الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسس الأيديولوجية و السياسية للسياسة التعليمية الطبقية بالمغرب

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2004 / 9 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


1 ـ السياسة التعليمية في ظل الإستعمار المباشر :

لقد شغلت قضية التعليم بالمغرب اهتمام الفاعلين السياسيين و النقابيين و الحقوقيين و المثقفين و الأكاديميين و الأطر التربوية و أولياء و آباء التلاميذ و الطلبة و عموم الجماهير الشعبية ، و ذلك منذ فجر استقلال الشكلي نظرا لما أقدم عليه المستعمر من اهتمام ملحوظ إلى هذا القطاع الحيوي الذي له دور هام في تطور التكوينات الاجتماعية عبر العصور ، و سعى المستعمر بكل ما يملك من ترسانة أيديولوجية و عسكرية و بشرية إلى :
ـ وضع سياسة تعليمية تهدف إلى إعادة هيكلة التعليم التقليدي من أجل أن يصبح في خدمة استراتيجيته الامبريالية التي تستهدف إخضاع الشعب المغربي ، و نشر ثقافته خدمة لمشروعه الإستعماري الذي يسعى إلى السيطرة على الثروات الطبيعية و إخضاع القوى البشرية .
و هكذا عمل على نشر أنماط أخرى من التعليم الحديثة من بينها :
، المدارس الإسرائيلية .
ـ المدارس العربية الفرنسية .
ـ المدارس الفرنسية الأمازيغية .
و يهدف من خلال هذه السياسة إلى خلق تمايز اجتماعي و طبقي يستمد أسسه الأيديولوجية من متغيرات سوسيوـ ثقافية ترتكز إلى : الدين ، اللغة ، الأنتماء الإثني ، الطبقة الإجتماعية ، المجال الجغرافي .
و هكذا يتم اعتماد الأسس المادية و الروحية من أجل اختراق جميع بنيات المجتمع و هياكله الإجتماعية ، و العمل على تحويل هذا الإختراق إلى واقع مقبول لدى الطبقات الشعبية باعتباره من المهام الحضارية للدولة الفرنسية المتقدمة و ذات التاريخ العريق و الممارسة الديمقراطية ، و هي تقوم بهذه المهة التاريخية في مجتمع متخلف تسعى إلى تطويره .
و كان رد فعل " الحركة الوطنية " مقاومة هذا المخطط الإستعماري و ذلك بتأسيس مؤسسات التعليم العربي الحر الذي يحمل في برامجه البعد الوطني و القومي من أجل مقاومة سياسة المستعمر و تحرير البلاد .

2 ـ السياسة التعليمية في ظل الإستقلال الشكلي :

يعتبر ميدان التعليم من بين مواقع الصراع بين " الحركة الوطنية " و النظام المخزني المغربي بعدما قامت الدولة المخزنية بإعادة هياكلها و أجهزتها الأيديولوجية و السياسية و الإدارية و العسكرية بعد الاستقلال الشكلي ، في محاولة لتأهيل نفسها للعب الدور المنوط بها في حامية مصالح الإستعمار خدمة للرأسمال المركزي و الامبريالية و الصهيونية، و عملت على تعميق الطابع المخزني للدول الذي يتسم بالمركزية البيرقراطية و مراقبة المجتمع للتحكم في اتجاهاته و ضبط تطوره ، حيث يتم اعتبار قطاع التعليم من بين الآليات الأساسية و الحاسمة في ضبط حركة المجتمع المغربي .
و منذ فجر الإستقلال الشكلي تم التواقف مع " الحركة الوطنية " حول المباديء و الأهداف الأساسية للسياسة التعليمية و التي ترتكز إلى :
ـ التعريب ـ التوحيد ـ التعميم ـ مغربة الأطر .
إلا أن التواقف الذي تم بين " الحركة الوطنية " و الدولة المخزنية المغربية ظل حبيس البروتوكولات و الاتفاقيات كباقي التوافقات التي حصلت بينهما ، و استمر الصراع بينها لمدة طويلة و تلعب فيه موازين القوى الإجتماعية و السياسية دورا حاما و الذي يكون دائما في صالح الدولة المخزنية ، و التي تعمل على سن سياسة تعليمية طبقية ينعدم فيها تكافؤ الفرص في مجالات التثقيف و التكوين و المعرفة ناهيك عن الارتقاء الاجتماعي .
من هنا يمكن تسجيل البعد التاريخي للصراع حول قضية التربية و التعليم الذي ما زال مستمرا إلى يومنا هذا ، و النقاش الدائر اليوم في أوساط جميع المهتمين بهذا المجال الحيوي سيبقى مستمرا ما دامت تحكمه الأهداف الأيديولوجية و السياسية للطبقات السائدة التي تعتبر قطاع التعليم مجالا للضبط الاجتماعي ، حيث يعمل النطام المخزني على استثمار القوى البشري و المؤسسات الوطنية لبسط سلطاتها المادية و الروحية على الجماهير الشعبية ، وهكذا يتم تحويل المخططات التعليمية و التربوية في ظل السياسة المخزنية الطبقية من آلية الارتقاء الاجتماعي إلى آلية من آليات التحكم في المجتمع و ضبط حركيته .
و تعمل الدولة المخزنية على إقصاء الطبقات الاجتماعية الفقيرة و ذات الدخل المحدود من الحق في التعليم و المعرفة و الارتقاء الاجتماعي ، كما تعمل على التمييز بين المدن الكبرى التي تتمركز فيها المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها و مستوياتها و المدن الصغرى و البوادي ، حيث يتم تحويل المدن الكبرى إلى مراكز ثقافية رسمية عكس المدن الصغرى التي تنعدم فيها المدارس العليا و الجامعات بينما البوادي محرومة من التجهيزات الأساسية التي غالبا ما تكون عبارة عن بعض البنايات المدرسية المتناثرة هنا و هناك و بشكل عشوائي .
و في ظل سياسة تعليمية طبقية هذه و التي لا تراعي الخصوصيات السوسيوـ ثقافية تبقى المدرسة مجالا لممارسة العنف السيكولوجي على أطفال البوادي ، الذين يتعلمون بغير لغتهم و يتلقون ثقافة غير ثقافتهم ، و ذلك بنشر ثقافة غريبة عن محيطهم الاجتماعي و الجغرافي وفق بيداغوجيا ذات منطلقات اجتماعية و ثقافية مخالف لمجالهم ، مما يحول المدرسة إلى كائن غريب عنهم لا يقوم بالدور المنوط به بقدر ما يكون عرقلة للإرتقاء الاجتماعي .

3 ـ واقع التعليم اليوم بالمغرب :

نتيجة للسياسات المتبعة في هذا القطاع الحيوي منذ فجر الاستقلال الشكلي يعرف التعليم بالمغرب باعتباره مجالا استراتيجيا أزمة خانقة ، نظرا للتحولات العميقة و غير الطبيعية التي يعرفها منذ الشروع في تطبيق سياسات التقويم الهيكلي في بداية الثمانينات من القرن 20 استجابة إلى تعليمات المؤسسات المالية الدولية و التي ترتكز إلى :
ـ عدم أخذ بعين الاعتبار وجود الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا يملك رغبات و حاجيات و طموحات تتطور حسب المستوى الحضاري و الثقافي محليا و جهويا و دوليا .
ـ أخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية كأولويات في إطار معالجة و ضبط توازنات مالية الدولة التي تشوبها الاختلالات نتيجة الفساد الاداري ، و ذلك على حساب بناء المرافق الاجتماعية الحيوية و ضمنها قطاع التعليم و التربية باعتباره من الركائز الاساسية لتطور المجتمعات البشرية .
ـ تجاهل دور المجتمع المدني و رجال التعليم و التربية عند وضع أسس السياسة التعليمية و صياغة البرامج .
و يفتقد النظام التعليمي و التربوي بالمغرب للمصداقية لكونه يفتقد ثقة الجماهير الشعبية نظرا لجوهره الطبقي و اللاديمقراطي نتيجة اعتماد المنطلقات الفكرية و الأسس الاجتماعية للسياسة التعليمية على ما يلي :
ـ تعتمد مرجعية السياسة التعليمية بالمغرب على الرؤية الطبقية التي تعتبر التعليم العمومي قطاعا يثقل كاهل ميزانية الدولة بدون مقابل مادي ملموس ، الشيء الذي تنتج عنه تخرج الشباب بأعداد غفيرة تلتحق بجماهير المعطلين .
ـ اعتماد سياسة الخوصصة لتصفية القطاعات العمومية و تفويت المؤسسات المالية و الإنتاجية للرأسمال المركزي و وكلائه ، و يتم اليوم استهداف قطاع التعليم بالخوصصته و خاصة السلك العالي منه ، الذي تربطه علاقة مباشرة بطلبات سوق الشغل التي يفرضها نظام السوق للتحكم في ولوجه و في إحداث مناصب الشغل و ضمان التشغيل للطبقات البورجوازية .
و هكذا تتعاقب الإصلاحات بتعاقب الحكومات و توصيات المؤسسات المالية الدولية الشيء الذي يحول قطاع التعليم إلى حقل للتجارب من طرف هذه الحكومة أو تلك ، مما يجعل الجماهير تفقد الثقة في المؤسسات التعليمية التي تبقى مجالا لتخرج المعطلين ذوي الشهادات الذين ينتمون إلى الطبقات الشعبية .
و لعل الحركات الاحتجاجات خلال سنوات 1965 و 1981 و 1984 و 1990 خير تعبير على فشل السياسة التعليمية الطبقية بالمغرب ، و افتقادها للمصداقية لدى الجماهير الشعبية حيث يعتبر الشباب المتعلم المحرك الأساسي لهذه الحركات الاحتجاجية ، و نتج عن هذا التعارض بين الرؤية الطبقية البيروقراطية و طموحات الشعب المغربي اجترار لتاريخ طويل من الإصلاحات الفوقية التي تحكمها النظرة الإقصائية البيروقراطية و التيكنوقراطية من خلال ما يلـــي :
ـ إقصاء مكشوف للأحزاب التقدمية و النقابات و الجمعيات الحقوقية و النسائية و المثقفون و الأكاديميون و الأطر التربوية و آباء و أوليات التلاميذ و التلاميذ و الطلبة ... الذين يتم ابعادهم عند اتخاد القرارات المتبعة في السياسية التعليمية .
ـ العمل على تعميق الطبيعة الطبقية للسياسة التعليمية خاصة في ظل هجوم العولمة الليبرالية المتوحشة التي تفرض نظام السوق في جميع المجالات .
ـ الترويج لخطاب مزيف يسعى إلى إلغاء مجانية التعليم التي لم تكن موجودة في إي وقت مضى ، تحت ذريعة أن التعليم العمومي يكلف ميزانية الدولة دون مردودية مادية ملموسة ، حيث يتم إعتباره من بين الاعباء المادية و البشرية الزائدة ، تنفيذا للسياسات الليبرالية التبعية التي تنص على اعتماد الخوصصة في التوجهات العامة للبرامج الاقتصادية و الاجتماعية التي تستهدف إلغاء مجانية التعليم .
ـ ترويج ادعاءات كاذبة حول " المجانية " تفيد أنها لا تؤدي إلى تكافؤ الفرص في التعليم حيث أن الطبقات الاجتماعية المستفيدة هي الطبقة البورجوازية ، غافلين بذلك البعد الطبقي في توزيع الثروات حيث يتم تفقير الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية و اغتناء فئة قليلة على حساب عرق جبين الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين .
إن واضعي السياسة التعليمية الطبقية بالمغرب و هم بطبيعة الحال تيكنوقراطيون بيروقراطيون يعرفون جيدا دور قطاع التعليم و التربية في التنمية في المجتمعات البشرية ، و ذلك لما يلعبه من دور فعال في تنمية القوى البشرية الكفيلة بأي تقدم اقتصادي و اجتماعي و سياسي و ثقافي ، كما أنهم لا يجهلون ما يتطلبه تعليم طفل واحد منذ التحاقه بالمدرسة دون احتساب سنوات ما قبل التمدرس إلى أن ينهي تعليمه الجامعي ليلقى يوما نفسه بين جحافل المعطليين ، مع العلم أن الشغل القار كمكتسب تاريخي حققته الطبقة العاملة عبر نضالاتها التاريخية يتم ضربه بعد سن قوانين مدونة الشغل الرجعية بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية و الشركات المتعددة الإستيطان.
إلى جانب المجانية التي لم تتحقق أبدا في يوم من الأيام كما هو الشأن في الأنظمة الديمقراطية البورجوازية بالغرب ، و التي توفر للأسر دعما ماديا مهما في بداية كل دخول مدرسي يستجيب لمتطلباتها لتعليم أبنائها ، تشكل مسألة التعريب في توافق " الحركة الوطنية" مع الدولة المخزنية منذ فجر الاستقلال الشكلي خيارا استراتيجيا بعد مبدأ المجانية ، إلا أنه تم بشكل عشوائي وفق شروط عدم تكافؤ موازين القوى تراعي مصالح الطبقية البورجوازية لضرب أي استقرار لقطاع التعليم في المجتمع و تتجاهل التعددية الثقافية ،.
و الوقوف على واقع التعليم العالي في بداية التسعينات يوضح كارثية هذه السياسة الطبقية حيث أن حاملي الباكلوريا المعربة في الشعب العلمية لم يستطيعوا متابعة دراستهم الجامعية بكليات العلوم ، مما دفعهم إلى التوجه إلى كليات الآداب و العلوم الإنسانية و خاصة نحو كليات العلوم الاقتصادية و الحقوق .
إن العشوائية التي تحكم عمل مصممي السياسة التعليمية الطبقية تجعلهم لا يفرقون بين ترجمة التعليم إلى العربية و تعريب البرامج ، و هم تدافعون عن فشل هذه السياسة بذرائع لا أساس لها من الصحة و هم غير قادرين على الاعتراف بأخطائهم التاريخية القاتلة التي يؤدي ثمنها أبناء الطبقات الشعبية الكادحة و هكذا يدافعون :
ـ عن تأثير التحولات الدولية و الجهوية في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة .
ـ عن تأثير بعض اللغات العالمية ( الإنجليزية ، الفرنسية ، الإسبانية ) على الثقافات المحلية .
ـ تأثير التقدم التيكنولوجي في مجال الإعلامي و دوره في نشر ثقافات الدول المتقدمة و اختراقها للثقافات المحلية .
إن السياسة التعليمية الطبقية بالمغرب قد فرضت تعريب التعليم خارج تخطيط محكم و تصور هادف يأخذ بعين الاعتبار الاختيارات الاقتصادية و السياسية و الثقافية بارتباطها بالواقع الاجتماعي و السوسيوثقافي للشعب المغربي ، الذي يفرض أخذ بعين الاعتبار التعددية الثقافية و تناقضاتها و تفاعلاتها محليا و جهويا و دوليا .
و كان للمشروع الإصلاحي الذي يسمى " المسالك المزدوجة و الدولية " مخرجا يدعي واضعوا السياسة التعليمية الطبقية أنه الحل للخروج من مأزق " تعريب التعليم " ، و الذي تمت صياغته بشكل بيروقراطي ككل المشاريع و التي ترتكز إلى :
ـ منح الأولوية لما يسمى " ترشيد الموارد المالية و التقنية " على حساب الموارد البشرية التي تعتبر العنصر الأساسي في التنمية .
ـ إعتماد المرجعية التبعية لتقارير المؤسسات المالية الدولية بدل اعتماد مطالب مكونات المجتمع المدني و طموحات الشعب المغربي .
ـ تجاهل مطالب الشعب المغربي في بناء مدرسة وطنية ديمقراطية شعبية التي تتوفر فيها أسس تكافؤ الفرص التعليمية و التربوية و الإرتقاء الاجتماعي .
و يتم اليوم تطبيق مخطط ما يسمى ب " الميثاق الوطني للتربية و التكوين " الذي يندرج بدوره ضمن إطار السياسة التعليمية الطبقية ، التي تستجيب مضامينها لتوصيات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و منظمة التجارة العالمية و الشركات المتعددة الاستيطان ، و سنحاول دراسة مضامين هذا " الميثاق " في موضوع خاص نظرا لأهميته في المرحلة الراهنة .

امال الحسيــن تارودانت في : 20 شتنبر 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موازين | حضارة الغرب.. أفول أم كبوة؟


.. أهالي المحتجزين الإسرائيليين يلاحقون رئيس لجنة الخارجية والأ




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة سقوط مقذوفات في الجليل


.. ترمب يحرض على ضرب المنشآت النووية الإيرانية




.. سيناريوهات عدة ترجح أن الاختراق الإسرائيلي قد تم عبر قائد في