الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكب الماء البارد على ويكيليكس

دانيال بايبس

2010 / 12 / 18
كتابات ساخرة


من أكثر ما كشفته تسريبات ويكيليكس إثارة أن البعض من قادة العرب حرضوا الحكومة الأمريكية على مهاجمة منشئات إيران النووية، وأكثرها غرابة أن الملك عبد الله أشار إلى واشنطن بقطع رأس الأفعى، وإتفق الجميع أن هذه التصريحات تكشف النقاب عن سياسة ونوايا ساسة السعودية والعرب. هل هذا صحيحاً؟. هناك عاملان يثيران بعض التساؤلات:

أولاً، و كما يشير لي سميث، أن العرب يقولون لأمريكا ما تود أمريكا نفسها أن تسمعه مشيراً: " نحن على علم بما يقوله العرب لرجال الدبلوماسية و الصحافة بشأن إيران، لكننا لا نعلم ما هو تفكيرهم بالضبط بشأن الجار الفارسي". ربما تكون أقاويلهم جزء من عملية دبلوماسية تعكس خوف حلفائهم و رغباتهم، لكنها تصاغ كأنها مخاوف ورغبات الأنظمة والشعوب العربية. عندما تقول السعودية أن الإيرانيين هم عدوهم الأبدي، فإن أمريكا ستتقبل ذلك بدون نقاش بالنظر للمصالح المشتركة بين البلدين. يضيف سميث قائلاً: " إن كلمات السعوديين لرجال الدبلوماسية الأمريكية لا توفر الشفافية الكافية ولا النافذة التي من خلالها نعلم ما هي الأفكار في الذهن الملكي، ولكن غايتها في نهاية المطاف التأثير علينا لخدمة البيت الملكي السعودي". علينا أن لا نجزم بأن الحقيقة تقال لمجرد التفوه بها.

ثانياً، كيف يمكن الحكم على التناقض الظاهر بين ما يلقيه قادة العرب على مسامع الدبلوماسيين، وبين ما يهتفون به قبال جماهيرهم. أشرت في العام 1993 أن الهمسات أقل أهمية من الهتافات: " إن التصريحات علناً أهم بكثير من تصريحات خاصة في الخفاء، لأن من طبع رجال السياسة الكذب علناً وخفيةً، و لكن الأول أكثر دلالة على الفعل في نهاية المطاف".

خذ مثلاً الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان يمكن أن ينتهي من زمن طويل لو صدقنا ما كان يقال خفية لرجال الغرب. فرجل مصر القوي عبد الناصر بدون منازع، من العام 1952 إلى العام 1970، رفع إسرائيل إلى درجة وسواس سياسة الشرق الأوسط.

استناداً إلى ما ذكره رجل المخابرات الأمريكية، مايلز كوبلاند، في كتابه الموسوم (( لعبة الأمم ))، فإن عبد الناصر لم يكن يعير فلسطين أهمية، ولكن الرجل لم يتردد في دفع جدول العداء للصهيونية على رأس جدول إعماله، ومن خلال ذلك أصبح القائد العربي بدون منازع في زمانه. بتعبير آخر، إن ما قاله خفية لم يكن سوى تمويه لا أكثر.

على المنوال نفسه يمكننا تفحص بعض الأساليب التالية: كان عبد الناصر يؤكد لدبلوماسيي الغرب استعداده للتباحث مع إسرائيل، ولكنه كان يعلن على الملأ كله رفضه القاطع لوجود الدولة اليهودية. بعد حرب 1967 أشار عبد الناصر سراً إلى أمريكا قبوله توقيع معاهدة عدم تعرض مع إسرائيل رغم ما يتضمنه ذلك من عواقب، ولكنه علناً كان يرفض التفاوض معها مصراً بأن ما أخذ بالقوة لا يمكن إسترجاعه إلا بالقوة. وكما هو مألوف ما صرح به علنا عرف واقع سياسته.
لكن صراخ عبد الناصر كان الدليل الدقيق على أفعاله أكثر من همساته. إعترف عبد الناصر إلى جون كندي " البعض من قادة العرب يطلقون التصريحات القاسية بشأن فلسطين، وفي عين الوقت يهمسون لأمريكا بأن ما يقولونه علناً هو للإستهلاك المحلي العربي فقط". صراحةً، إن عبد الناصر وصف بدقة ما كان يفعله هو بحد ذاته.

على النقيض من ذلك ترى القادة العرب عندما يتكلمون بعضهم لبعض خفية، وليس إلى رجال الغرب، يكشفون عن صدق نواياهم. فهاهو عرفات بعد ما وقع على اتفاق أوسلو في 1993 معترفاً بإسرائيل ، يناشد بعض المسلمين في جامع بجنوب إفريقيا بالقدوم إلى فلسطين والجهاد لتحرير القدس.

إن من البديهية الجزم بأن ما يقال خفية أكثر مصداقية من القول علناً، ولكن سياسات الشرق الأوسط علمتنا مراراً بأن من الأحوط الاستناد إلى التصريحات الصحفية والخطابات دون الاتصالات اللاسلكية بين رجال الدبلوماسية. ربما تكون مقالة الخفاء أكثر توجهاً إلى القلب ، ولكن مقولة داليا مسا كي، في مؤسسة راند في واشنطن، فيها الكثير من المصداقية : " لا يمكن أن نتتبع مقولة قادة العرب لأمريكا و مقولة بعضهم البعض. الجماهير تستمع إلى سياسات قيادتها، والغرب يستمع إلى إغرائهم".

إن هذه القاعدة تفسر لنا ما يمكن ملاحظته من بعد، وما يفشل رجال الصحافة والدبلوماسية من الانتباه إليه عن قرب. لذلك ترى لماذا تُلقى الشكوك حول ما كشفته الويكيليكس. في نهاية المطاف فان ما تم كشفه قد يضللنا دون أن يوضح لنا السياسة العربية.

http://ar.danielpipes.org/article/9199
المصنف الإنجليزي الأصلي: Pouring Cold Water on WikiLeaks
ترجمة: د. سداد جواد التميمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخيراً!
سينثيا فرحات ( 2010 / 12 / 29 - 10:39 )
أخيراً بدأنا نري أراء حقيقية غير مغشوشة باللغة العربية، و نري ان وسائل الحكم العربية و التقية السياسية مفضوحة علي عكس ما كنا نتخيل أن كل تيارات السياسية الغربية تريد تصديق الأكاذيب لتفادي تكاليف مواجهة الحقيقىة.

مع وافر الشكر و الاحترام و التقدير للدكتور بايبس.


2 - يا ويكيلكس كوني بردا وسلاما
محمد البدري ( 2010 / 12 / 29 - 12:26 )
اي مالك لعقل بسيط وليس عميقا في درجات وعيه يدرك من ظاهر وباطن الاشياء ان هناك تحالفا بين الادارة الامريكية والمملكة السعودية. فالسعودية تقوم بفعل كل ماليس انساني عن طريق تطبيق الشريعة بل والتدخل في العراق بالارهابيين وقتل الابرياء والجنود الامريكيين ايضا ومع ذلك لم تتحرك امريكا ضدها. ظاهر الاشياء وباطنها يقول ان امريكا تعمل في خدمة نفطها عن طريق خدمة الفاشية والاستبداد رغم التشدق بحقوق الانسان والديموقراطية. امريكا تقبل الكذب العربي والاسلامي علنا وفي الباطن ايضا، فما الذي اضافته ويكيلكس؟ لو قمنا بعمل سيناريو وتخمينات باحط ما يمكن من العرب والمسلمين ان يحدث لكان صحيحا وسنجد مثله متحققا وربما تجرؤ امريكا علي تسريبه لاسانج مستقبلا. لذلك فإن الشكوك حول ما كشفته ويكيليكس اصبح بلا قيمة لاننا في نهاية المطاف اكتشفنا تزاوج من يضللونا وان الادارة الامريكية تشبه ان لم تكن تتطابق مع السياسة العربية. كل ما ينقص امريكا هو المظهر فقط فلترفع الاذان خمس مرات من فوق الكابيتول وتجعل الحج الي بيتها الابيض. وكل عام سعيد عليك يا استاذ بايبس فانت لم تقدم جديدا.


3 - لا جديد
مازن البلداوي ( 2010 / 12 / 29 - 13:52 )
أخي الكاتب
تعلمنا منذ ان نضج وعينا ان نقرا مابين السطور ونحلل الأحداث،فالذي اكتشف اليوم ماكان عنه جاهلا لايمثل حالة مفاجئة للأخرين،الا انها مفاجئة له.
هكذا تسير الأمور، همسات وتصريحات كما قال البدري

تحياتي

اخر الافلام

.. لمواجهة عائق اللغة.. تعليمات من خبير السفر إبراهيم توتونجي ق


.. نور خالد النبوي يساند والده في العرض الخاص لفيلم ا?هل الكهف




.. خالد النبوي وصبري فواز وهاجر أحمد وأبطال فيلم أهل الكهف يحتف


.. بالقمامة والموسيقى.. حرب نفسية تشتعل بين الكوريتين!| #منصات




.. رئاسة شؤون الحرمين: ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة لاستهداف الوص