الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبراليون الجدد.. أو الليبرالية كما أفهمها

خالد شوكات

2004 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ببروز ما أصبح يُعرف بتيار "الليبراليين الجدد" في السنوات الأخيرة، والذي ارتبط بشكل واضح بمطالب الإصلاح الشامل المطروحة على العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، برزت حاجة ماسة أيضا إلى تحديد دقيق لمصطلح الليبرالية ومشتقاته، خصوصاً مع تصاعد الحضور الإعلامي والسياسي لهذا التيار الليبرالي الجديد، ودخول بعض رموزه في معارك ضارية مع تيارات وجماعات فكرية وسياسية أخرى متعددة.

و في البداية لا مناص من القول بأن الليبراليين الجدد لا يملكون تجارب سياسية وايديولوجية متماثلة، مثلما كان لزاماً الإقرار بأن منطلقاتهم كانت في الأصل مختلفة، فمنهم يساريون سابقون وقوميون سابقون واسلاميون سابقون، ومنهم أيضا ليبراليون قدامى استمروا على ولائهم لفترات تاريخية سابقة شهدت خلالها بعض الدول العربية قيام أنظمة ملكية أو جمهورية ناصبت تجارب التحديث الشيوعية والقومية الاشتراكية العداء، وقلدت الدول الغربية في كثير من مناحي الحياة السياسية والاقتصادية.

وعند البحث عن معالم التيار الليبرالي الجديد، يمكن الوصول إلى النقاط الأساسية التالية:

· المطالبة بإصلاح ديمقراطي حقيقي في العالم العربي، يقود إلى نظام سياسي تعددي يضمن الحريات العامة والخاصة، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والإعلام، تماما كما يقدس حقوق الإنسان، ويؤمن بالتداول السلمي على الحكم والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء.

· الترحيب بأية مساعدات خارجية صادقة لصالح مشروع الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، خصوصاً تلك التي يمكن أن تقدمها الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

· التصدي للفكر الإرهابي وللعقائد الأصولية العنيفة، ومعاداة الأفكار الدغمائية التي تزعم امتلاك الحقيقة، والدفاع عن مبادئ النسبية والتعددية في التعاطي مع انتاجات العقول البشرية.

· الدفاع عن مبادئ الحرية الاقتصادية، والدعوة إلى تبني نموذج الاقتصاد الحر المشجع للمبادرات الفردية في تنمية الأنظمة الاقتصادية العربية، ومحاربة الفساد والتزام آليات الشفافية والحيادية في التعامل مع أطراف الحياة الاقتصادية، وإدماج الاقتصاديات المحلية في المجال الاقتصادي الدولي.

· التشجيع على تبني آليات الحوار والتفاهم السلمي في حل نزاعات المنطقة العربية بشكل خاص، والمجتمع الدولي عموماً، واستبعاد الخيارات العسكرية ما أمكن ذلك، والكف عن استنزاف ثروات الدول العربية لاشباع النزعات العسكرتارية والزعاماتية الهوجاء.

وفيما عدا هذه النقاط الآنفة، فإن القضايا الأخرى التي تعالجها أقلام الليبراليين الجدد، ليست في رأيي محل اتفاق، حيث تعبر المواقف حيالها عن وجهات نظر أصحابها، أكثر مما تعبر عن وجهة نظر جماعية موحدة، وهو ما يجب التأكيد عليه حتى لا تتخذ من بعض مناوئي الفكرة الليبرالية فرصة للهجوم عليها و تعميق حالة النفور الشعبي منها، من خلال اختزالها في المختلف عليه، وتقريبها مما يساء فهمه ومعانيه.

ومن هذه القضايا الخلافية داخل التيار الليبرالي ما يلي:



· قضية الموقف من اسرائيل وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والدولة العبرية.

· قضية مكانة الدين في المجتمع والدولة، والقضايا المشتقة من هذه القضية، كمسائل ميراث المرأة والتفسير والتأويل والفتوى واتجاهات المذاهب والجماعات الدينية.

· قضايا التعليم الديني والحجاب الإسلامي والأوقاف والمؤسسات الدينية.

إن انخراط بعض رموز الليبراليين الجدد في خصومات وصراعات تدور بالأساس حول قضايا في الفكر الإسلامي، إنما مرده اهتمام شخصي وتخصص أكاديمي لدى هؤلاء الرموز، وهو ما يجعل أفكارهم تندرج ضمن مساهمات تجديدية أو اجتهادية لاثراء هذا الفكر، ولا يمكن سحبها بالتالي على الجدل السياسي، فالاجتهاد في الفكر الإسلامي يشكل جزءاً أصيلاً فيه، مثلما يشكل المجتهدون أساس وجوده.

إن الثابت في الفكرة الليبرالية أنها مع تحرير ونقد الفكر الديني وتوفير الشروط الضرورية لممارسة الاجتهاد الديني وكسر احتكاره من قبل مرجعية معينة أو جماعة واحدة أو طائفة بذاتها، غير أن الفكرة الليبرالية ليس بمقدورها في نفس الوقت تبني اجتهاد ديني بعينه أو رأي فقهي دون سواه، حيث أن ذلك ليس من اختصاصها، تماما كما يجب أن تظل محايدة في التعامل مع مختلف الاجتهادات، متيحة في حال كانت هي السائدة سياسياً واجتماعياً، لكل فرد حرية اعتناق الاجتهاد والرأي الديني الذي يقنعه، باستثناء تلك الاجتهادات والآراء التي تسعى إلى مصادرة الحرية والعمل على فرض نفسها على الآخرين بالعنف والقوة.

وبكلمات أكثر بساطة، فإن اجتهادات الدكتور شاكر النابلسي أو الاستاذ العفيف الأخضر أو غيرهما من رموز التيار الليبرالي الجديد، في الفكر الديني الإسلامي، هي اجتهادات من صلب هذا الفكر، تمثل جزءاً من انتاجه وحراكه المطلوب، بصرف النظر عن تقييم هذا الطرف أو ذاك لها، و هي بالتالي لا تمثل جزءاً من المشروع السياسي للتيار الليبرالي في الوقت الراهن.

إن الدكتور النابلسي على سبيل المثال، إضافة إلى كونه ناشطاً سياسياً معنياً بالإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، فهو مفكر عربي بارز، وباحث أكاديمي محترم في مجال الفكر العربي والإسلامي، له أطروحاته ونظرياته ومواقفه في الإشكاليات والقضايا المطروحة على الفكر الديني، قد تكون مقنعة لبعض زملائه في التيار الليبرالي الجديد، مثلما قد لا تكون كذلك. فالمدافع عن حرية الفكر والاعتقاد، لا يمكن أن يكون داعية إلتزام جماعي برؤية نسبية، قابلة باستمرار للنقد والمراجعة.

ومن هذا المنطلق، فإن الثابت في الفكر الليبرالي العربي الجديد، هو دعوته إلى أن يضمن لكافة التيارات والعائلات السياسية والفكرية والايديولوجية، دون اقصاء أو تهميش أو مفاضلة، حق النشاط العلني والانتاج المعرفي، على أن يتوافق ذلك مع احترام هذه التيارات والعائلات لمبادئ النسبية والشفافية وهجران الازدواجية والمشاريع الشمولية والانقلابية.

و لئن كان لبعض قادة التيار الليبرالي آراء في الفكر والعقيدة والاجتهاد الديني، فإن هذه الآراء لا يمكن أن تصطبغ يوما بصبغة القداسة، ولن يسمح لها أهلها بأن تتحول إلى دين جديد يُكرّم معتنقه وينبذ تاركه، فالحياة أنماط عيش متعددة، والمبدأ الليبرالي الخالص هو أن تحترم رغبات الأفراد في اختيار أساليب عيشهم الخاصة، وأن يُحال دون رغبة أولئك الذين تحدثهم أنفسهم بامتلاك الحقيقة، أن يفرضوا بالإرهاب المادي أو المعنوي طرقهم الخاصة في العيش على الغالبية الرافضة.

إن ميزة الفضاء الليبرالي خلافا للفضاءات الشمولية، أنه يسع المتناقضات جميعها، مادام لدى أهل هذه المتناقضات رغبة في التعايش المشترك والاحترام المتبادل، وإن الاختلاف الأساسي بين الفضاء الليبرالي والفضاءات الشمولية، أن في هذا الفضاء حقا لأن يحيى الإسلاميون كإسلاميين والشيوعيون كشيوعيين والقوميون كقوميين وكل صاحب رأي كما يحدثه عقله، أما فضاءات الشموليين فطاردة لغيرهم، فالإسلاميون إذا ما حكموا ينفون ويصادرون ويعذبون، وكذا الشيوعيون والقوميون وغيرهم من المعتقدين بامتلاك الحقيقة المطلقة.

غير أن الفكرة الليبرالية تشترط كي تتحق رؤيتها السياسية والاجتماعية والفكرية، أن يعمل كل تيار على إعادة بناء نفسه، على نحو يكرس قيم التعددية والنسبية والبشرية في مشروعه، وبكيفية تقود في نهاية المطاف إلى ظهور تيارات إسلامية وشيوعية وقومية ليبرالية، تؤمن بشكل عضوي بمبادئ الديمقراطية والحرية، وترى في وجود الآخر ضرورة حيوية لها، بحيث تكون معها وجوداً وعدماً.

وإن التجربة العراقية، على الرغم من كل المشاكل التي تعترضها وتؤثر على استقرارها، إنما تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن تسلم التيار الليبرالي للسلطة، يشكل فرصة لكافة التيارات والأحزاب الوسطية والمعتدلة للمشاركة في بناء المشروع الوطني وتعزيز الآمال المستقبلية في الرفاه والنهضة، ومن هذا تمثيل كافة الاتجاهات والحساسيات الفكرية والسياسية في مؤسسات الدولة، وجعل التنافس فيما بينها تنافسا وديا سلميا مفيدا.

وبمقابل ذلك، يبرز مشروع التيارات الشمولية، الإسلامية والقومية واليسارية، التي تتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها الغامضة، مشروع حروب أهلية وفتن دموية، تظهر مؤشراتها واضحة في عمليات القتل والاختطاف والتفجير، التي تحصد أرواحاً بريئة منها أرواح أطفال وشيوخ ونساء، وتوحي في مجملها برغبة جامحة في إغراق العراق في دوامة أفغانية، وفي طموح إلى نسج تجربة طالبانية جديدة مؤسفة وحزينة.

* مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي - لاهاي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -