الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفالنا والثقافة الإلكترونية

أحمد فضل شبلول

2002 / 8 / 4
حقوق الاطفال والشبيبة


أطفالنا والثقافة الإلكترونية   
 


بعامة، فإن ثقافة الأطفال هي جزء من الثقافة الكلية للمجتمع، بل إن هادي نعمان الهيتي يذهب إلى أنه "تظهر في ثقافة الأطفال الملامح الكبيرة لثقافة المجتمع في العادة، فالمجتمع الذي يولي أهمية كبيرة لقيمة معينة تظهر في العادة في ثقافة الأطفال"(1).
ومن ناحية أخرى فإن الأسرة تؤدي دورا مهما في تكوين ثقافة الطفل، وكلما كان الأب أو الأم أو الأخوة الكبار من ذوي التعليم والثقافة العالية، ساعد ذلك الأطفال على أن يُنشؤوا في بيئة ثقافية صحية.
ولما كانت مجتمعاتنا العربية بدأت تُظهر اهتماما بمسألة الحاسب الآلي، بل تشجع ـ ولو نظريًّا ـ على استخدامه في جميع مجالات الحياة، فكان من الطبيعي أن تظهر الثقافة الحاسوبية، أو الثقافة الإلكترونية لدى الأجيال الجديدة، ومن ثَمَّ فإن ثقافة هذا الجيل الجديد من أبنائنا وأحفادنا، تختلف ـ إلى حد كبير ـ عن ثقافة الأطفال في الجيل السابق، فثقافة هذا الجيل تتشكَّل من خلال استخدامه لجهاز الكمبيوتر لكي تكون متوائمة مع روح العصر، ومع الآمال الموضوعة للمستقبل، ومن هنا تتحقق مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصالحة لكل زمان ومكان: "لا تعلموا أولادكم عاداتكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المكان، هو: هل إشاعة الثقافة الإلكترونية بين أطفالنا، يؤدي إلى إشاعة نمط التفكير العلمي بينهم "حيث الحكم على المسائل والظواهر والمشكلات بوعي شامل استنادا إلى ضوابط معينة" كما يذهب إلى ذلك الهيتي، الذي يعلق قائلا "فما دمنا نريد لأطفالنا أن يحلوا المسائل المتعلقة بحياتهم والمشكلات التي يواجهونها، ويفسروا الظواهر تفسيرا صحيحا، فإن هذا يعني أننا نريد لهم أن يفكروا بطريقة علمية"(2) فهل تعاملهم المستمر مع أجهزة الحاسب الآلي الذي هو مبنيٌّ في الأصل، ومُصممٌ، على خطوات علمية منطقية محسوبة بدقة متناهية، سيؤدي إلى إشاعة هذا النمط من التفكير، أو على الأقل يعلمهم كيف يفكرون، تفكيرا غير جزافي، قائما على خطوات يعتمد بعضها على البعض الآخر، ويا حبذا لو كان هذا التفكير هادفا، ودقيقا، ومرنا، وبعيدا عن الجمود، وغير قائم على التعصب، وواقعيا، أي لا يعتمد على الخيال المريض في فهم الأشياء والتعامل معها؟. يقول د. طالب عمران: "في عصر العلم الذي نعيشه يتحتَّم أن يوجه الطفل للتعلُّم الجاد المنتج في العناية بتثقيفه العلمي، وشحن تصوراته، وأفكاره بقصص تتحدث عن إنجازات العلم الباهرة ومستقبلها المضيء…"(3).

فهل الثقافة العلمية التي يريدها الباحث لأطفالنا، هي الثقافة الإلكترونية؟

لكي نصل إلى إجابة مقنعة يجب أوَّلا تعريف الثقافة العلمية، ثم نقارن بينها وبين الثقافة الإلكترونية.
الثقافة العلمية في أبسط تعريف لها هي ربط العلوم النظرية التي يقوم الطفل بدراستها أو معرفتها عن طريق القنوات والوسائط المختلفة، بالتطبيق. وعن طريق ذلك يتم تثقيف الطفل علميًّا بشكل صحيح.
فإذا كنا نريد لأطفالنا وهم يقفون الآن على بوابة القرن الحادي والعشرين "أن يقرأوا ويعرفوا عن مشكلات الكون، وأن يعرفوا عن طبقة الأوزون المتآكلة التي ربما ستتسبب في انعدام الحياة على الكرة الأرضية، والتكاثر السكاني، وكيفية التعامل مع المشاكل الاجتماعية، والصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، والعالم بعد النفط، وعن التصحر، والغذاء، والأمراض، والتلوث، والحاسوب، والإنسان الآلي، والذكاء الاصطناعي، وبنوك وشبكات المعلومات... الخ"(4). فإن ذلك يجب أن يتم بطريقة عملية، يتبع فيها طرائق التفكير العلمي المختلفة. وأطفالنا لديهم الاستعداد الكبير لذلك، ولديهم شغف كبير بقراءة الكتب العلمية، وخاصة خارج المقرر الدراسي. وقد لاحظتْ منيرة القهوجي من خلال سجلات مكتبة إحدى مدارس الإناث التي تضم 000, 8 كتاب أن نسبة استعارة الكتب العلمية والبالغة 240 كتابا بلغت 100%(5). ولعل السبب في ذلك يرجع ـ كما يرى فاروق سلوم ـ إلى "أن تقريب مسافات الوعي بالمكان والزمان، قد لعب دورا كبيرا في تطوير الوعي بالعلم عند الأطفال العرب" ويضيف سلوم قائلا: "لاشك أن المستقبل يحمل الكثير من خلال تطور الجهد العلمي العربي المأمول، ولقد تطور التفكير العلمي لدى الطفل العربي من خلال تطوير مناهج التعليم والحث على الاكتشاف وتكريس الاحتمالات والتوقع وإدراك المشكلات واقتراح الحلول أو الافتراض، وبناء النموذج الرياضي، والاهتمام بالتنظيم العلمي والحاسب الإلكتروني، والبرمجة، والاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة، وقد اقترن كل هذا بالعمل نحو إنماء التفكير العلمي لدى الأطفال"(6).
والثقافة العلمية لها أدبها الذي أطلق عليه أدب الخيال العلمي الذي عرَّفه د. عماد زكي بقوله: "هو قصص أو أساطير انطلقت من وقائع ومعطيات علمية محددة لتعبر عن طموح الإنسان في تحقيق المزيد من الاكتشافات والإنجازات"(7) وهو بذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بالتطور العلمي والتكنولوجي.
إذن هناك صلة بين الثقافة العلمية لأبنائنا ـ التي يُعدُّ أدب الخيال العلمي تجسيدا لها، أو هو على الأقل جزء من ثقافتهم المعاصرة ـ والثقافة الإلكترونية، ومن الملاحظ أن هذا الأدب انتشر في عصر المعلومات وانفجار المعرفة، وتكاثُر الأسئلة الغامضة حول مستقبل الإنسان، والآفاق القادمة التي يمكن أن يصل إليها. ويمكننا القول إنه إذا كانت الثقافة العلمية تهتم بمضمون الرسالة العلمية التي تحملها لأبنائنا، فإنه يمكن للثقافة الإلكترونية أن تكون هي الشكل الذي يحمل هذا المضمون. وعلى ذلك فهما وجهان لعملة واحدة هي ثقافة أطفالنا المعاصرة، أو ثقافة أطفالنا في القرن الجديد، دون أدنى إخلال بقيمنا ومبادئنا وأصالتنا العربية والإسلامية. إننا بذلك ننظر إلى مستقبل ملايين الأطفال العرب الذين يعبرون عام 2000، "والحديث عن عام ألفين هو الحديث عن عصر الكمبيوتر والرجل الآلي والذكاء الاصطناعي وبنوك المعلومات، وهو الحديث عن هندسة الوراثة واستنساخ البروتينات، ومغامرة الإنسان المثيرة لاقتحام الخلية والتلاعب بشفرتها الوراثية الدقيقة، في محاولة للتحكم بصفات الكائنات الجديدة، واصطفاء أحسن ما فيها، وهو الحديث عن حرب الكواكب واستعمار الفضاء والأقمار الصناعية التي تجوب الكون من أقصاه إلى أقصاه"(8) وبذلك يتضح مدى العلاقة الوثيقة بين الثقافة العلمية، وما أسميناه بالثقافة الإلكترونية. وكلاهما يجب أن يُدرس بشكل جيد قبل أن يُقدَّم للطفل سواء في البيت أو المدرسة. "فتنمية المواهب العلمية بدءا من البيت، فالمدرسة، فالمؤسسات المسؤولة عن الطفل، قد تفتح آفاقا أمام أجيالنا المقبلة في مستقبل لغته الأساسية والوحيدة أحيانا .. ما تملك هذه الأجيال من علم وتقنيات ووسائل متطورة"(9). وعلى ذلك فإن الميول العلمية التي نحاول أن نغرسها اليوم في أطفالنا، تجعلهم في المستقبل يعتمدون على العلم، وربما يبدعون في مجالاته. ولعل من أهم العوامل التي تستطيع غرس حب العلم في نفوسهم، جهاز الحاسب الآلي، الذي يتعاملون معه ويتفاعلون مع أدائه المبهر في اكتسابهم لثقافتهم الإلكترونية.

وأراني أتفق مع د. عماد زكي في قوله "ليس هناك شك في أن تعميق الثقافة العلمية وتحريض التفكير العلمي وتشجيع الخيال العلمي لدى أطفالنا، أصبح مهمة عاجلة ومقدسة لا يجوز التواني عنها أو تأجيلها لأن ذلك يعد خيانة لمستقبل الأجيال القادمة"(10).

أدب الخيال العلمي ومستقبل الأجيال القادمة

ومما يجعل الإنسان مطمئنا إلى حد ما إلى مستقبل الأجيال القادمة، أن طفل اليوم بدأ يعشق برامج ومسلسلات الخيال العلمي، فمن خلال تحليل نتائج الدراسة الميدانية التي قامت بها وفاء نجيب القسوس لاتجاهات الأطفال وذويهم نحو برامج ومسلسلات الخيال العلمي التي يقدِّمها التلفزيون الأردني، "تبين أن الأطفال بشكل عام يفضلون مسلسلات وبرامج الخيال العلمي أكثر من برامج عالم البحار أو الحيوان، أو افتح يا سمسم أو المناهل، فمسلسلات وبرامج الخيال العلمي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بينهم"(11) وعلينا إذن أن نستثمر هذا الجانب وهذه الرغبة في أطفالنا ونقدم لهم ما يناسبهم وما يناسب مجتمعهم وما نتطلع إليه نحو رجل الغد، وألا يكون اعتمادهم في هذا الجانب على ما تقدمه البرامج المستوردة التي تحوي كمية لا بأس بها من العنف والقتل والدمار.

القصص العلمية وقصص الخيال العلمي

وفي هذا الصدد يجب أن نفرق بين القصص العلمية، وقصص الخيال العلمي، فالقصص العلمية ـ حسب تعريف عبد البديع قمحاوي ـ "قد تكون قصصا وصفية، تتتبَّع أبحاث العلماء، وجهود العلماء والمخترعين والمبتكرين، وقصص مخترعاتهم ومبتكراتهم، وما لاقته هذه المخترعات من قبول أو رفض، وما كان لها من تأثير في حياة الناس. أما قصص الخيال العلمي فهي تقوم على خيال ـ ليس بالخيال المحض ـ ولكنه خيال مدعم بنظريات علمية قد تكون سائدة في عصر الكاتب أو المؤلف، أو تكون هذه النظريات العلمية غير منتشرة في عصره، ولكنها معروفة لدى مؤلِّف هذه القصص. وليس من الضروري أن يكون مؤلِّف قصص الخيال العلمي من العلماء، ولكن هو مؤلف يتميز بالخيال المقنن الذي يستطيع أن يجعله يجسِّد عالما خياليا، لكن يمكن أن يعايشه القارئ ويتطلع إليه"(12) ولعلَّ من أهم وظائف أدب الخيال العلمي، تهيئة العقل الإنساني لتقبل العلوم المستقبلية، وفي هذا المجال نتذكر مقولة العالم أنشتاين التي دائما ما يستشهد بها الكتَّاب والباحثون في أدب الخيال العلمي: "لقد تعلمت من الأديب الروسي دوستوفسكي في مجال الرياضيات أكثر مما تعلمته من نيوتن وكوس".

ــــــــــــــــــــــــ
* هوامش:
1 ـ أدب الطفل العربي. مجموعة أبحاث. عمَّان: منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب (د.ت).
2 ـ السابق. ص 94.
3 ـ السابق. ص ص 31، 32.
4 ـ السابق. ص 73.
5 ـ السابق. ص 73.
6 ـ السابق. ص 79.
7 ـ السابق. ص 104.
8 ـ أدب الأطفال في الأردن واقع وتطلعات. بحث "أدب الأطفال والعام ألفين". د. عماد زكي. عمان: وزارة الثقافة الأردنية، ومؤسسة نور الحسين، 1989.
9 ـ أدب الطفل العربي. د. طالب عمران. ص 62.
01 ـ أدب الطفل العربي. ص 130.
11 ـ أدب الطفل العربي. ص 147.
12 ـ أدب الطفل العربي. ص 188.



أحمد فضل شبلول: شاعر وباحث من مصر، له ثمانية دواوين شعرية مطبوعة آخرها ديوان "الماء لنا والورود"، و"الحياة في الرواية". عضو في مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر ومجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية ورابطة الأدب الإسلامي العالمية والجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية.


ابداع - كل الابداعات وكل المبدعين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل


.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا