الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... ولنا مقام الاحتجاج والأمل !

رضا الظاهر

2010 / 12 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تأملات

... ولنا مقام الاحتجاج والأمل !

كأن هذه البلاد تصيح، مثل جهنم، هل من مزيد، إذ لا يكفيها ما عندها من مصائب قلّ نظيرها. وكأن ساعين الى تأبيد ثقافة التخلف، حفاظاً على امتيازاتهم، يريدون إسكات أصوات الناس، وتحويلهم الى كائنات خانعة للواقع المرير وقواه المهيمنة، حتى لا تقلِق هذه الأصوات، إذا ما قيض لها أن ترتفع عادلة، النوم الرغد لأهل المغانم.
لكن يتوهم من يظن أن معركة النور والظلام في بلادنا يمكن أن تصل الى نهايتها قريباً. فهذا الصراع سيظل محتدماً بين ثقافة تخلف وثقافة تقدم.
ومعلوم أن ولادة الجديد عملية عسيرة ومعقدة ومتناقضة تتم في ظل تشبث القديم، العميق الجذور، بمواقعه ووجوده، وتوق الجديد الى أن يمد جذوره الفتية. وهذا هو، على وجه التحديد، ما نشهده في الصراع الذي يتجلى، من بين صور وصيغ لا تحصى، في المعركة الدائرة ضد اتحاد الأدباء والكتاب وضد الفن ومبدعيه، وهو، بالطبع، جزء من الصراع الاجتماعي.
غير أنه يتعين علينا، في هذا السياق، أن لا ننسى، من بين حقائق أخرى، حقيقة أن القديم لن يتلاشى بالسهولة ذاتها التي يذوب بها الثلج في الربيع.
وأياً كانت الاجراءات ضد اتحاد الأدباء والكتاب، وهو من المناصرين للعملية السياسية، فانها انتهاك للدستور، وتأتي ضمن حملة ضد الفكر التقدمي، في سياق منهجية تبغي ايجاد تطبيقاتها في الحياة لمنع فكر التنوير، وهذا هو جوهر المسألة.
ولا ريب أن خطوة مجلس محافظة بغداد باتجاه تشكيل اتحاد أدباء بغداد تفضح الغرض منها، إذ جاءت كرد فعل على قيام اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، ومتضامنين كثر معه، بالاحتجاج على غلق ناديه الاجتماعي وتقييد الحريات الشخصية.
ومن الطبيعي القول إن من حق أية جهة أو مجموعة أن تشكل منظمة أو اتحاداً على نحو يعزز التنوع المهني والابداعي، شريطة أن لا يكون هذا التشكيل نموذجاً لسلطة "سياسية" مفروضة على الثقافة وممارسة لاقصاء ومحاربة "آخرين".
أما القائمون على محاصرة طالبات المسرح في معهد الفنون الجميلة واختزال الموسيقى الى مجرد درس للتربية الفنية فيريدون منا أن نتبرأ من شقائق الرجال لأنهن يتجرأن على الصعود على خشبة المسرح أو يعزفن الأنغام الشجية مع زملاء لهن. والبعض في وزارة التربية يريدون منا أن نتبرأ من إنانا السومرية، وزنوبيا التدمرية، وسمية أم عمار بن ياسر، والخنساء التي كان الرسول الكريم يحفزها على قول الشعر، ورابعة العدوية وولادة بنت المستكفي وبياتريس أوهانسيان وزهاء حديد ... وطالبات المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة .. بل لعلهم يريدوننا أن نتبرأ من الفارابي، الفيلسوف والموسيقي .. وقائمة اللواتي والذين علينا أن نتبرأ منهم، حتى "نغسل عارنا"، تطول وتطول، ذلك أنها تضم أسمى بنات وأبناء العراق قديمه وحديثه.
لم يبقَ، إذن، سوى المسرح الذي يجب أن نحرق خشبته إذا ما صعدت اليها طالبة من معهد الفنون الجميلة برفقة زميلها، أو إذا ما عزفت طالبة من المعهد برفقة زميل لها كونشرتو البيانو والكمان، أو مقام حزن على ما آل اليه عراق النور.
لقد شهد الصراع الاجتماعي في عراقنا الحديث مراحل وتحولات وتجليات كان أفظعها ما جرى في عهد الدكتاتورية الفاشية حيث ألغيت كل ثقافة سوى ثقافة النظام الذي شوه الشخصية والحياة العراقية وعمم الدمار الروحي. واليوم نواجه مرحلة غير محسومة سيظل فيها الصراع مديداً، وسيتخذ أشكالاً جديدة ومتنوعة، نشهد بعضها اليوم في اقتحام اتحاد الأدباء وانتهاك معهد الفنون الجميلة، وقبلها منع الغناء والموسيقى والسيرك وفرض الحجاب وحظر الاختلاط وسوى ذلك من نتائج ذهنية التحريم ... في سياق هجمة ظلامية لاشاعة طالبان عراقية !
* * *
لابد أن طواف النساء والرجال سوية حول الكعبة يقلق بعض "الأصوليين" في وزارة التربية ومحافظة بغداد .. ولابد أن "إسلاميي" زماننا كانوا سيحرمون الاختلاط في الوضوء أيضاً، حيث كان الرجال والنساء في زمان رسول الله يتوضأون جميعاً، أي مختلطين.
أممنوع عليكن أيتها الموسيقيات أن تعزفن مقام الحزن ؟ إعزفن، إذن، الكونشرتو الأخير مرثيةً لبياتريس أوهانسيان .. أممنوع عليكن أن تصعدن مع زملاء لكن الى خشبة المسرح أيتها الممثلات ؟ أطلقن، إذن، صرخات الحزن الأخيرة لنساء لوركا، والأصوات الغاضبة لنساء إبسن.
انتفضن على التخلف، وألحقن، ومتضامنين كثر معكن، الهزيمة به. ولترتفع أصوات الغضب، ولتصدح أناشيد التحدي على مسرح العراق وموسيقاه وسط رايات تخفق في موج من المحتجين الساخطين.
ما من قوة بوسعها، مهما كانت غاشمة، أن تمنع الشمس من أن تشرق. ونحن بنات وأبناء النور نعلم هذا علم اليقين، مثلما نعلم أن في كل شدة فرجاً، وأن في كل يوم غداً جديداً، وأن في كل مسير مثالاً يلهم المقتحمين الآفاق صوب العراق الجميل الذي ننشد.
لن يقوى ظلاميون على كسر بيانو بياتريس أوهانسيان، وستظل عازفة البيانو العراقية تسمعنا لحن اقتحام السماء.
لهم ظلامهم وما يبغون، ولنا مقام الاحتجاج والأمل !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر