الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيون وآذان جهاد الخازن وأخطاء علاوي

كريم كطافة

2004 / 9 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


عيون وآذان الأستاذ الكبير جهاد الخازن، كانت على الدوام حادة ومرهفة في التقاطها لتلك المفارقات والأخطاء التي يقع فيها الحكام العرب على وجه الخصوص. يتبلها ببهار لغته الجميلة السلسة وسخريته المؤدبة إنما اللاذعة أحياناً ليقدمها لقارئ جريدة (الحياة) محطة استراحة مطلوبة، حتى أن الكثيرين وأنا منهم اعتدنا أن نقرأ الجريدة من الخلف حيث عمود الخازن. الأمر الذي جعل الكثير من الحكام العرب يخشون الرجل حقيقة، ويحاولون التقرب منه بصداقات أو ما يشبه الصداقات عبر علاقات شخصية إنسانية أجدني لست معنياً بها هنا. مع أن ا لخازن نفسه كثيراً ما يفرد لتلك الصداقات حيزاً في عموده يكبر أو يصغر تبعاً لأهمية هذا أو ذاك من المسؤولين الذين ارتبط بهم بعلاقات شخصية. أذكر مرة أنه قال: ذهبت إلى أحد فنادق العاصمة السويسرية ملبياً دعوة من الأمير حمد بن جاسم آل ثاني وزير خارجية قطر (أرجو أن لا أكون قد أخطأت في الاسم، لأن أسماء هذه العائلة متشابهة جداً)، وعند مكتب الاستعلامات وقف (الخازن) حائراً أمام سؤال الموظف، أيهم تريد مقابلته بالضبط يا سيدي: أجابه: لدي دعوة من الأمير: رد الموظف: لكن الكل هنا أمراء: أوضح: أقصد الأمير آل ثاني (مقدماً اللقب على الطريقة الأوروبية) أجاب الموظف: لكن، كلهم هنا آل ثاني يا سيدي..!! واضح أن آل ثاني في ذلك اليوم البعيد كانوا قد – حوسموا - الفندق برمته (حوسم من حوسمة من حواسم، وهي اشتقاق عراقي قح متداول الآن في الشارع العراقي وأتحدى أي عربي أن يفهمها كما يفهمها العراقي). ربما هذا نموذج على الطريقة التي يتناول فيها الخازن صديقه موضوع العمود والذي سيكون ضحيته في تفاصيل العمود.
في عدد جريدة الحياة ليوم 19/9/2004 كان ضحية عمود الخازن هذه المرة رئيس الوزراء العراقي الدكتور (اياد علاوي). كان عنوان العمود (أخطاء علاوي). لم يقل هذه المرة أنه صديقه، ربما لقصر المدة، إذ لم يتسنى لـ(علاوي) نسج علاقات صحفية معه بعد. لكنه قال: (انني أؤيد الدكتور علاوي في عمله, وأرجو له النجاح, وأعتقد بأنه أكثر القادة العراقيين الحاليين قدرة, الا أنني أعرض الوضع العراقي كما أراه, لا أكثر ولا أقل). ثم دخل في صلب عنوان موضوعته (أخطاء علاوي)، مزيحاً من أمامه أخطاء الأمريكان وهي كثيرة وأخطاء العرب التي وجد الحديث عنها مضيعة للوقت. بدا لي كقارئ متابع للخازن أنه سيشرشح رئيس الوزراء العراقي أيما شرشحة، خصوصاً وأن الرجل يعمل حقيقة في وضع سياسي أقل ما يقال عنه أنه غير مستقر بعد. لكني فوجئت بعد القراءة الثانية للعمود وبعد التمعن أن (الخازن) خرج من عموده خالي الوفاض هذه المرة، لم يصطاد لنا ولا خطأ يمكن احتسابه خطأ على (علاوي) شخصياً. عندها حقيقة دهشت؛ أمن المعقول لا توجد أخطاء لـ(علاوي) غير هذه التي ذكرها الخازن على أنها أخطأ وهي ليست كذلك. حتى سألت نفسي هذا السؤال البرئ: يا خازن الله يخزن لك شاليه في الجنة لماذا عنونت مقالك بهذا العنوان الاستفزازي لأي بشر ما بالك برئيس وزراء.!؟
وجدت أن كل الذي اصطاده من أخطاء الرجل هي ثلاثة لا غير وهي كما قالها بعظمة لسانه: (ما كاد الدكتور اياد علاوي يتسلم رئاسة الوزارة في العراق حتى أخذ يتحدث عن تأجيل الانتخابات, ثم أعطى نفسه صلاحيات لإعلان قوانين طوارئ, وأغلق مكاتب تلفزيون الجزيرة.) مضيفاً لها الخطأ الثالث الجسيم: (الدكتور علاوي يحكم من دون غطاء دستوري, فقانون الادارة الانتقالي, او الدستور الموقت, انتهت صلاحيته في 28 حزيران (يونيو) عندما انتهت السلطة المؤقتة للتحالف وتسلم العراقيون الحكم.). ثم يغوص في أخطاء الأمريكيين وهي ليست أخطاء علاوي على أية حال، ليصل بطريقه إلى السيد (أحمد الجلبي) ويقول أنه يجد (علاوي أفضل من الجلبي)، لكن لم يوضح لماذا. حقاً، لماذا علاوي أفضل من الجلبي يا خازن، هل تقصد أن علاوي هو أحلى من الجلبي مثلاً؟ بالعكس أنا أجد ا لجلبي أحلى من علاوي على الأقل صلعة الجلبي موديل وهي تصلح صلعة لرئيس جمهورية وليس رئيس وزراء فقط وهو بالتالي أرشق من علاوي لأن لديه بداية كرش فقط وليس كرش كامل النمو كما هو كرش ا لدكتور علاوي. ثم ينتهي الخازن أخيراً من أخطاء علاوي بالعروج على القصة إياها أن علاوي كان يعمل مع 15 جهاز استخبارات في العالم. وهذا ليس اكتشاف الخازن، هذا بالضبط ما قاله علاوي بعظمة لسانه، قال، وكان يريد وضع اصبعه في عين الصحفي الذي بدا مزهواً بنفسه ومشاغبته: لعلمك أنا عملت مع 15 جهاز استخبارات في العالم، فقط لأنقد شعبي من الطغيان. هل بعد هذا من مسكة على الرجل..؟
أقول إذا كانت هذه هي كل أخطاء علاوي، فيا سيدي العزيز (عشيرة شمر بخير ولا ينقصها لا الطعام ولا الخام هذه المرة). لأن قانون إدارة الدولة العراقية والذي هو بمثابة دستور العراق المؤقت الآن، بدأ العمل به تحديداً بعد انتهاء سلطة التحالف ورحيل (بريمر) وسيستمر العمل به إلى حين انتخاب حكومة دستورية وهذا مثبت في بابه الأول في الفقرة الأولى. كما هو واضح أن الرجل يحكم بغطاء دستوري الآن وليس مكشوفاً كما عرضته لنا. أما رأيك أو رأيي أنا في هذا الدستور المؤقت وهل هو أفضل من دستور صدام المؤقت أم لا، فأعتقد أن هذا لم يكن موضوعك في عمود أخطاء علاوي، ثم أن القانون كان ثمرة عمل مضني لجمهرة كبيرة من القانونين العراقيين على مدى شهور طويلة مدعومين من أعضاء مجلس الحكم السابق وهم كلهم عراقيون، عدا أنهم كانوا يمثلون الطيف السياسي العراقي المعروف حتى ذلك الحين. الخطأ الثاني الذي مسكته على الرجل هو إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد. يؤسفني القول، ما كنت أتمنى لك الوقوع في هذا المطب، لأنك الأعرف والأدرى يا سيدي أن الحديث لم يكن يدور في هذه القضية حول حرية الصحافة والصحفيين، باختصار، الحديث دار وما زال يدور حول قضية أخرى تنتمي إلى الجريمة وليس إلى الحرية بكل أشكالها، هذه القناة قامت بدور إجرامي بحق الشعب العراقي وهي للأسف ما زالت مستمرة عليه، ولدى الحكومة العراقية الحالية أطنان من الوثائق التي تدينها وتدين غيرها كذلك، لكنها وللأسف مرة أخرى لم تفعل ما كان يتمناه العراقي منها ألا وهو نشر الغسيل القذر على الملأ. هذا من جانب الحكومة والمحاكم، أما من جانب المواطن العراقي البسيط مثل حالي، كان الأمر لا يحتاج إلى وثائق تدين هذه القناة، لأن وقائع عملها اليومي وطريقة تعاطي مراسليها ومذيعيها ومقدمي برامجها للمأساة العراقية تدينها، من المساهمة المادية المباشرة في تصوير عمليات تفجير وجرائم خطف هذه الجماعات وصولاً إلى جعل شبكة اتصالات القناة شبكة للإرهابيين يتصلون فيما بينهم ويوجهون بعضهم عبر مراسلي القناة بشفرة من السهل الاهتداء إليها. لو سألت المواطن العراقي حول رأيه بهذه القناة وكل القنوات العربية الفضائية العربية، لقال لك؛ ببساطة نمنعها كلها وننتهي من هذا الجرب، لكن الحكومة حاولت وما زالت تحاول أن تكون حضارية ومنفتحة حتى مع هؤلاء الذين فهموا الحرية على أنها حرية في الإجرام. هل رأيت يا سيدي الخازن حكومة في العالم لا تمتلك قناة تلفزيونية واحدة تعبر من خلالها عن وجهات نظرها وتغطي نشاطاتها في وقت يزدحم الفضاء العربي بأكثر من 22 قناة فضائية عربية وعلى رأسها الجزيرة كلها تطبل وتزمر لأعداء هذه الحكومة من فلول المسخ الذي يسمونه (المقاومة الوطنية)، هل هذا عدل..؟ وهل هو خطأ أن يُغلق فم من هذه الأفواه المفتوحة بسمومها على العراقيين..؟ هذا على الرغم من أن هذه القناة المعادية للعراقيين ولمستقبل العراق (الجزيرة) ما زالت تبث من بغداد وتغطي أنشطة الإرهابيين من تصوير ودعاية وتمويه وتشويه محولة الضحايا المدنيين المتساقطين في الشوارع بالعشرات إلى عملاء والإرهابيين المجرمين إلى مقاومة وطنية دون أن تجد من يردعها. أما الخطأ الثالث الذي دمغت به رئيس وزرائنا الحديث جداً على مهمته رغم جسامتها هو تأجيل الانتخابات وإعلانه حول النية في تطبيق قوانين طوارئ في بعض المناطق. فيا عجبي أنك ما زلت تتذكر كلمة قالها مرة واحدة في بداية تسلمه المسؤولية وقالها على شكل احتمال والاحتمال ممكن أن يكون وممكن أن لا يكون، وتنسى ما يصرح به يومياً تقريباً من حرصه على تنفيذ أمر الانتخابات في موعدها. ثم من هي هذه الحكومة التي تريد منها مواجهة هذا الشكل من الانفلات الأمني الذي خلفه لنا الأمريكان دون أن تعلن حالة الطوارئ، لماذا الطوارئ مفهومة في سوريا منذ أربعين سنة وليست مفهومة لو طبقناها على مدينة أو مدينتين في العراق..؟ أما إذا كنت تجد أمر تأجيل الانتخابات خطأ علاوي.. طيب ها هي كل فلول البعث والسلفية لا تعترف بالانتخابات أصلاً وليس بموعدها فقط، وهي تعمل جاهدة منذ الآن لإفشال هذه التجربة. لماذا لا تضع اللوم عليهم، ما دامت الانتخابات وفق وجهة نظرك الحضارية وهذه لا أشك فيها أنها الطريق الوحيد المضمون والسليم لأي شعب من شعوب منطقتنا المبتلية بفايروس الإرهاب والطغيان.
أخيراً، أوجه لك اللوم، لأنك لو سألتني أنا المواطن العراقي البسيط قبل كتابة موضوعك ومن باب تهيئة المادة اللازمة لعمودك، لزودتك بالكثير من أخطاء علاوي التي لم تعرفها وأخشى أنك لا تريد أن تعرفها كذلك.
نعم، يا سيدي العزيز لرئيس وزراءنا أخطاء كثيرة وهذا يحصل لأن الرجل يعمل، الوحيد من لا خطأ له هو الساكت الصامت المنتظر في مكتب حزبه لنتائج الأحداث ودوران الريح ليميل معها حيثما تميل. الرجل لا يعمل حتى في ميدان عمل سياسي طبيعي، بل هو يعمل لو صح القول في وحل سياسي.. من هذا الذي يعمل في ظل هذه الفوضى التي خلفها لنا الاحتلال بسياساته الرعناء مضافاً لها التدخل الوقح لدول الجوار ولا يخطأ؟ لم تكن آخر أخطائه تلك الفوضى التي تسببت بها تصريحات وزرائه حول حادثة اعتقال المجرم عزة الدوري.. هذا خطأ يحسب عليه أنهم لم يضعوا سياسية إعلامية واضحة لهم على الأقل.. كذلك وارتباطاً بهذه الخطأ هو لم يلتفت لأهمية أن تكون للحكومة العراقية في الظرف الراهن وسيلة إعلام تلفزيونية فضائية، كجزء لا يمكن الاستغناء عنه من مشروع مواجهة والقضاء على الإرهاب والإرهابيين والرد على نفاق ودجل وكذب قنوات الخراب العربي على طول الزنزانة العربية من الماء إلى الماء.. من أخطاء علاوي يا سيدي سماحه لهذا العدد المخيف من البعثيين يتسللون من جديد إلى ذات الوظائف التي كانوا عليها قبل السقوط.. الأمر الذي دفع أحد أعضاء المجلس الوطني في أولى جلساته إلى التشكي من أمر وزارة الداخلية حين قال: لا ينقص وزارة الداخلية الآن غير وطبان الحسن لتكتمل الصورة. أظنك تعرف من هو وطبان الحسن..؟ من أخطاء علاوي أنه أظهر لجماعات الإرهاب الفلوجي وغير الفلوجي جانب اللين والاستعداد للتنازل، الأمر الذي جعلهم يصدقون أنهم قادرين على حرف مسار الأحداث إلى الوجهة التي يريدونها، عبر زيادة الضغط على الحكومة بالتفجيرات العشوائية واستهداف البنية التحتية الخدمية للمواطن.. وها هي النتيجة كما تراها وتسمعها كل يوم استهداف متعمد للمدنيين وخطف المدنيين وضرب خطوط الكهرباء والنفط.. بينما هو (علاوي) يعرف قبل غيره أن هذه الجماعات لم تعرف في حياتها غير الترهيب ثم الترهيب ثم الترهيب.. هذه هي الوسيلة الوحيدة التي حكموا بها البلد على مدى أربعين سنة، كان من العدل أن يتذوقوا من ذات الكأس الذي سقوا به الشعب العراقي.
22/9/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو