الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ومحتواها الطبقي (عرض سريع ومختصر)

ستار جبار رحمن
المدير التنفيذي للمركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط

(Sattar Jabbar Rahman)

2010 / 12 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الديمقراطية المصطلح والتعريف
لقد ظهر مصطلح "الديمقراطية" في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد حيث كانت دويلات المدن هي الشكل السياسي لحضارة اليونان، فكان للمواطنين الاحرار حق المشاركة بمناقشة الامور العامة واتخاذ القرارت كحالة الحرب والسلم ... الخ، لان النظام السياسي الاجتماعي كان يضمن هذا الحق للمواطنين الاحرار فحسب ، وسيكون فهمنا واضحا لهذه الممارسة اذا علمنا ان العبيد والاجانب ، الذين لا ينتمون للشعب اليوناني ، هم خارج تلك الفسحه من الحضارة والتمدن.
فمصطلح ديموقراطية جاء من مقطعين الاول (ديمو) اي شعب حيث كان ينظر للمواطنين الاحرار فقط انهم الشعب، والمقطع الثاني (قراط) اي حكومة فهي "حكومة الشعب" حسب المفهوم اليوناني في حينها، لاننا لا نستطيع اعطاء تعريف جاهز او متكامل لظاهرة هي الآن خارج سياقها التاريخي.
اما اليوم فالديمقراطية مصطلح يصف شكل الدولة الذي يضمن تمثيل المواطنين للتعبير عن مصالحهم وتطلعاتهم وخضوع الحكومة لممثلي الشعب من خلال اجراء الانتخابات الدورية ووجود الدستور الدائم وضمان حرية الاحزاب وحرية الصحافه واستقلالية القضاء ...الخ

التطور التاريخي لمفهوم مصطلح الديمقراطية في العصر الحديث
على الرغم من أن المفاهيم الثورية ارتبطت مع صعود البرجوازية وصراعها المرير والدامي مع القوى الاقطاعية؛ لكن ايدولوجيي القوى الاقطاعية الرجعية المعادية للثورة لم يكونوا وحدهم الذين رفضو فكرة الديمقراطية؛ ذلك ان البرجوازية، هذه الطبقه الجديدة التي تولت السلطه لتوها، عارضت الديمقراطية، منطلقة من كونها تعني حكم المعدمين الذين يشكلون الاغلبية. والذي يتعارض مع مصالحها الاقتصادية والاجتماعية.
يشير ( جان جاك روسو ) في مؤلفه ( العقد الاجتماعي) : "....نظام الحكم الديمقراطي او الشعبي يكون عرضة للنزاع المدني او الشقاق الداخلي، بدرجه رئيسية....." ويتوصل روسو في نهاية المطاف للاستنتاج التالي : " حين يوجد هناك شيء من قبيل شعب الله، فستكون ثمة ديمقراطية، ان حكومة بدرجه الكمال، لا تكون ملائمه لاناس هم ليسو سوى مجرد بشر" يوضح النص اعلاه تعبيرا واضحا لفيلسوف يعتبر واحدا من اكبر منظري الثورة ( البرجوازية الديمقراطية) . لا يمكن ان يثير هذا التصور الغرابة، لانه كان ابان صعود البرجوازية السياسي والاجتماعي والذي يستبدل لاحقا بعد افراغ المفهوم من محتواه الايجابي لضمان تقدمها في الصراع ولاستمرار صعودها.
ففي القرن الثامن عشر انتشر مصطلح ديمقراطية انتشارا واسعا، فكل حزب يشير اليها ويحاول امتلاكها وكأنها الطلسم ، الملكيون يقولون ملكيتنا ديمقراطية ... ويقول الجمهوريون ..الجمهورية هي ديمقراطية الحكم الذاتي ... كما كان الاشتراكيون، والشيوعيون تحمل احزابهم اسماء ديمقراطية. لكن ظل الوضع متاخراً في الولايات المتحدة الامريكية، ويذكر بادوف في كتابه معنى الديمقراطية تقييما للتجربة الامريكية "لقد امن الامريكيون في الجزء الاخير من القرن الثامن عشر، بمن فيهم اولئك الذين اسسو حكومة الولايات المتحدة الامريكية، بالحكومة الذاتية، لكنهم ظلو بموقع الشك بالنسبة لمصطلح "الديمقراطية". اما اول امريكي معروف استخدم مصطلح "ديمقراطية" دون تقييد، فانه كان والت ويتمان وقد استغرق الامر جيلين بعد ويتمان لكي يدخل المصطلح المعجم السياسي للامة الامريكية بصورة كاملة.
هذا التطور في استخدام المصطلح يشير لجانبين الاول هو تطور المصطلح ودلالته؛ فان اتساع استخدامه بين الاوساط السياسية للطبقات السائدة يشير الى ان الديمقراطية لم تعد تشير هنا الى حكم الشعب، وحكم الاغلبية، بل الى شكل معين للحكم ولم يكن هذا التفسير الخاص للديمقراطية –اي تحديدها بشكل الحكومة- انجازا نظريا فحسب ، بل انه كان اداة – في الوقت نفسه - للمناورة الهادفة الى اخفاء العلاقات الجوهرية للحكم الرأسمالي، ولهذا نجده شعبيا وواسع الانتشار في النظرية والتطبيق السياسيين للبرجوازية، اما الجانب الثاني فيرتبط بشكل والية ضبط الصراع الاجتماعي، لقد تكلل القرن التاسع عشر بانتصار نهائي للثورة البرجوازية والدخول بمرحلة القضاء على بقايا الاقطاع من جهة ومن جهة اخرى الصراع مع العدو الجديد المتمثل بالطبقه العامله الصاعدة والمتنامية مع تنامي قوى الانتاج.
فالصراع حول مصطلح الديمقراطية والحكم الشعبي كان موجودا ايام الثورة الفرنسية بين الاتجاه الذي يريد من الثوره انجاز مهامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالقضاء على كل اشكال استغلال الانسان للانسان، وبين الاتجاه الذي كان يرى بالثورة، ثورة برجوازية على الاقطاع.
تفيد المادة (14) من اقتراح روبسبير لدستور اليعاقبة، ان الشعب هو السيد، وان الحكومة تنشأ من الشعب ، وتعود الى الشعب، وان موظفي الحكومة خاضعون للشعب، ومن حق الشعب ابدال الحكومة واستدعاء مندوبيه على هواه. كما عرف سان جوست الديمقراطية كذلك، بانها حكم شعبي. ولقد اراد (لانجه ،لوكليرك، جاك روا، هيبرت، واخرون) باسم مصلحة جماهير الشغيلة، توسيع المساواة الديمقراطية لتشمل على حد سواء ، ميدان الاقتصاد، والحكم الشعبي بكل مجالاته، اي كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية. وهذه المحاوله هي التي صبغت نظرية ( بابيف ) وهي ذات الشيء التي كانت تهدف اليه "مؤامرته" *.
ان مقارنة بسيطة بين هذه التصورات والتصور الذي يملكه جان جاك روسو والذي يعتبر من اشهر منظري الثورة الفرنسية "البرجوازية الديمقراطية" يبين حجم الصراع الدائر انذاك حول المصطلح من جهة وتجلياته وتطبيقاته من جهة اخرى. فبعد حسم الصراع ما بين الاقطاع والبرجوازية لصالح الاخيرة، تم افراغ مصطلح الديمقراطية من محتواه وابداله بمحتوى برجوازي، فاصبحت الثورة البرجوازية، ثورة ديمقراطية، والديمقراطية شكل سياسي ملازم بالضرورة لعلاقات الانتاج الرأسمالية.

المفهوم الماركسي للديمقراطية
يعالج الفكر الماركسي مفهوم الديمقراطية انطلاقا من منهجه العلمي بدراسة الظواهر وذلك ضمن صيرورتها التاريخية وبالتالي يتحدد منطق حركتها، ومع علاقاتها المتبادله مع الظواهر الاخرى ، فلا وجود لمقولة خارج التاريخ كما ان كل الظواهر والمقولات والمفاهيم تولد وتتطور وتموت في التاريخ.
يصف ماركس الديمقراطية في مؤلفه ( نقد فلسفة الحق لهيجل ) بانها شكل للحكومة ونظام سياسي" كما يعيد صياغة تصوراته عام 1843 في مقالته حول المسأله اليهودية حين افاد ان التحرر السياسي لا يعني غير التحرر الجزئي للشعب، اي ان التحرر السياسي، بكلمة اخرى، لا يحل مسألة التحرر الكامل للشعب، كما عرف ( لينين ) الديمقراطية في كتابه ( الدولة والثورة ) الديمقراطية هي : شكل للدولة، وهي احدى انواع الدول، كما يضيف لنين لتعريفه نقطتين جديدتين، اولا: ان الديمقراطية حكومة الاغلبية، ثانيا: انها ذلك التنظيم الذي يعبر عن التناقضات الملازمة للمجتمع... لكن هنا اية اغلبية ؟! انها طبقه او عدة طبقات قادرة على الحصول على الاغلبية بالسلطة...!
كما يؤكد ( لينين ) : " كلما كان نظام الحكم اكثر ديمقراطية، رأى العمال بوضوح اكبر ، ان بيت الداء يكمن في الراسمالية ، لا في فقدان الحقوق" فالفكر الماركسي يتعامل مع الديمقراطية من وجهتين: الاولى باعتبارها تحررا سياسيا مرتبطا مع صعود البرجوازية، ولم يكن هبة، بقدر ما كان طريقا معبدا بالدماء وبملايين الشهداء، هذا التحرر الذي لا يعتبر تحررا كاملا للشعب، هذه الوجهه تحيلنا للوجهة الثانية، والتي تعتبر الديمقراطية ميدان صراع سياسي يسمح بوضوح الرؤيا بشكل اكبر وجعل الصراع مكشوفا، فالديمقراطية واحدة من اهم ضرورات المضي قدما بالصراع الطبقي.
يفسر لنا هذا التصور واحدا من اهم اسباب النظره السلبية للديمقراطية في المرحلة الاولى لصعود البرجوازية من قبل منظريها الايدولوجيين كونها ستسمح للطبقات الاخرى ، وطبقة العمال على وجه التحديد، من هذا الفضاء الواسع من الحرية والمساواة السياسية لتحقيق مصالحها، لذا فان البرجوازية تبنت المصطلح بمحتواه الجديد، البرجوازي.
اي انه بعد ان انتهت مهام الثورة البرجوازية وتمكنها من بناء الدولة بما يضمن ديمومة سيطرتها، تبنت الديمقراطية بمحتواها الجديد، فالديمقراطية ضمن هذا المحتوى هي وحدة نقيضين الاول الاطار القانوني لسيطرة الطبقة البرجوازية ، والثاني ميدان يتكشف فيه الصراع الطبقي بوضوح.. ويحل هذا الصراع بنفي المحتوى البرجوازي للديمقراطية واستبداله بمحتوى بروليتاري يضمن التقدم للامام للقضاء على كل اشكال الاستغلال، حيث يؤكد لينين مجدداً "الاشتراكية مستحيلة بدون الديمقراطية 1،لان البروليتاريا لا تستطيع انجاز الثورة الاشتراكية ، ما لم يجر اعدادها لذلك عن طريق النضال في سبيل الديمقراطية 2) لا يمكن للاشتراكية الظافرة ان ترسخ انتصارها، وان توصل البشرية الى زوال الدوله بدون انجاز وتحقيق الديمقراطية الكاملة.
فالاشتراكية التي ستساهم بتحرر الانسان من قيود العمل المأجور والاستغلال والبطالة وتثور قوى الانتاج لتشكيل علاقات انتاج جديدة وتقدمية ستضمن مساواة اقتصادية واجتماعية وسياسية. فالمحتوى الجديد للديمقراطية سيكون اشتراكيا، لان الاشتراكية هي المحتوى الحقيقي للديمقراطية الكاملة.

* وهي ثورة قام بها الفرنسي بابيف لبناء دولة للمتساوين ضد حكومة ديركتوار الفرنسية عام 1794 والتي سحقت بوحشية واعدم قائدها بابيف،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكري استاذ ستار
مراد مماتي ( 2010 / 12 / 13 - 14:58 )
نشكر الاستاذ ستار على هذا العرض المختصر والمفيد لموضوع اصبح يقلق الكثيرين، وراح البعض بسببه يسيء للشيوعية وكانها تعادي الديمقراطي، لقد سلط المقال على بساطته وسلاسته وقصره الضوء على العلاقه بين الديمقراطية والصراع الطبقي، والتي يريد تزيفها من يريد اخفاء المحتوى الطبقي للديمقراطية
كما ندعو الكاتب لتناول مواضيع اخرى اكثر حيوية وتمس واقع الحركة الشيوعية والفكر الماركسي في ازمتهما الحالية المريرة


2 - الديمقراطيه
فؤاد محمد ( 2010 / 12 / 17 - 20:12 )
تحية للرفيق ستار
شكرا على هذه المقاله الممتعه والجميله والمتنوعه
واقول لحضرتكم وللاستاذ مراد ان الاحزاب الشيوعيه كانت وما تزال ضد الديمقراطيه
منذ لينين ولحد الان لانها لم تستطيع ان تتخلص من الارث البيروقراطي
لماذا لا نواجه الحقيقه يا رفاق

اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم