الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستنمو براعم الليبرالية في سوريا؟

منير شحود

2004 / 9 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد أصوات متفرقة هنا وهناك, يبدو أن الليبرالية في سوريا, كأحد الخيارات السياسية الاجتماعية, بدأت تفرض حضورها في أوساط النخب السورية. كما اتخذ هذا الحضور شكلا من التأطير بعد الإعلان عن ولادة "التجمع الليبرالي في سوريا".
لقد أدت التطورات المتسارعة في الأعوام القليلة السابقة, والحوارات التي أحدثتها هذه التطورات, إلى فرز جديد تمثل بابتعاد بعض النخب الثقافية عن المواقف الأيديولوجية الأكثر تحديدا, والتي سادت زمنا طويلا, كالماركسية والقومية والإسلامية, على اختلاف تنويعاتها. وازداد الفرز حدة بعد تنامي ضغط "الأمريكي الجريح" عقب الحادي عشر من أيلول على الأنظمة العربية والإسلامية ومجتمعاتها, المتهمة الأولى بالإرهاب. وبذلك تسارع البحث عن مسارات جديدة أو مستحدثة للخروج من عنق الزجاجة, فيما تبدو الاتجاهات الأيديولوجية السابقة تائهة أو متعالية أو منغلقة على ذواتها.
والليبرالية, كما نفهمها ببساطة, تيار اجتماعي سياسي عريض ومفتوح على آفاق غير محددة تصنعها الحياة ذاتها, بما تحمله من غنى وتنوع في التفكير والإبداع والاعتقاد الفردي, المناقض لأية شمولية سياسية أو دينية.
ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟. إن على التيار الليبرالي الجديد أن يحاول الإجابة عن الكثير من الأسئلة, دون أن ينحو باتجاه تقديم وصفات جاهزة, بحيث تكون الإجابة نفسها مدعاة لطرح أسئلة متجددة في حوارات لا تنقطع. فكيف سيتقبل الشعب السوري هذا الاتجاه, وهو الذي تربى لأكثر من جيل على مقولة الحزب الواحد والقائد الواحد؟. والليبرالية, مثلها مثل الديمقراطية, تحتاج إلى جهود كبيرة لشرحها وتبيان معانيها بصورة مبسطة, ويتوقف ذلك بالطبع على مناخ آخر لم يتوافر بعد؛ فالساحة السياسية السورية مازالت تتأرجح في معمعة الاستقطاب الشعاراتي وإطلاق تهم التكفير والتخوين على عواهنها, سواء بالنسبة للسلطة أو المعارضة التقليدية, بحيث يسهل إلقاء التهم جزافا, عوضا عن وضع الأسس التي يتحدد من خلالها مفهوم الوطنية الحقة, لدرجة صار معها من أساء إلى الوطن أو نهب المال العام, يمتهن بيع شهادات الوطنية على أرصفة السياسة المعفَّرة.
ركَّزت مقدمة بيان التجمع الليبرالي في سوريا على وضع دستور حضاري ومتمدن تراعى فيه حقوق الإنسان المكتسبة خلال قرون من محاولات الارتقاء الثقافي والمعرفي؛ فالدستور هو المصدر الأساس لبقية التشريعات والقوانين اللاحقة. ولا يتناقض ذلك, برأينا, مع الثقافات الدينية لأي دين موجود على الأرض السورية, بل يمكن أن يكون هذا التلاقح إغناءً وتعزيزا للحقوق والحريات الفردية.
لم يُشر بيان التجمع الليبرالي الوليد في سوريا إلى أية توجهات اقتصادية, مع أن ذلك مهم في إيضاح ما تُتَّهم به الاتجاهات الليبرالية من الدعوة لانفلات في نظام اقتصاد السوق قد يستفيد منه بخاصة من يطلق عليهم الذئاب الجدد في الاقتصاد السوري, بعيدا عن حق المنافسة بقوانين ضابطة. وفي هذا السياق يمكن اقتراح نوع من محاكاة نسبية لبرامج الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في الدول الاسكندنافية, والتي توفر هامشا واسعا من الضمانات الاجتماعية المتعلقة بتوزيع الثروة الاجتماعية, والمواءمة بين الحاجات الفردية والمجتمعية. وربما يكون فشل تبلور الاتجاه الاشتراكي الديمقراطي وسط اليسار السوري أو العربي مسوغا واقعيا لظهور وتبرعم الليبرالية كبديل لهذا التيار, لجهة تبنِّي برامجه الاقتصادية الناجحة بشكل خاص.
وجاء في البند الثامن من بيان التجمع الليبرالي في سورية "..ضرورة التحضير لمشروع يهدف إلى عقلنة الأعراف والتقاليد السائدة". ويبدو أن التناقض هنا موجود بين العقلنة من جهة, والأعراف والتقاليد من جهة أخرى. فمتى كانت الأعراف والتقاليد, بما يدخل فيها أحيانا من روحانيات وأساطير, أمور عقلانية أو قابلة للعقلنة؟ وما الضير إذا بقيت الأعراف والتقاليد, كلها أو بعضها, غير عقلانية, طالما أنها صارت من صلب الثقافة الاجتماعية. قد يكون من الأفضل الحديث عن عادات وتقاليد محددة تعيق التطور والرقي الاجتماعيين. ومع ذلك لا نجد من الضروري إقحام مثل هذا البند في البيان, في الوقت الذي لم يُشر إلى أي توجه اقتصادي, كما أشرنا سابقا, ولم يتحدث عن بيئة العمل السياسي في الظروف السورية التي سيعمل التجمع فيها, ولكن العذر متضمَّن في اعتبار البيان ورقة مفتوحة لكل تحديث.
كما لم يتحدث البيان عن الآلية المقترحة لحل الصراع الإقليمي أو حلحلته, كمعطى واقعي, من غير الممكن تجاهله على المستوى الوطني, مع أننا نستشف من البيان السابق تبني خيار حل هذا الصراع بالطرق السلمية, انسجاما لما جاء فيه من رفض لكل أشكال العنف.
لقد جاء بيان التجمع الليبرالي في سوريا في وقت ازداد فيه التأزم السياسي, على مستوى السلطة والمعارضة, وبدا أن ليس من مخرج في المدى المنظور لأزماتنا المستمرة, بسبب غياب السياسة عقودا عن المجتمع. وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن الخيار الليبرالي كخيار مرجح, فإنه يمثل, على أقل تقدير, دعوة للحرية والديمقراطية, ونافذة مفتوحة على مستقبل يلفه الغموض وتتنازعه الاحتمالات.

نص بيان التجمع الليبرالي في سوريا موجود في موقع التجمع www.liberalsyria.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة