الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة في بريطانيا غير شرعية، لانها لم تف بوعودها الانتخابية! فماذا نطلق على السلطات في العراق؟

مؤيد احمد
(Muayad Ahmed)

2010 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يجري الصراع السياسي الطبقي عادة في بريطانيا، مهد الديمقراطية البرجوازية، بصفاء كامل، وهذا جلي اكثر في ظروف عالمنا المعاصر والازمة العالمية لراس المال.
بالرغم من بقاء الحكم الملكي في الظل وكشئ صوري، فان النظام السياسي البرجوازي الحاكم في بريطانيا نموذج واضح للغاية لسيادة وحكم الطبقة البرجوازية على المجتمع قاطبة. احد اركان هذه السيادة هي ان اساليب الحكم البرجوازي في هذه البلاد برجوازية ديمقراطية مليئة بالرياء والخداع ولكنها غيرمشوبة بتعقيدات وبقايا عدم تطورالاستقطاب الطبقي كما هي الحال في بلدان كثيرة في العالم.
لقد عبر عدد من ناشطي الحركة الطلابية الحالية في بريطانيا، من جامعة لندن، وفي مؤتمر صحفي بثته قناة الفضائية "سكاي نيوز"، يوم 10 ديسمبر 2010،عن فحوى تظاهرة الطلاب في لندن، التي جرت قبل ذلك المؤتمر الصحفي بيوم واحد، والتي شاركت فيها اكثر من 35 الف متظاهر من الطلاب والعمال واباء وامهات الطلاب.
ففي سياق حديثهم اكدوا، وهم محقين كل الحق في ذلك، على ان الحكومة الحالية المؤلفة من المحافظين والليبراليين- الديمقراطيين يفتقدون الى الشرعية بسسب نقضهم لبرامجهم الانتخابية وكذبهم على جمهور الناخبين. ما اريد ان اركز عليه في هذه المقالة هو مقارنة هذا التحريض والانتقاد السياسي بوقائع ما يجري في العراق. ولكن قبل ذلك، لاعرض بشكل مختصر تقيم هؤلاء الطلاب لتلك المظاهرة و طابعها الطبقي.
اكد هؤلاء الطلاب والطالبات، وعددهم خمسة، بطلاقة ممتازة، وثقة عالية، كيف ان هذه المظاهرات هي احتجاجات "الطلاب والعمال"، ومدعوم من قبل قسم من "النقابات العمالية" في بريطانيا، وكيف انها اعتراضات "الطلاب من عوائل العمال" والجمهور المحرومين وعامة الشعب بالاساس. اشاروا كيف ان قسما كبيرا من الذين تدفقوا على شوارع لندن يعيشون على دخل ضئيل، وكيف انهم تدفقوا لتلك الشوراع ليتصدوا لهجوم "اصحاب الملايين" من قادة الحزبين الحاكمين على "حياتهم" بـ "رفع الرسوم الدراسة الجامعية".
لقد وضحوا للمشاهدين كيف ان رفع اجور الدارسة والرسوم الدراسية الجامعية ليس الا سد الطريق على الطلاب من اوساط "الطبقة العاملة"، من العاملين وغيرالعاملين، في التمتع بالدراسة الجامعية. كما واكدوا كيف ان هذه الاجراءات تدمر "طابع" الدراسة "العام" و"الجماهيري"، وتحولها الى الدراسة للاقلية الممتازة، "الايليت"، وتسلب من هم من "عوائل الطبقة العاملة " حق التمتع بالدرسة الجامعية والعليا. لقد اشاروا الى ان المجتمع "مستقطبا طبقيا" الى درجة فائقة و"الهوة بين الغني والفقير" كبيرة جدا، واكدوا على ان هذه التدابير المناهضة للطلاب سوف تمد هذا الانقسام الطبقي وهذه "الهوة" الى ميدان "الدراسة والثقافة" والى المزيد من سلب حقوق الطلاب. وبكلمة لقد وضحوا بما فيه الكفاية جوهر ما يجري اي المحتوى الطبقي للحرب الدائرة بين الحكومة والطلاب .
انهم لم يكتفوا بهذا، اذ فضحوا دورالشرطة واساليبها القمعية ضد الطلاب، واستخفوا بتضخيم ما جرى لـ "ولي العهد"! البريطاني ذلك اليوم، اذ اكدوا بان ذلك شئ غير ذا اهمية مقارنة بما تعانيه اكثرية الطلاب. باختصار لم يبق شيئا مقدسا بالمفهوم البرجوازي، لم يهاجموا عليه، لا الشرطة ولا العرش الملكي البريطاني، لا الحكومة ولا البرلمان، ولم تبق ظاهرة في الحرب الدائرة بين الحكومة والطلاب لا يعيدونها وبطريقة مقنعة الى كونها متاثرة ومنعكسة للانقسام الطبقي والصراع الطبقي في المجتمع البريطاني.
واخيرا اكدوا بان ذلك مجرد بداية نضالهم وفي سياق الحديث كله و لعدد مرات اصروا على انتقادهم وتحريضهم السياسي ضد الحكومة الحالية : "الحكومة الحالية غير شرعية" لان الاحزاب المشكلة للحكومة "كذبت على جمهور الناخبين" اذ وعدت بانها لا ترفع الرسوم الدراسية ولكنها تقوم الان برفعها.
ماذا نطلق على
السلطات في العراق ؟
لنقارن هذا الجدل وهذا التحدي السياسي لشرعية الحكومة في بريطانيا، بسبب نقض الوعود البرلمانية، بـ "الديمقراطية" الاسلامية الطائفية والقومية في العراق الفاقدة لاية شرعية، على الاقل، بالمعنى الذي يؤكد عليه طلاب الجامعات هؤلاء .
قامت القوى الطائفية والقومية الحاكمة في العراق باجراء الانتخابات ليس على اساس البرامج الانتخابية، بالرغم من طرح صوري للبرامج الانتخابية، بل على اساس التقسيمات الطائفية والقومية والاثنية. ولذا، لايعرف احد اويتذكر من وعد بهذا الشئ او ذاك، ومن لم يعد بشئ؟، من نقض هذا الوعد او ذاك، ومن لم ينقض شيئا؟. يجب ان تكون من "تبعة" الاسلام السياسي الشيعي اوالسني اومن "تبعة" القوميين، عربي او كوردي او تركماني..الخ كي تكون منخرطا او مهتما بمسائل وقضايا الانتخابات الاسلامية والقومية في العراق.
دع جانبا التزويرات والخروقات الانتخابية في العرا ق، التي وحدها كافية لتجريد السلطات الحاكمة من اية شرعية، كما ودع جانبا العملية الانتخابية نفسها التي لم تكن غير عملية انتخاب القوى والاحزاب السياسية الاسلامية- الطائفية والقومية كل في منطقة نفوذها. فما ان اعطت الجماهير الصوت الى هذا وذاك من هذه القوى الطائفية والقومية، وما ان ظهرت الى السطح لائحة القوى الفائزة وغيرالفائزة في الانتخابات حتى بدات اللعبة الحقيقية البرلمانية الاسلامية- الطائفية والقومية في العراق: المحاصصة وحكومة الشراكة، وكلها اسماء لنفس التقسيمات الطائفية والقومية، كمقياس مقدس لتقسيم غنائم سلطة الدولة ومناطق النفوذ في خارطة الحياة السياسية في العراق. الحفاظ على هذا النظام المحصصاتي الاسلامي والقومي، وهذا النظام السياسي البرجوازي الرجعي وادامته، تطلبت اكثر من 9 اشهر كي يصل ببرلمان تلك القوى الى ان يقر على، وحسب مبدء المحاصصة، تكليف المالكي بتشكيل الحكومة وحسب مبدء المحاصصة كذلك. فهذه كلها تسلب الشرعية ليست فقط من الحكومة المقبلة والحالية بل من البرلمان نفسها والانتخابات في العراق لو طبقنا مبدء الطلاب البريطانيين.
القصة لاتنته هنا، ففي اجواء سيطرة قوى الاسلام السياسي والقوميين وميليشياتها وجرائم قوى الارهاب، ومع ترسيخ ادوات قمع الحكومة البرجوازية الاسلامية- الطائفية والقومية تدريجيا، بدأت السلطات بشن الهجمات المتزايدة على الحقوق والحريات المدنية والسياسية للعمال والشباب والطلاب. احدث تلك الهجمات هي قرار لجنة محافظة بغداد بغلق "قسم الموسيقى والمسرح" في معهد الفنون الجملية في بغداد. وقبل هذا الحدث تم شن الهجوم القروسطي لمنع محلات بيع الخمور والنوادي الترفيهية والهجوم الشرس الرجعي على كل من وقف بوجه هذه التطاولات من ضمنها "اتحاد الادباء" في العراق.
من ينتخب قوى يسد "قسم الموسيقى والمسرح" في الجامعات العراقية، ويسد ابواب الترفيه امام الناس، ينتخب قوى قاتلة لحياة المجتمع المعنوية وفرحه، كما وان الاحزاب والقوى السياسية التي ترتكب تلك الجريمة لا تقوم بنقض الوعود البرلمانية ولا تخرق فقرة من فقرات البرنامج السياسي وتخدع الجمهور الناخبين انما تدمر حياة المجتمع المعنوية والجمالية وتحول المجتمع الى جسد جامد خالي من الحياة والحيوية. من حق الطلاب البريطانيين احالة الحكومة هناك الى المحاكم بتهمة جريمة خداع جمهور الناخبين وكذلك من حق الجماهير في العراق احالة هؤلاء في مجلس محافظة بغداد الى المحاكم بتهمة ارتكاب جريمة قتل الجمال والفرح والفن في المجتمع.
وعلى نفس المنوال فمن يسلب حق التنظيم النقابي من العمال، كما تقوم به السلطات الحالية في العراق، يمارس الدكتاتورية بشكل فاضح. فهو لا ينقض بند من بنود اساليب الحكم البرجوازي الديمقراطي، انه يرتكب جريمة اي يمارس الدكتاتورية والفاشية. ومن يقوم باستعباد الجنس النسوي كما يجري حاليا في العراق لا ينقض وعدا ما انما يقوم بارتكاب جريمة استعباد نصف المجتمع،.. وهكذا تطول اللائحة في العراق الحالي.
الاسلام السياسي بكلا شقيه السني والشيعي لايستطيع ان يديم حياته بدون خنق حقوق الفرد المدنية والسياسية والثقافية، وحقوق النساء وحرياتها وقمع كل من يتصدى لاستعباد المراءة، وبدون خنق حق الشباب والشابات والطلاب والطالبات في التمتع بحياة مرفهة ومرحة، وبدون قمع حرية النقد والتحريض السياسي ومنع نقد الايديولوجيا في شكلها الديني. ليس هذا فقط بل لا يستطيع ان يديم حياته بالاساس اذا لم يقمع العمال ويخرق ابسط حقوقها وحرياتها ويقمع نضالها وحركتها الاشتراكية والشيوعية. تبحث تيارات الاسلام السياسي عن كسب "شرعية"! لحكمها على اساس الانتماء للدين والطائفة والمذهب وفرض ذلك الانتماء على كل المجتمع. وبالتالي فهي لا تعرف نفسها كتيار سياسي ملزم بحماية اسس المجتمع المدني وحرية الصراع السياسي و الطبقي فيه.
صحيح ان الاسلام السياسي تيار برجوزاي وحامي علاقة راس المال ولكنه يقوم بتحقيق هذه المهمة بالاستناد الى الاسلاميزم. السؤال المطروح هو لماذا اذن تتمسك البرجوازية العالمية والمحلية بهذه القوى؟ ببساطة لان تيارات الاسلام السياسي خليقة سياسية ذات طابع دكتاتوري بالاساس ولها مهمة سياسية معينة. انها خليقة الطبقة البرجوازية المتأزمة في بلدان العالم العربي وشرق الاوسط واداوت خدمة راس المال المالي العالمي لخنق الحركات العمالية والتقدمية في هذه البلدان.
ليس الاسلام السياسي "اهل" للحكم في المجتمعات الراسمالية التي تمر باوضاع عادية فكيف بنا ان نصفه كأهل للحكم بالشكل الديمقراطي البرجوازي، ام لا. ان الاسلام السياسي وفي طول تاريخه المعاصر لم يكن الا حركة سياسية رجعية في حواشي المجتمعات تنامى بسبب فشل القوى القومية العربية في تلبية تطلعات الجماهير واثر عدم قدرة الحركة الاشتراكية للطبقة العاملة من ان تكسب تقدما كبيرا في هذه المجتمعات.
اما فيما يخص القوميين العرب و الاكراد والتركمان و غيرهم: تقديس العرش القومي، نشر خرافات التعصب القومي، غرز فكرة الامتيازات القومية في صفوف الجماهير وداخل صفوف الطبقة العاملة، وخلق هالة حول هذه القيم والافاق والاهداف القومية، تشكل مبادئ الحكم ومصدر "شرعية"! حكم القوميين. فخارج هذه الشرعية المخادعة والوهمية ليس هناك شئ اخر يبرر به القوميون سيطرتهم على رقاب الجماهير، انهم في الحقيقة مناهضوا تحرر الجماهير وحقوقها وحرياتها المدنية والسياسية. فهم برجوازيون ولكن برجوازيون قوميون، اي حماة علاقة راس المال ولكن حاملي راية القومية وآفاقها. هنا ايضا خلع الشرعية منهم غير قابلة للتحقق لان اساس حكمهم لم يات من وقائع الصراع السياسي المدني بل من وقائع فرض التقسيم القومي الرجعي على المجتمع وتدمير اسسه المدنية واخفاء الانقسام والصراع الطبقي فيه.
لم يستطع القوميين العرب ان ياتوا بشئ غير الفاشية في العراق وفرضوا ذلك على الجماهير لاكثر من 35 سنة. والحركة القومية الكردية واحزابها الحاكمة في كوردستان تشكل قيودا على، وكابوسا ابتلت به، الجماهير. لم تنتج هذه الحركة قوى للحكم غير نمط الحزب الديمقراطي الكردستاني الرجعي الملطخ ايديه بدماء من تجراء على نقد قداستهم القومية- العشائرية ونمط الاتحاد الوطني الكردستاني وتشعباته الملئ تاريخه بسفك دماء معارضيه.
ففي غياب حضور سياسي مؤثر للطبقة العاملة والقوى الاشتراكية والشيوعية العمالية في الحياة السياسية في العراق استطاعت القوى البرجوازية القومية والاسلامية ان تمارس دكتاتورية مفضوحة في شكل كاريكاتور الديمقراطية البرجوازية. اما في بريطانيا فالبرجوازية تمارس دكتاتوريتها كطبقة باوضح الاشكال ولكن بالطريقة الديمقراطية البرجوازية اي بالخداع والرياء والكذب والطرق الملتوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشكر والتقدير
السيدة مانية على مزدك - مهاباد ( 2010 / 12 / 15 - 11:40 )
اهنيك يا اخي على هذا التحليل المتميز

اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات