الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية بين أعداء السلام وأعداء أنفسهم

محمود عبد الرحيم

2010 / 12 / 19
القضية الفلسطينية


مسارعة كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى نفي الالتزام بالإعتراف بدولة فلسطينية يتم إعلانها من جانب واحد، غداة قرار لجنة المتابعة العربية رفض الدخول في مفاوضات بدون مرجعية ودون وقف الاستيطان، والتهيؤ لتحرك في مجلس الأمن، يمثل صفعة قوية لرهانات رئيس السلطة الصهيوأمريكية محمود عباس وتحركاته البائسة، ويمثل في الوقت نفسه حالة فرز واضحة لمن يقف في صف المصالح والحقوق العربية ومن يقف ضدها.
ويكشف بصورة واضحة للعيان الإنحياز الأمريكي الصارخ، ومن ورائه الأوروبي للكيان الصهيوني، ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بل وضد السلام بمفهومه الحقيقي، وليس المزيف.
ويشير بما لا يدع مجالا للشك، أنهم لا يريدون حلا عادلا للقضية الفلسطينية، وأنما إبقاء الحال على وضعيته القائمة، حيث اختلال موازين القوى في المنطقة لصالح إسرائيل، التى كانت ولا تزال رأس الحربة للمشروع الاستعماري الغربي، الذي كلما تناسينا ميراثه وجرائمه التاريخية بحق الشعوب العربية، تعيدنا مواقف رموزه إلى السجل الإمبريالي الأسود، الذي يتصدره جريمة زرع هذا الكيان العدواني وسط الأرض العربية، واستنزافه لسنوات طاقات وثروات المنطقة، وتعطيل مسيرتها نحو الاستقرار والنهضة والرفاه .
ولا شك أن توافق الاوربيين والامريكان على رفض إقامة دولة فلسطينية بصورة غير مباشرة، وإعطاء الأولوية للملف الإيراني أو بالأحرى الاتفاق على إضعاف إيران إلى أقصى درجة ممكنة، عبر التهديدات المتلاحقة والعقوبات المتواصلة، على نحو ينسجم مع الرغبة الإسرائيلية في الهيمنة الاقليمية، بالإضافة إلى التدخل الغربي الخشن والسعى لإشعال الحرائق في بلدان عربية، مثل لبنان بدعم المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري ومواقفها المسيسة المنحازة لإستهداف وإنهاك حزب الله اللبناني، رافع لواء المقاومة ضد الكيان الصهيوني، أو التواطوء لحصار حركة المقاومة حماس وتجويع قطاع غزة وإفشال مساعى المصالحة الفلسطينية، أو الضغط على النظام السوداني لإجراء إستفتاء الجنوب، الذي يتوجه نحو الإنفصال، ليصير شوكة صهيوأمريكية في الخاصرة العربية، كل هذه المعطيات تؤكد الترابط الاستراتيجي بين المشروع الإسرائيلي والغربي بشكل لا يقبل الجدل، وتوضح أن ثمة إستهدافا حقيقيا متواصلا للمنطقة العربية، وأن القضية الفلسطينية هي القربان والضحية للمصالح الصهيونية والغربية، وأنه لا تمايز بين الموقف الأمريكي والأوروبي كما نتصور، أو يردد كثيرون منا، فالرهان على كليهما خاسر، ومن قبيل السذاجة السياسية.
ويبدو أن الموقف الأوروبي، ونظيره الأمريكي المتزامنين، يريدان إرسال رسالة واحدة محددة للعرب والفلسطينيين أنه لا بديل عن التفاوض، بلا مرجعية ولا سقف زمني، ولا ضمانات، وأن الشرعية الدولية التى تسعون إليها، أو بالأحرى العدالة الدولية، مرهون بمصالحنا المرتبطة بالمصلحة الإسرائيلية، وليس في صالحنا قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، وإعادة الحق لأصحابه.
وللأسف هذه الدول هي التى تسيطر على صنع القرار الأممي، وهي التى تلعب دور شرطي العالم، فتضغط على هذه الدولة أو تلك، وتتدخل عسكريا هنا وهناك، أو تفرض عقوبات وملاحقات قانونية بحق البعض، لكن عند إسرائيل يتوقف مفعول حماسهم وسطوتهم، فهي في نظرهم فوق كل هذه القواعد وفوق القانون، وذات حصانة خاصة مستمدة من دورها الوظيفي ومبررات وجودها التاريخي، ولو أرتكبت كل يوم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على نحو يشكك في مصداقية المواقف والتحركات الأمريكية والأوروبية بشأن السلام الذي لا يعدو كونه أكذوبة أخترعوها وصدقناها، وينسف في ذات الوقت مبدأ العدالة الدولية، الذي يتم إستدعاؤه في مواقف بعينها، وكحق يراد به باطل.
الأمر الذي يتطلب وقفة عربية حاسمة، ومراجعة للاستراتيجيات القائمة غير المناسبة للظرف التاريخي ومتطلبات اللحظة الراهنة، على نحو يحفظ المصالح العربية المهددة، ولا يجعل من العرب كما مهملا يقرر مصيرهم الآخرون، ولا يضعونهم في الحسبان بهذا الشكل المقيت، وبشكل يضعهم في خانة أعداء أنفسهم، أو بالأحرى مصالحهم.
ومثلما اجتمع الأوروبيون على مستوى القادة، واتخذوا قرارات تخص قضايانا، من باب أولى أن يبادر القادة العرب إلى الاجتماع لإتخاذ مواقف واضحة بإتجاه قضية العرب الأولى، بدلا من إضاعة الوقت والجهد في صراعات هامشية، في الأغلب شخصية، بين بعضهم البعض، أو التباري في تقديم فروض الولاء والطاعة للسيد الأمريكي، كما فضحتهم وثائق ويكيليكس الأخيرة.
فلا يكفي أن تكون قضية مصيرية بهذا الثقل وبهذه التداعيات، التى تمس حاضر ومستقبل هذه المنطقة من محيطها لخليجها، وتُترك للجنة وزارية لا تمثل كافة الدول العربية، وتستجيب غالبا لرغبات جناح فلسطيني سلطوي يمثله محمود عباس، ولا يمثل كافة الشعب الفلسطيني.
كما أن الموقف العربي الأخير، وإن كان أفضل نسبيا من قرارات سابقة، فلا زال هزيلا، ودون الحد الأدنى المطلوب، إذ دقت ساعة الحسم، ولا مجال لمواربة الأبواب، أو طرق الأبواب الخاطئة.
فالموقف الآن، يتطلب إعلان تخلى العرب نهائيا عن "خيار السلام الاستراتيجي" و"مبادرة السلام" الذي ثبت بالتجربه فشله، واستنزف سنوات بلا طائل، ترافق معها تنازلات وخسائر فادحة، بسبب استهلاك الوقت الذي سمح للكيان الصهيوني بفرض وقائع يومية على الأرض.
ومن الضروري في هذه المرحلة إشعار الغرب المناصر لعدو العرب الأول أنه ارتكب خطأ فادحا، وعليه أن يدفع ثمنا باهظا من مصالحه في المنطقة على كافة المستويات، والمسارعة إلى حل السلطة الفلسطينية التى تخفف العبء عن الاحتلال الصهيوني، وتوهم الجميع أن ثمة نواة لدولة حقيقية، وأن صراع الحدود والوجود مجرد خلاف على مساحات أرض متنازع عليها، أو ترتيبات أمنية قابلة للتسوية مع الوقت وبالتوافق.
ومن المهم إحياء منظمة التحرير الفلسطينية أو إيجاد كيان بديل يعبر عن كل القوى الفلسطينية بلا إستثناء، وينهض بمهمة المقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني، بدعم عربي واسع، مع ضرورة إعادة بناء التحالفات مع كل القوى التى تعاني من سياسة الكيل بمكيالين والظلم والاستغلال الغربي في العالم، والمناصرة للحقوق العربية والحق الفلسطيني بشكل خاص، وفي مقدمتها إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية.
وإن كان من بد للذهاب إلى الأمم المتحدة، فليكن إلى الجمعية العامة، وليس إلى مجلس الأمن، الذي يعد بمثابة ناد للقوى الاستعمارية المناهضة لحقوقنا، ولتكن هذه الخطوة تتجاوز مسألة وقف الإستيطان، إلى طرح القضية برمتها، والسعى لإعتراف دولي وفق المرجعيات الدولية، يكون له مردود على الأرض، ولا يمثل قيمة رمزية فقط، لكن هذه الخطوة لن تكون ذات جدوى، إلا حال تغير موازين القوى، وقيام العرب بإستحقاقاتهم تجاه أنفسهم ومصالحهم، ووقف الإرتهان لواشنطن، فلا أحد يحترم الضعفاء، ولا يسمع لغير لغة القوة والمصالح، فهل ثمة إمكانية لهذا التحول التاريخي، والصحوة العربية، والتحرر من وضعية المستعمر التابع، التى لا تزال قائمة بعد سنوات من زوال حقبة الاستعمار التقليدي؟
*كاتب صحفي مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية