الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل إنفصالات الروح (1)

ماجد القوني

2010 / 12 / 17
مقابلات و حوارات


مسلسل إنفصالات الروح (1)
الإنفصال وأثره الإجتماعي
أنجبت منه سبعة أبناء.. تركها وقرر الإنفصال ومضى جنوباً..
* دوسة: لا تُوجد رؤية محددة حول وضع الجنوبيين في الشمال إلا بعد النتيجة..
* باحث إجتماعي: جاء الوقت ليمزق السياسيون النسيج الاجتماعي السوداني..
* كان (ن) يرفض أن يؤدي أولادي الصلاة..
* أستاذ أحمد: إذا إنفصل السودان أو لا .. سيظل السودان موجوداً بأهله الطيبين..
* والدة (ف): وعدنا بإشهار اسلامه، لكنه لم يفعل لأكثر من (15) سنة..
تحقيق: ماجد القوني
في خطابه بمناسبة توقيع إتفاقية السلام الشامل قال الدكتور جون قرنق دي مبيور : عندما وقعنا اتفاقية الترتيبات الأمنية عام 2003، قلت أننا قد توصلنا إلى حل المشكلة الأكثر صعوبة عندما اتفقنا على أن يكون لنا جيشان في بلد واحد.. وقد ظننت أننا قد وصلنا إلى القمة الأعلى في الجبل، ولكنني اكتشفت لاحقاً أن هناك سلسلة جبال أخرى ينبغي علينا أيضاً أن نتسلقها. واليوم مع اتفاقية السلام الشامل يُمكنني أن أصرّح بكل ثقة أننا قد تسلقنا الجبل الأخير. ولكن للأسف هناك أنواع مُختلفة من الجبال..
ليست قضية الوحدة بكل أزماتها المحتملة إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً..هي التي تؤرق مضاجع الشعب السوداني، بل تلك التي ترتبط بالانفصال الذي بات يراه الشعب السوداني مثل شجر يسير، بكل هواجسه واحتملاته الموغلة في السواد.. والتي تبدو كنذير شؤم لمهددات أنفصالات قادمة أشد قساوة من الحدود الجغرافيا والسياسة والاقتصادية.. وتمتد بعيداً لتلامس العلاقات الاجتماعية والعاطفية...
(نيفاشا) التي أوقفت نزيف الدماء السودانية، واوقفت أشرس الحروب التي شهدتها القارة الأفريقية.. وهي ذاتها التي أوجدت حق تقرير المصير للشعب الجنوبي –جغرافيا- وليس الشعب السوداني الذي أوجدته الظروف الديموغرافية في تلك الجهة، وساهمت السياسات العرجاء في تأخره تنموياً وتعليمياً واقتصاديا وصحياً وسياسياً. (الاتفاقية) عالجت الخلافات ووزعت الأدوار السياسية، وقسمت الثروة، ومنحت الجنوبيين - تجاوزاً- حق تقرير مصيرهم. لكنها - الاتفاقية- لم تعطي (محمد وزوجته سيسيليا) و (ميري وجارتها فاطمة) و ( د/ دينق ومرضاه) و(شول وتلاميذه) الفرصة للتقرير بشأن علاقاتهم العاطفية والانسانية والاجتماعية، حيث يبدو أن الدموع التي ستُزرف أوان الانفصال أكثر مرتان من تلك التى استنزفتها الحرب، وعلى ما أعتقد هي سلسلة الجبال التي وصفها الراحل د.جون قرنق ديمبيور قبل أن يمضي ويترك مشروعه أو حقيقة حلمه بتأسيس السودان الجديد.
قصة (ف):
كانت (ف) في الثالثة عشر من عمرها حين التقت بـ(ن) من جنوب السودان، تركت مقاعد التعليم مبكراً، وعلى حسب قولها لم تكن تعرف عن الدين شيئاً أكثر من كونه صلاة تؤدى وصيام شهر رمضان، ولم تكن تدرك أنه لا يحق لها فقهياً أن تتزوجه، لكن حدث بعد ذلك أن أكتشفت أنه ليس مسلم، حيث لم يكن هناك ما يشير إلى غير ذلك، إبتداء من أسمه وإنتهاء بملامحه. إرتضت أن تعيش معه بعد ذلك من أجل أبناءها الأربعة في ذلك الوقت، خاصة وأنه لا يسأل عن دينها ولا يطلب منها تركه، لتسير الأمور على ذلك سنوات طويلة..
روت (ف) قصتها قائلة: عندما قابلت (ن) كنت أحمل أبنتي الكبرى (س) من رجل آخر، قررنا أن نتزوج في العام 1997م، أنجبت منه (3) أبناء و(3) بنات إضافة لأبنتي الأولى، كنا نكونّ أسرة صغيرة وبسيطة جداً لم يأت على لسانه يوماً فكرة عن السفر إلى الجنوب، نسكن الكلاكلة في بيت إيجار، حيث يعمل (ن) حلاقاً، بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل – أسمته – (سلام جون قرنق) أصبح يتحدث كثيراً عن السفر، توفيت والدته وطلب مني أن نذهب لتعزية أسرته وحضور السنوية ثم نعود مرة أخرى للخرطوم، بعد وفاة جون قرنق بشهرين سافرنا إلى جوبا، بعد أن قمت ببيع أثاثات منزلي. أثناء مكوثنا هناك في جوبا لم يكن يمارس عملاً، بل يقضي يومه متجولاً ويعود إلينا في ساعة متأخرة من الليل.
وجدت الوضع هناك أكثر صعوبة وأيقنت إنه لا يمكنني العيش هناك، كنت أحتاج لـ(150) جنيه لأطعم أولادي وجبات يوم واحد. لذلك قررت العودة للخرطوم ولم نكن نملك مالاً لنعود به حيث قام (خالي) بوضعنا في (جرار) حتى وصلنا الخرطوم.
بعد فترة قرر من جديد العودة إلى الجنوب، عندما رفضت ذلك أصبح يقوم بضربي وظهرت المشاكل في أسرتنا، وخاصة في الفترة الأخيرة بعد إقتراب موعد الإستفتاء أصبح مهجساً بالسفر وكثيراً ما يطلب مني السفر لأننا " لو قعدنا هنا حنموت.. ولو في موت خليني أموت عند أهلي هناك" .. وبالمقابل كنت أقول له:" أنا أهلي هنا وبرضو لو في موت أنا عايزة أموت هنا". وكل من أختار أهله.
طلبت منه أن يقوم بمشاورة أولاده وإذا وافقوا على السفر؛ سأقوم بالذهاب معهم، ورفض أولادي السفر إلى الجنوب، آخر مشكلة دارت بيني وبينه كانت بسبب توفير مصاريف لعلاجي، حيث قال لي " ما عندي قروش لعلاجك.. أنا عايز أسافر" ولم يكن هناك ما يقوله سوى السفر وترتيباته. بعد أن تمادى في مشاكله معي قررت أن أحمل أولادي وحضرت بهم هنا إلى منزل أمي. وأكتشفت بعد حضوري هنا أكتشفت إنني حامل بالأبن الثامن، طلبت منه أن ينتظرني حتى أضع طفلي، لكنه رفض وقالها لي:" الجنوبيين كلهم ماشين.. أنا أقعد أعمل شنو؟"، سافر للجنوب وسجلّ أسمه وأسماء أبناءه وعاد مرة أخرى للخرطوم ليقنعنا بالسفر الأخير.
بطبيعة التربية التي يتلقاها أبنائي في المدارس والبيت – من جهتي- كانوا جميعاً مسلمين، (ن) كان يرفض ذلك وكثيراً ما يضربهم أثناء أداءهم للصلاة، بالرغم من أنه لم يكن ملتزماً تجاه الكنيسة يوماً ولم يفكر يوماً أن يحدثهم عن الدين المسيحي، لكن تأثروا بما حولهم في المدرسة والشارع والبيت ليختاروا الإسلام، وكنت أطلب من أبنائي الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة لأنه لا يكون موجوداً في البيت.
خلاف ديني :
على حد تعبير والدة (ف) أن الأسرة علمت بأمر زواجها من (ن) بعد أن حبلت منها بطفلها الأول، أثناء تسجيل في سجل المواليد أكتشفت أن أسمه ليس (ن) بل (ج) وعندما ناقشته في ذلك، قال لي أنه سيقوم بإشهار إسلامه قريباً، في خلافهم الأخير جاء وجلسنا معه ورفضنا أن نقوم بتسليمه الأطفال. وقلت له أنه لم يعقد قرانه عليها في المسجد أو الكنيسة، ولم يتزوجها كما يحدث عند القبائل الجنوبية ( لم يحضر أبقار للزواج)، يعني حتى لو ذهب للقضاء لن يجد شيئاً، قبل أن يدفع مهره، الخطأ كان في إختيارها لهذا الرجل، وتشعبت القضية الآن وإتخذت طابعها الديني، نحن رفضنا أن ينتمي هؤلاء الأبناء لدين أبيهم، وهو يرفض أن ينتموا لدين أمهم، هذا الخلاف لم يحدث لأكثر من 15 سنة ظهر الآن لأن الكل أصبح يتحدث عن دولتين لكل منها دينه الخاص.
وتضيف عدم التفكير وتغليب العاطفة والأهواء هو ما قاد لهذه المشكلة، هؤلاء المساكين هم من يتحمل هذه الأخطاء، وهم ضحايا لكل ما يحدث، سيبقون معي في هذا المنزل، قمت بإخلاء غرفة أولادي لتستغلها هي وأولادها، وهم الآن يدرسون الـ(7) في مدرسة قريبة من المنزل، أستاذ أحمد – مدير المدرسة- لم يقصر معي وقام بدور كبير في مساعدتي وقبولهم في المدرسة. أولادي أنا (7) إضافة لأبن أخي وجميعاً نسكن في هذا المنزل (200) متر، مع ذلك لن أسمح بذهابهم إلى الجنوب، والآن هي تعاني من فقر دم وسكري وضغط وتحمل جنيناً في الشهر الرابع.
الشعب السوداني بخير:
بما أننا كنا قريبين من المدرسة قررنا الذهاب إلى لمقابلة الاستاذ أحمد مدير مدرسة النصرة الأساسية والتي بالرغم من خصوصيتها إلا أنه قرر مشاركة اسرة (ف) مصيرها، حيث أعفى أولادها الـ(7) من الرسوم الدراسية، وحول هذه القضية أشار أستاذ أحمد قائلاً: بغض النظر عن المشاكل الإجتماعية التي تحدث في السرة السودانية، إلا أن هذه القضية تفاقمت بسبب أشباح الإنفصال السياسي التي تبدو الآن، والتي ستؤثر بدورها على الإجتماعي في الواقع السوداني المتضرر الأول والأخير مما سيحدث. بالنسبة لهذه القضية نحن في المدرسة على إستعداد لمساعدتها لتجاوز هذه المحنة، وفي كل الأحوال إذا إنفصل السودان أو لا سيظل السودان بأهله الطيبين، ونتمنى أن يجنب الله هذا البلد المخاطر ويجعله واحداً موحداً.
مخاطر إجتماعية:
الباحث الاجتماعي سيف الدين صالح، يرى أن القضية بطابعها السياسي ستؤثر سلباً على شكل التماسك الإجتماعي في السودان الذي تكونّ نسيجه الاجتماعي على مرّ المئآت من السنين، وجاء الوقت ليمزقه السياسيون حيث كان يمكن تلافي ذلك عبر الكثير من التدابير والقرارات التي تستهدف المواطن السوداني قبل المصالح الشخصية، فبالنسبة لأسرة (ف) يبدو انها إنهارت بسبب قرار سياسي لم ينظر لمثل هذه العلاقات في إطارها المجتمعي حيث كان ينبغي إعمال الآلية المجتمعية وليس السياسية. وهناك العشرات مثلها لن يكون أمامهنّ خيار سوى الذهاب إلى هناك أو البقاء في الشمال دون عائل مما يهدد اسرتها بالتفكك
ما يحدث الآن يظهر الكثير من التساؤلات حول الكثير من العلاقات الاجتماعية القائمة بين شخوص من الشمال والجنوب جمع بينهم هذا الوطن حيث لم يكن هناك تمايزات جهوية ودينية وسياسية. وقد يقود لهذا لكثير من التحولات في المجتمع السوداني، وإنهيار أسر شمالاً وجنوباً، كان يجب على الدولة القيام بمسح إجتماعي ورصد للأسر التي يمكن أن تتضرر مما سيحدث، ومعالجة وتوفيق أوضاعها بما يحفظ وجودها في حالة تماسكها الأسري.
مع ذلك يجب أن لا نستبق الأحداث، فربما يؤدي الاستفتاء إلى وحدة كما نتمنى، لكن هذا لا يمنع مخاوفنا من الظهور خاصة وأن الإستفتاء يحتمل قرارين وحدة أو إنفصال وهذا ما نخشاه.
الوضعية القانونية:
وزير العدل محمد بشارة دوسة في تصريح لـ(الشرق الأوسط) أوضح ان أوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب لن يبت فيها إلا بعد إعلان النتائج حيث يجري التداول حول حزمة من القضايا التي تعالج ما بعد الأستفتاء، ولا تُوجد رؤية أو صورة محددة حول وضع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب، وستُعالج هذه القضايا بعد نتيجة الإستفتاء.
المحرر:
بعيداً شعارات جاذبية الوحدة، والجوار المتعايش، وأوضاع الجنوبيين في الشمال.. او الشماليين في الجنوب، هذه المرأة تعيش أوضاعاً مختلفة لا تحتمل الإنتظار وغيرها كثيرون، إنتهى استقرارهم الأجتماعي والأسري، تتخبط بهم السبل الآن وتتقسم حيواتهم شمالاً وجنوباً. يدفعون ثمناً لأخطاء لم يرتكبوها.
تعيش (ف) الآن مع أولادها (7) مع والدتها التي بدورها تعول أكثر من (9) أشخاص في منزل مساحته (200) متر، يتشاركون ثلاث غرف في المنزل، مدير المدرسة "الخاصة" تبرع بإعفاء الاولاد من الرسوم والكراسات والكتب المدرسية، لكن يحتاجون لمصدر دخل يساعدهم على مواصلة الحياة والسكن الكريم، هذه الأسرة تمد يديها للجهات الحكومية وأهل الخير لمساعدتها. لكن قبل ذلك تتوجه قلوبها لله والسياسيين أن لا يكون الإنفصال من نصيب السودان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول ما سيوول اليه وطننا
نصر خميس ( 2011 / 1 / 4 - 05:03 )
فى راى ان من اضاع السودان هما حكومتا المؤتمر الوطنى الشمويله الفاشيه
وحكومه الحركه الشعبيه التى تنفز اجنده امريكا واسرائيل ولا تكترث لما ستوول اليه اوضاع ابناء الجنوب الحبيب التى بالتاكيد لن تكون اقل سوءا من ما هو فى سابق الايام 00
البحث عن وسائل وبرامج توعويه للشارع السودانى بكل تكويناته عن ماهو المخرج من النفق المظلم الذى يعيشه السودان والذى يمكن ان يكون من الدول المتحضره بكل ما تحمل الكلمه من معانى وايجاد طريقة للتعايش السلمى بين كل مكونات الشعب السودانى بمختلف اثنياته

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة