ربع قرن متابعا للحمى السوداء ولم يضف شيئا جديدا! وكل المعلومات عن المرض في العراق (انتشاره والطفيلي وانواعه وغيرها) مصدرها برادلي (انجليزي) في بحوثه المستمرة. ان اهمال البحث العلمي واضح يمكن ملاحظته بين صفحات كتاب الدكتور حيدر، ولا زلنا نعاني من هذا الاشكال، والاشار الى ذلك الخلل من اجل الاصلاح لا غير. وربما توقع البعض ان اهتمام اطباء الجيش الانجليزي وبحوثهم ليست ذات اهمية.
يقدم الدكتور حيدر حميد دورا متميزا لمنظمة الصحة العالمية اليونسيف في مكافحة الامراض المتوطنة والاوبئة وخاصة الملاريا في العراق كما وجده في الوثائق والنشريات التي درسها. وربما يظن القاريء بأن للمنظمات العالمية دور في قيادة وزارة الصحة والتخطيط لها. ودور تلك المنظمات اسناد وزارة الصحة والاشارة الى انتشار الامراض والتدخل حينما يطلب منها ذلك. الا انها تراقب برامج وزارة الصحة وتقييم اداء بعض المؤسسات. ولا نجد تقييم لدور المنظمات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية هذا، ودور قيادة وزارة الصحة في ذلك الوقت، واعتبرها الدكتور حيدر حميد قفزة في التطور الصحي. ولا زالت وزارة الصحة تعاني هذا الاشكال فبعض كوادرها ينسب كل النجاحات الى دور تلك المنظمات.
يتناول الدكتور حيدر باسهاب مرض الملاريا ويشير الى امكان انتشاره الجغرافي وكثافة الانتشار ويعدد انواع بعوض الانوفيلس الناقل للمرض بل وانتشاره الجغرافي (ورائية المرض). ويقدم عرضا تاريخيا لجهود وزارة الصحة في الحد من انتشار الملاريا اي السيطرة عليه. ويتناول برنامج استئصال الملاريا في العراق، ومفردات العمل الحقلي للكوادر الطبية والصحية ومنها التحري الوبائي. ورغم الجهود الجبارة التي بذلتها كوادر وزارة الصحة فان الملاريا تراجع بفضل التقدم في الخدمات المدنية والبلدية. لم تشارك كل دول المنطقة في برنامج الاستئصال لاعتراضات علمية وقتها. لقد تضخمت شعبة الملاريا في مديرية معهد الامراض المتوطنة وعانت من ذلك وزارة الصحة عندما تم تحويله الى مركزا للسيطرة على الامراض الانتقالية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وتراكمت خبرة لدى الكوادر الطبية في العراق في مجال الملاريا واصبح معهد الامراض المتوطنة مركزا للتدريب في الشرق الاوسط.
وفي مكافحة البلهارزيا تقدم منظمة الصحة العالمية مشروعا لمدة سنتين (ص313) لدراسة انتشار المرض وانتشار القواقع (البولاينس) واسلوب حياة الناس الذي يسهل انتقال المرض (اي وبائية المرض) ويعكس ذلك الافتقار لمثل تلك الدراسات، وتظهر اهمية البحوث التي نشرها اطباء الجيش الانجليزي في هذا المجال، وربما لم يجد الدكتور حيدر من المناسب ان يشيد بها. وعن شيوع البلهارزيا في العراق فقد اعتقد الناس وقتها ان الرجل لا يبلغ حتى يحيض مرة اي يصاب بتبول دموي، واطلق نابليون على مصر ابان احتلالها بلد رجال تحيض في اشارة الى التبول الدموري المستمر. وينقل الدكتور حيدر تبريرات وزارة الصحة عن فشل مشروع مكافحة البلهارزيا، ومنها عدم التنسيق بين وزارات الري والصحة وكذلك الانشطة الاقتصادية الاخرى.
وتم عرض البغاء باسهاب عند الحديث عن الامراض الزهرية (السيلان والسفلس) والبجل. ويشير الباحث الى ندرة البغاء بين العشائر والقبائل بسبب الزواج المبكر والاعراف والتقاليد الاجتماعية، وينتشر في المدن، ولذلك تنتشر الامراض الزهرية. ويشير الدكتور حيدر الى انتشار البجل جغرافيا وعشائريا، ويغمز بشكل خفي الى ارتباط البجل بالاتصال بالحيوانات (ص325). والبجل تسببه نوع من جرثومة السفلس ويصيب الاطفال، ومن العوامل التي ترتبط به الفقر والبيئة الغير صحية. وقد قدم بعض اطباء الجلدية شروحا مفصلة للبجل، ومنهم الدكتور محمد الحمداني وكان يشير الى انتشار في الاهوار. ويغلق فاضل الجمالي رئيس الوزراء وقتها المبغى العام في 9 /1 / 1954، تنتقد بعض الصحف ذلك الاجراء ومنها جريدة الاهالي. لقد انحسر السيلان والسفلس موخرا بسبب انتشر الواقي الذكري وفعالية البنسلين وغيرها. وتوسع مفهوم الامراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي (sexual transmitted diseases) ويشار لها STDs وتضم طيفا واسعا من الامراض ومنها التهاب الكبد الفيروسي نمط B وفيروس فقدان المناعة المكتسب HIV .
لم يتوسع الباحث في مرض التايفوئيد، والعراق عائم على بحر من التايفوئيد، حيث يفتقد الى المجاري والمياه الصالحة للشرب. ان احصائيات وزارة الصحة تشير الى الحالات المشخصة في تلك السنوات، وربما لم يعالج اطباء الاوبئة الموضوع في وقتها. واشارة الباحث الى قمة جبل الجليد عند مناقشته الامراض الزهرية تنطبق عل كل الامراض بشكل عام.
ولا ينسى الباحث الحمى الدماغية الشوكية (التهاب السحايا) وموجاتها الوبائية. وكذلك مرض الجذام Leprosy ومستعمرة البتيرة في العمارة لعزل المرضى. وتضم المستعمرة بيوتا لعوائل بكاملها مصابة بالمرض. وتطور الطب ولا توجد ضرورة لعزل المصاب بالجذام الان، كما تطورت اساليب معالجته واختفت مستعمرة البتيرة.
امراض الاطفال ووفيات الاطفال الرضع كان لها مكان في رسالة السيد حيدر حميد. وامراض الاطفال الرضع من مؤشرات تقدم البلدان فهي مرتفعة في الدول النامية وواطئة في الدول المتقدمة. والخدمات الطبية والصحية ليست العامل الحاسم في وفيات الاطفال الرضع، وانما تطور البلد ككل من مياه صالحة للشرب ومجاري وسكن صالح وبرامج لمكافحة الاسهال اي خدمات بلدية وثقافة للافراد وسلوك صحي (تشجيع الرضاعة الطبيعية) ومكافحة امراض فتاكة مثل السل والدفتريا والسعال الديكي والكزاز وشلل الاطفال والحصبة (برنامج التلقيحات الموسع) ومراقبة النمو (السيطرة على سوء التغذية) ورعاية الحوامل والسيطرة على الولادات بوزن ناقص او قبل اتمام الحمل (الخدج) وغيرها. والعراق الدولة الوحيدة في العالم التي سجلت ارتفاعا متزايدا في وفيات الاطفال الرضع ومنذ الثمانينات (كما تشير الاحصائيات والبحوث). ومن المؤشرات الاخرى لتقدم البلدان وفيات الاطفال دون الخامسة من العمر ووفيات الامهات والعمر المتوقع للانسان عند الولادة ونسبة الوفيات عامة والمراضة وغيرها. وحبذا لو اسهب الباحث فيها ليقارن مع الدول المجاورة في تلك الفترة لتحديد الاوضاع الصحية في العراق وجهد الحكومات بل والمجتمع بشكل عام. والمؤشرات المشار اليها امثلة معيار للصحة في الشعوب.
تناول الباحث الاوضاع السياسية والاقتصادية لتلك الفترة واثرها على الوضع الصحي، وربما تحسس القاريء تحسنا في الخدمات الصحية مع تطور ايرادات النفط. وينعكس الرفاه الاقتصادي والتطور الاجتماعي على الاوضاع الصحية قبل تاثير الخدمات الصحية عليها وعلى سبيل المثال الانخفاض الحاد في الوفيات من التدرن في السنوات قبل 1940 حيث اكتشاف واستخدام العقار في العلاج وكذلك الانخفاض في اصبات الحصبة في السنوات قبل 1960 اي قبل ظهور لقاح الحصبة وهكذا. وهناك العديد من الامثلة في العالم ولا نستطيع توضيحها وتحديدها في العراق، وهذا جهد لبحث علمي في المستقبل.
اصبح اقتصاد الصحة Health economics علما قائما بذاته في العقود الاربعة الماضية، ويحدد اليات تقديم الخدمات الصحية بعيدا عن الموازنة بين حاجات الناس ورغباتها القاعدة الاساسية للتخطيط للخدمات الصحية. ويحدد حاجات الناس خبراء الصحة في وزارة الصحة، ورغبات الناس ما تعبر عنه طلباتهم. ولم ينتقد الباحث مثل هذه المفاهيم في دراسته.
ارتباط الاوضاع الصحية والاقتصادية بالوضع الصحي في العراق كما توضح في رسالة الدكتور حيدر جهد متميز للباحث، وقد اضاف للمكتبة العراقية والعربية مصدرا عن اوضاع العراق الاجتماعية في تلك السنوات. وحبذا لو كان هناك تعاون مع اساتذة الطب وخاصة في علم الاوبئة لقدم الباحث وجهة نظر اشمل عن تلك السنوات. وان تضمن هذا العرض انتقادات لتناول الموضوع الا ان ذلك لا يقلل من اهمية الدراسة والجهد الواضح في انجازها، حيث يفتخر بها اساتذة وطلاب العراق.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المكتبه العراقيه بحاجه ماسه لهكذا اعمال
احمد سمير ( 2011 / 8 / 8 - 12:19 )
استخدام منهجية البحث العلمي الرصين في دراسة تاريخ العراق الأجتماعي لاشك بانها اضافة متميزة الى المكتبه العراقيه. شكرا للكاتب الذي بذل جهدا واضحا للتعريف بهكذا انجازات في بلد بدأ الناس يشكون في امكانية وجود هكذا عقول نيره. ياحبذا لو اضيفة دراسات أخرى عن الحقب التي تليها كي تساعد في تحسين الوضع الصحي المتأزم حاليا

اخر الافلام

.. الناتو يخشى إضرار روسيا بشبكة الإنترنت العالمية باستخدام دلا


.. منظمة الصحة العالمية للحرة: الحالة الصحية والحاجة الطبية هي




.. نيكول سابا مابحبش عمليات التجميل وكلنا بنكبر والفلاتر جابت ل


.. تطعيم من تجاوز الـ18 عاما.. فنلندا تتخذ إجراءات احترازية من




.. تشقير الشعر بعصير الليمون.. ترند منتشر على وسائل التواصل الا