الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة الثماني لا شيء جديد على الجبهة الغربية

عمار بكداش

2010 / 12 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


كما هو منتظر لم يصدر شيء ملموس عن قمة الثماني الكبار (G-8)، أي شيء ملموس لمعالجة عواقب الأزمة الاقتصادية الدورية التي عصفت وتعصف باقتصادات هذه الدول كما في اقتصادات دول العالم التابعة لها، مخلفة زيادة البؤس وانهيار الآمال بأي تحسن ممكن في ظل النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم. نعم .. إن الدول الثماني ــ الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا العظمى، اليابان، كندا، روسيا (؟)، وإيطاليا مضيفة هذه القمة في مدينة أكويلا، هي تجسيد ومحرك للنظام العالمي القائم في العالم، والذي مهما تعددت مسمياته إلا أن الوصف اللينيني له يبقى هو الأدق وهو الإمبريالية المعاصرة أي الرأسمالية في طور التعفن.
نعم .. إن هذا النظام يتعفن ومصاب بداء لا علاج له إلا بالجراحة الجذرية. فكل العلاج الموضعي ــ الليبرالية المطلقة في الأمس القريب، وحالياً العودة إلى أساليب رأسمالية الدولة في مراكز كان يخيل أنها ثبتت على الليبرالية وإلى الأبد. لم تنفع في شفاء المرض العضال. هذا الشيء الذي من الصعب على زعماء الدول المجتمعة أن يعترفوا به، كونهم يمثلون مصالح طبقية محددة، أي مصالح الطغم الاحتكارية التي يتحدد شرط بقائها مسيطرة بالبؤس والإملاق والبطالة وجوع أغلبية سكان المعمورة.
ومن الطبيعي أن لا يجري البحث في مثل هذه القمم لأصل الداء، فالمجتمعون غير قادرين، وغير راغبين في ذلك، بل جرى البحث في كيفية معالجة بعض المظاهر الناتجة عن تطور هذا النظام الرأسمالي المتوحش. فقد جرى التركيز على مسألة تلوث البيئة وحتى في هذا المجال الذي يهدد البشرية ككل كان واضحاً تفوق عوامل المنافسة الرأسمالية.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترفض سابقاً وبشكل مطلق بحث أي شيء يتعلق بتخفيض عوامل تلوث البيئة الناتج عن المنشآت الأمريكية، ولهذا السبب فهي رفضت في عهد إدارة بوش الصغير التوقيع على اتفاقية كيوتو للحد من التلوث البيئي، وافقت الآن على طرح هذه المسألة للبحث. ولكنها ربطت هذه المسألة بعوامل التلوث الناتجة عن التطور الاقتصادي لدول مثل الصين والهند، أي أنها طالبت عملياً بكبح تطور هذه الدول التي تخشى أن تشكل منافساً جدياً لسيطرة احتكاراتها على العالم.
فإذن .. حتى تحت يافطة هذه المسألة الإنسانية طرحت مسألة مستقبل الصراع بين الأقطاب الرأسمالية المهيمنة والأقطاب الرأسمالية الصاعدة. وعلى كل الأحوال أُجِّل الحل النهائي لهذه القضية لغاية العام /2050/، وانتظري يا بشرية.
وما كان ممكن لهذه «قمة أسماك القرش الإمبرياليين» أن تتجاهل مسألة الجوع الذي يجتاح العالم والمتفاقم يوماً بعد يوم في الدول الفقيرة التابعة، نتيجة تفاقم الأزمة الدورية الاقتصادية. لذلك قرر زعماء الدول الإمبريالية فرز مبلغ /20/ مليار دولار من أجل تطوير إنتاج الغذاء في الدول الفقيرة. إنه فعلاً لكرم حاتمي خاصة إذا قورن بالتريليونات من الدولارات التي رصدتها وصرفتها فعلاً حكومات الدول الرأسمالية الكبرى من أجل إنقاذ احتكاراتها المتعثرة. نعم .. إنقاذ حفنة من سادة النظام يستحق صرف آلاف المليارات من الدولارات، أما المليارات من الفقراء والبؤساء والجائعين في العالم، فهؤلاء لا يستحقون أكثر من /20/ مليار كصدقة من أجل إسكاتهم.
هذه هي نتائج قمة الثماني وهنا يصح القول أن الجبل تمخض فأراً ولا يمكن أن يكون الحال إلا كما هو عليه.
ويلحظ المحللون أن زعماء الدول الإمبريالية المجتمعة حرصوا أن يطمسوا خلافاتهم ولا يظهروها للعلن وذلك حفاظاً على التضامن الإمبريالي. فالمصالح الطبقية فوق كل اعتبار ويجب القول إن هؤلاء المجتمعون يتمتعون بوعي طبقي عال. وهذا الشيء من المحبذ أن يكون نموذجاً لبعض ممثلي اليسار الغارقين لما فوق رؤوسهم في مستنقع مفاهيم القيم الإنسانية المشتركة التي لا مكان لها في هذا العالم، عالم الاستقطاب الطبقي. فقط مشكلة خلافية واحدة ظهرت للعيان، وهي الموقف من إيران. فقد أصر بعض المغالين الذين مثلهم بامتياز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يتبجح بولائه للصهيونية وربما عوامل نشأته تلعب دوراً أساسياً في ذلك، أن يتضمن البيان الصادر عن القمة إدانة لعواقب الانتخابات الرئاسية في إيران. وتصدى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لذلك، بحجة أن ما جرى في إيران هو شأن داخلي لا يجوز للدول الأخرى التدخل به بشكل سافر.
وبعد الوساطات من قبل الرئيس الأمريكي أوباما والإيطالي برلسكوني جرى الاتفاق على إدانة تصريحات الرئيس أحمدي نجاد التي ينكر فيها حدوث الهولوكوست (الإبادة الجماعية لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية). نعم .. إن زعماء الدول الثماني يهتمون بالتاريخ إذا كانت المسألة التاريخية المطروحة مرتبطة مباشرة بتبرير العربدة الصهيونية الحالية. علماً أنه من المعروف للجميع أن الرئيس نجاد لم ينكر في تصريحاته اضطهاد اليهود في أوروبا ولكنه أشار إلى أن وزر هذا الاضطهاد يجب أن يتحمله الأوروبيون الذين ارتكبوه وليس العرب الذين احتووا اليهود أثناء اضطهادهم في الغرب وخاصة في القرون الوسطى. كما أشار الرئيس نجاد أن اضطهاد اليهود في السابق لا يمكن أن يكون تبريراً للمجازر والفظاعات التي ترتكبها إسرائيل الصهيونية.
ولم ينبع الاعتراض الروسي على تطرف غلاة الصهيونية، عن كون الرئيس دميتري ميدفيديف ونظامه نصير ثابت لحركات التحرر الوطني، بل هناك مصالح جيو ــ ستراتيجية روسية كبيرة جداً في حوض القزوين عموماً ومع إيران تحديداً. والأوساط الحاكمة في روسيا غير مستعدة أن تتخلى عن هذه المصالح الحيوية كرمى لعيون ساركوزي أو ابتسامات أوباما. إذ ما زالت مسألة السيطرة على محيط بحر قزوين تشكل أحد المحاور الأساسية من الصراع الما بين الإمبريالي، بل في المرحلة الراهنة هو محور أساسي في هذا الصراع.
وفي المرحلة الثانية من قمة الثماني انضم إليهم ممثلو مجموعة الخمسة (الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجمهورية أفريقيا الجنوبية) مطالبين بمكانهم تحت الشمس.
وطبعاً في ظل الأنظمة السائدة في تلك الدول هذه المطالبة تعني بالدرجة الأولى مزيداً من المجال لنشاط برجوازية تلك البلدان. ومن الملفت للنظر أن الرئيس الصيني خوجين تاو لم يحضر أعمال هذه القمة بل هو عاد أدراجه سريعاً إلى بلده لمعالجة الأوضاع المضطربة في إقليم سنزيان ذات الاستقلال الذاتي. ومثل هذه الأحداث كانت ستحدث أولاً أو آخراً. فالتطور الرأسمالي يقع في تناقض تناحري مع مفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة بين القوميات. وقد شاهدنا مثل هذه الاضطرابات في الاتحاد السوفييتي أثناء التحولات الرأسمالية وكذلك في يوغسلافيا (السابقين للأسف). إذ أن الاستقطاب الطبقي يجد أحد منافذه في تفاقم كل المشكلات بما فيها التناقضات القومية. ففي ظل النظام الاشتراكي المبني على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج وهي الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين لم نشهد مثل هذه الصدامات، كانت لاشك هناك بعض النعرات، ولكن الوضع الاجتماعي العام في البلاد كان كفيل بتهدئتها وإخمادها. ولكن إلى جانب هذه التحولات الداخلية لابد من النظر إلى التآمر الإمبريالي بشكل جدي. فما حدث في سنزيان ليس بعيداً عن الطموح الستراتيجي للإمبريالية الأمريكية في السيطرة على منطقة محيط بحر قزوين، وكذلك المساعي الأمريكية المستمرة في إضعاف الصين بما فيها زعزعة وضعها الداخلي. ويجب أن لا يغيب عن النظر أن قادة وملهمي الحركة القومية الأويغورية موجودون في أمريكا ويتلقون دعماً متنوعاً من الأوساط الحكومية الأمريكية ومن المنظمات الصهيونية.
وخلاصة الكلام .. أن قمة الثماني بالرغم من كل الابتسامات المصطنعة للمشاركين فيها والعناق الحار بين بعضهم، لم تخفِ تفاقم التناقضات فيما بينهم، نعم .. هم متفقون على نهب الشعوب ولكنهم مختلفون على تقاسم الحصص. من هذا النهب.
لم تكن ولن تكون عندنا أوهام أن تنتج مثل هذه القمم أي خير للشعوب.
الشعوب ستنال الخير بيدها من خلال نضالها ضد القطب الإمبريالي. وهناك مهام كثيرة وكبيرة في هذا المجال لبناء وتوطيد الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية، وخاصة أن كل الدلائل تشير إلى زيادة احتدام الصراع الطبقي على النطاق العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نريد قمة ثماني سورية
يوسف الجزاروي ( 2010 / 12 / 13 - 18:21 )
السيد عمار بكداش
على اعتبار انكم مثلما تدعون انكم طليعة الطبقة العاملة ، والخط الاول للدفاع عن العمال والفلاحين والكادحين ، لذلك يرجى منكم عقد مؤتمر ثمان سوري الغاية منه دراسة مشكلة الجفاف والتصحر في الجزيرة السورية واجبار الحكومة السورية على وضع حلول عملية لهذه المشكلة ، على اعتبار انكم في قيادة الجبهة الوطنية التقدمية ، ومن المعروف ان الجبهة الوطنية التقدمية هي اعلى هيئة سياسية في البلاد ، ونريد منكم على اعتبار انكم المدافعين عن الفقراء الذهاب الى مخيمات النازحين من الجزيرة المتواجدين حول دمشق ، برأينا المتواضع هذا اهم بكثير من مقالاتك عن قمة الثماني ، وعليكم الاهتمام بالفقر الذي يجتاح سورية طولا وعرضا

اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة