الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصريون أم عرب مع عدالة النقد.

غسان المفلح

2010 / 12 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية



في كل مرة أكتب فيها عن مصر أجد نفسي بلا أية مشاعر رقابية على هذه الكتابة، والسبب أن مصر صار فيها فضاء من الحرية السياسية مقونن، لكن عندما تكتب عن دول الخليج تحتاط، لماذا؟ ربما فيها شيء من الانتــــهازية الشخصية، حيث عائلات الملك والجاه تستولي على أكبر مساحة إعلامية ناطقة بالعربي، وهنالك ربما أسباب سياسية أخرى لا أريد التطرق لها الآن في هذا السياق. هكذا الأمر كلما وجدت نفسي أكتب عن مصــر أجد أن هنالك دوافع وجدانية لا أستطيع الهروب منها رغم أنها تضلل الكتابة، ولكن ها نحن نحاول، مع أنني لا أستطيع دخول مصر رغم كل محاولاتي لزيارتها، والسبب أن لديهم قوانين تمنع أي لاجئ سياسي عربي من دخول مصر بوثيقة اللجوء، سواء كانت سويسرية كحالتي أو خلافه، هذا ما يقولونه لي، ولكن ربما هنالك أسباب أخرى لا أريد التحدث عنها.
لأول مرة ينتابني أحساس غريب، مذ كنت طفلا صغيرا، عندما رأيت الناس تطوف في بعض شوارع دمشق وهي تحمل صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنهم من كان يبكي..هكذا مصر أعيشها، وراقبت انتخاباتها عبر الإعلام المرئي والمكتوب، وحاولت متابعة ما كتب عنها قدر المستطاع.
لهذا أردت تسجيل بعض من انطباعاتي:
أولا- أقول لغالبية من كتبوا عن مصر من غير المصريين، فجأة صارالبعض منهم متعاطفا مع خروج الإخوان المسلمين من الانتخابات بلا أية نتائج، وأصبح خروج الإخوان مؤشرا على سوء الانتخابات جملة وتفصيلا. أقول لأصدقائي لتكن في دولكم أقل بكثير مما في مصر.
ثانيا- الحزب الوطني الحاكم لازال مرتعا لفساد نسبي سياسي ومالي، ولازال النظام يلعب على الورقة الدينية، ولازال الأقباط دستوريا مواطنين درجة ثانية. وهذا الدستور هو مساومة الحكم مع النخب الإسلامية، التي تشاركه نفس اللعبة علها تستفيد في النهاية في توتير الوضع الاجتماعي التعايشي المصري. رغم أنني كتبت مثل غيري ومنذ زمن أن الحكم قادر على طرح دستور جديد للبلاد، يعيد للقبط مساواتهم الكاملة من جهة، لا وبل ويفرض على كل الاحزاب أن يكون لديها مرشحون أقباط كمرحلة أولى. الأقباط هم نكهة مصر منذ قدم التاريخ المصري مسيحيا وحتى اللحظة.
ثالثا- ملاحظة ربما جديرة بالاهتمام، إن غالبية الكتاب المصريين ومثقفيهم، نادرا ما يكتبون عما يحدث في بلدان عربية أخرى، وخاصة ما يسمى بلدان تيار الممانعة، وكذلك تيار الاعتدال. كلا الطرفين لا يتعرض إلا نادرا مثلا لما يحدث داخل سورية أو داخل السعودية، أما الكتبة الخليجيون ومن معهم والسوريون نادرا ما يمضي أسبوع لا تجد فيه مقالا عن مصر أو خبرا أحيانا متشفيا. نقول لأصدقائنا في مصر لماذا لا تكتبون عما يدور في سورية، من يستجيب منهم يكتب عن ممانعة النظام، أما نحن فنكتب كل ما نستطيعه، خيانة النظام المصري على صعيد القضية الفلسطينية وفساده وديمقراطيته المزيفة، رغم أن المجتمع المصري بات يغلي بنخب تعبر عن تعدد فكري وحزبي وسياسي منظم وعفوي أحيانا ولا أحد يسائلها، أو يقدمها لمحاكمات غير عادلة بتهمة وهن نفسية الأمة. هذه نقطة تسجل للنظام قبل أن تسجل للمعارضة المصرية.
سؤالي هل أصبحت مصر ضعيفة إلى هذا الحد، أم أن السياسة تقف خلف كل هذا الكم من الكتابة عن الوضع المصري؟ أم أنه ليس من مصلحة أية سلطة عربية نجاح تجربة ديمقراطية واحدة في هذه المساحة من العالم النفطي الإسرائيلي؟
رابعا- للتأكيد على ما نرمي إليه، أنه ولا سلطة عربية صغرت أم كبرت تجد لها مصلحة في أن تلعب مصر دورا رياديا ديمقراطيا ودوليا. وهذا ينطبق على سلطة سورية كما ينطبق على سلطات الخليج. سأضرب مثالا:
لتأكيد التزوير الحادث في الانتخابات الأخيرة، كان الإعلام العربي يبحث عن كل صغيرة وكبيرة ذات قيمة أو بدون قيمة، لإدانة ما يدور في مصر، وإدانة العتبة الديمقراطية التي تعيشها مصر، وللوصول لنتيجة تقول أرأيتم ماذا تفعل الديمقراطية، أو لا تنغشوا بهذه الديمقراطـــــية، فهي مزيــــفة، وحالها حال ما يجري في سورية وبعض دول الخليج! الديمقراطية لا تصلح لشعوبنا. أما من جهة اخرى، فإبان السيول التي اجتاحت السعودية هذا العام تبين أن أهم مدينة سعودية وهي جدة، لازالت بلا شــــبكة صــــرف صحي وهذه الإشكالية مطــــروحة منذ سنوات في جدة.. ومع ذلك ونتيجة لحجم هذه الفضيحة، اضــــطر الإعـــلام للتعاطي معها حتى يتم إخمادها سريعا، من دون بحث أسبابها العميقة، كما يجري الآن في مصر، ولاحظوا أيضا أن هنالك واقــــعا يقول ان الملك الـــسعودي عبد الله بن عبد العــــزيز ينوي الاصــــلاح، ولكن لا أحـــد يعرف ما هي الجهات التي تعرقل هذا الاصلاح؟ ولا أحد يهتم بهذا الأمر تقريبا.
خامسا- تجري اعتقالات لأسماء معروفة في سورية والسعودية لا أحد يأتي على ذكرها من المصريين، أما إذا استدعي مدون مصري إلى الشرطة المصرية تفرغ الصحف السعودية والخليجية مساحات لكتاب عرب عن هذه الفضيحة. طبعا كل ما أقوله لا يبرر مطلقا ما تقوم به أجهزة النظام المصري أحيانا، كما اشرت أعلاه.
سادسا- في سورية وغيرها كتاب بدأوا بالبرهان على لا ديمقراطية النظام المصري من عدم نجاح الإخوان بالانتخابات هذه، بينما هم لا يستطعون أن يقولوا حرفا عن المرسوم 49 القاضي بإعدام أي منتسب للجماعة السورية.
سابعا- سأطرح قضية التوريث التي يتفرغ لها الإعلام، مع أنه لم يتفرغ لها ابان التوريث على المستوى السوري قبل عقد من الزمن، ولا يأتي أيضا على سيرة أن بعض العائلات في دول الخليج، لا تكتفي بملك أو أمير، بل العائلة كلها تشارك في الحكم والمناصب من سيادية وخلافه، حسب تعداد الأمراء الصالحين للملك والسلطة، لدرجة أنه هنالك أمثلة لا يوجد لها مثيل في العالم، لا القديم ولا الجديد، ومع ذلك لا أحد يمر عليها.
التوريث الجاري في مصر على الأقل يحاول السادة هنالك إخراجه بشكل ديمقراطي، ربما لو اتحدت المعارضة المصرية لأفشلت هذا التوريث، ووفقا للحرية السياسية التي تتمتع بها هذه المعارضة المشتتة.
العدل في النقــــد، هذا أمر ما أردته من هذه المقالة من جهة، ومن جهة أخرى هل هذا النقد ينطلق من كوننا عربا أم من كوننا حريصين على مصر أي مصريين؟ كل كاتب يستطيــــع الإجابة عن هذا السؤال.
ثلاثة يجب أن يتخلص منها النظام: أولا وقبل كل شيء إنهاء الحالة اللامواطنية دستوريا كما أشرت، ثانيا تنمية القوانين الانتخابية نحو حرية مقوننة وبلا حدود، والتوقف عن اللعب بالورقة الدينية. والثالثة هي الفساد الذي يجب استئصاله، هنالك من يقول ان هذا الفساد هو الذي ينتج الوراثة السياسية، فهل يستطيع هذا الحكم أن يغير هذه الرؤية؟ وإذا كانت ظاهرة الوراثة السياسية أمرا واقعا فلماذا على الأقل لا تضع هذه النخب الحاكمة حصوة ملح في عينها، وتبذل كل جهد من أجل وراثة ملكية دستورية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، على الطريقة السويدية مثلا؟
وقبل هذا وذاك، لا بد من التأكيد على تكون طبقة برجوازية مصرية تقبل بتعدد المصالح والسياسة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، كرست ما أسميناه في السابق العتبة الديمقراطية في مصر، معنى لما يسمى التغيير السلمي الديمقراطي، معنى تاريخيا، يتحقق على الأرض، بفعل نضالات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المصري، وليس كحالنا نتغنى بهذا ولا أرضية لما يسمى بالنضال السلمي التدرجي في سورية، وأجد أن ما كتبه يساريون مصريون عن انتخابات بلدهم كاف لكي يكون مؤشرا على صحة التجربة الديمقراطية الواعدة التي نأمل أن تكون نموذجا عربيا يحتذى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحييك أخي علي هذا المقال
عمرو اسماعيل ( 2010 / 12 / 18 - 16:21 )
وعدالته
مساحة حرية القول في مصر واسعة فعلا .. ويتعرض النظام للنقد من الداخل والخارج اكثر مما يتعرض اي نظام آخر في المنطقة .. المشكلة فعلا أن التغيير الديمقراطي الحقيقي في مصر سهل .. مايعطله فعلا ليس فقط النظام ولكن انقسام المعارضة ومحاولة الاخوان السيطرة عليها والاهم طبيعة الشعب المصري التي يتحكم فيها مثل مصري محبط هو اللي نعرفه احسن من اللي مانعرفهوش
عندما يتم التحول الديمقراطي الحقيقي سيتحول الامر الي تسونامي ديمقراطي يجتاح المنطقة كلها وهو أشد ما يخيف حكام هذه المنطقة

اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي