الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصائد مستعملة

رحمن خضير عباس

2010 / 12 / 20
الادب والفن


قصائد مستعملة
بقلم رحمن خضير عباس
صدرللشاعر العراقي خالد خشان مجموعة شعرية ,تحت عنوان قصائد مستعملة . وهي المجموعة الثالثة بعد "طفولة آدم" و"سيرة الطائر الوحشي" . والشاعر من محافظة ذي قار / قضاء الشطرة . نشر اغلب قصائده في صحف ومجلات عربية وعراقية .
نال عضوية اتحادالأدباء والكتاب عن جدارة .قيل ان صديقا استفزه بقوله . كيف تكون اديبا وانت مجرد عامل ميكانيك ؟ استشاط
الشاعر غضباً .ذهب الى اتحاد الأدباء ,وسلمهم بطاقة العضوية, منحازا الى الكدح اليومي الذي يشكل عرق الحياة . ومع ذلك فقد بقي موائما بين سحر الكلمة وطهر العمل . مزاوجا بين افتخاره كعامل وكشاعر ,في ملحمة الحياة التي تفرض صراعا غير محدود من اجل البقاء. وفي تلك الحظة من التحدي , افتخر بانه شاعر كوني . واظن انه يعني الأنتماء الى الأنسانية . وليس بدافع الأفتخار بالريادة. لم يكن خالد شاعرا مشاغبا , بل يدرك مايقول ويدرك ايضا سمو رسالة الشعر .حيث ينحت الكلمات وينفخ فيها الحياة . ولعله من المفيد ان نمر بشكل سريع على مجموعتيه "طفولة ادم" و "سيرة الطائر الوحشي" . فهو ينتهج قصيدة النثر التي تناى عن انسيابية الشعر , وتتمرد على نظام تفعيلته , وتفتقر الى موسيقاه . وفي هذه المشقة من الكتابة يصر الشاعر على معانقة حرفة الشعر . فاذا اردت ان تبحر في معاني القصائد , فانك تنسى بناء الشعر من الناحية المعمارية , وتنشغل بتاسيسه الذهني الذي يقوم على بناء فكري مجرد . شبيها بلوحات تجريدية ,تكتنز المعاني , لكنها لا تهب اسرارها بسهولة . قصائده تكشف عن منابع اخرى لصور شعرية حافلة بالحياة .
من خلال استنطاق القصائد في مجموعتيه السابقتين . نجدهما تحملان هموماً شتى ومعاناة مختلفة , فها هو يحاط بفزع السلطة الرهبانية , كرؤية افتراضية لأشكالية الخلق . ومحنة الجبر باعتبار ان الأنسان مجبر ومقيد . يحاول ان ينتزع هذه الأغلال التي تصٌفد فكره وتبعده عن مباهج الحياة . الشاعر يتحدى بلغة رافضة ,غير خانعة وهو يستعرض الموت خلال حرب السنوات الثمانية العجاف .حيث احترق الضرع والزرع , وحيث تلاشى حلم الشاعر بعودة الحياة الى منابعها .
كره الشاعر الحرب . كره مايحيط بها , من صخب وشعارات وانتصارات مزعومة . كانت الهزيمة هي قدر الشاعر وقدر جيله , حيث تتحول بغداد الرائعة الى تابوت للموت , والقلب يتوزع في معادلة غير مفهومة ما بين التسامح والمحبة وما بين العنف المتدفق في كل الأتجاهات . الأغتراب يؤطر الصورة المهيمنة على شعره .لكنه لايجعل منه و عاءا للموت والأندثار . بل ثمة امل رغم الخيبة الهائلة .
تعد قصيدة فاطمة من اكثر القصائد قدرة على الأفصاح عن تفكك الروح والتفافها بفرديتها . فالأنسان فرد ضئيل لاحول ولاقوة لديه , وفاطمة توزع الورد للأموات لأن الأحياء (لايمتلكون فتنة الموت ) .لكن الموت يلتهم فاطمة وهي توزع البشارة على العابرين .لقد كانت قصائده تعج بمفردات الحرب والعنف والقتل والأنفجارات . كما تعج ايضا بالمحبة والمراة والخصب والأنوثة والطفولة . تلك التي يلوذ بها من عنف الزمن واوجاعه .
(ولأني احلم بالموج
تستكين عربات حزني ,فالوذ بطفولتي )
اما قصيدة صباحات الجنود . فالحبيبة طيف . فرغم الملاجيء الشاحبة فان صوتها يضيء العتمة . وكأنه يتحدى رائحة الموت في حرب جامحة . تصبح الحبيبة طيف وعزاء وسر بقاء في حرب ليس فيها سوى الفزع
(تلك هي روحي الوجلة .علمها الجنوب الهوى
وعلمتها الحروب الفزع )
كانت قصائده لافتات ادانة لحرب منسية . يحمل هذه اللأفتات شباب يائسون . يتسلقون احلامهم بلا جدوى , وهم يعيشون عوالم خرافية من الألم واللوعة .
لم يبق له سوى (ان يتسلق قبره ويحمل راية ممزقة للعويل )
اما طيف الحبيبة فقد اصبح لازمته التي تتكرر في اغلب القصائد وتمر عليه مسرعة كالشظايا . لقد عبر لنا عن تأزمه وقد جاءت قصائده معبرة عن جيل متأزم . تعمقت الحرب في وجدانه المشحون بالياس .
(انهض من موتي و اسحب جثتي خلفي )
اما في مجموعته الجديدة "قصائد مستعملة " , فقد استخدم خالد خشان اسلوبامختلفا .وكأنه ينتقل الى مرحلة اخرى في مساره الشعري . فقد لجأ الى الجملة القصيرة واصبحت الكلمات اقل خشونة واكثر اشراقاً .وهذا ربما يعود الى اختلاف الظروف الموضوعية . حيث اسدل الستار عن ابشع مرحلة تأريخية . وبدأت مرحلة اخرى . هي مزيج من الحرية والفوضى وتشرذم المجتمع ونشوء تكوينات حزبية وعرقية وطائفية.حيث الوطن يعيش في متاهة لانهائية .وكانت قصائد مستعملة تتصارع لكي تقدم نفسها . كافراز ادبي يعكس بعض جوانب المرحلة . ولكنها لم تفلح في الأقتراب من العمق , وظلت تحوم حول الحياة اليومية المطرزة بالضجر والأمنيات المكبوتة . ومع ذلك فقد قدمت لنا قصائده حالة الضياع >لشرائح اجتماعيةمهمشة . وهذا يمثل الكثير من القصائد القصيرة . التي حفلت بها مجموعته . وكانت تلك القصائد بمثابة لقطات فوتوغرافية . تمثل حالة الأنكفاء على الذات , التشرد في المقاهي , التهميش . ولكنه توغل في اللحظة العراقية المخضبة بالعنف من خلال مرثيته لشهيدة الأنسانية مارغريت حسن . حيث يدين القتل , ويعلن براءته من القتلة , كما يصف عمق الشجن الذي تركه استشهادها . تلك الطاهرة التي افنت حياتها من اجل اطفال العراق.
(كيف استل الأجلاف الواحك
واقاموا صليبك
عميقا كان جمالك ,ونحن الندم المر الذي يسيل من فوق المصطبة
ويغطي الورق المتساقط من صفصاف غيابك )
لقد حفلت هذه المجموعة بصور كثيرة لسقوط النظام ,للعنف والتشرد ,للحنين الى من رحلوا ضحية للأرهاب .وصور اخرى مختلفة في فحواها . ولكنها تمثل رؤية شعرية لشاعر يرقب ماحدث عن كثب .
كما حفلت بهموم ذاتية , مستعينة باساليب لاتخلو من الجراة في الطرح وكأنها تدخل في متاهات الغموض :
(هزي اليك بنياط القلب ,تتساقط عليك اعقاب سجائر
وقناني خمر , وقصائد مستعملة ) . وقد تكون هذه القصيدة انعكاساً لموقفه من كتابة الشعر . لذالك فاختياره لها كعنوان لمجموعته ,لم يات اعتباطا .
للمرأة في هذه المجموعة مكان فسيح .وكأنه يرسد البوح من خلالها , بكل اصناف الحرمان التي يعيشها مجتمع ذكوري . لايعرف عن المرأة الا جسداً عصياً على الوصول . الشاعر يغرق في نصه ,ويمنح نفسه فضاءاً كبيرا لأكتشاف الجسد والأبحار بين امواجه ,دونما حواجز .والمراة خارج الثالوث المقدس مرة . وهي الحلم مرة اخرى . وهي السفينة التي تحمل كل اوجاع الجوع الجنسي , وهي خيال رومانسي (قطرةمن روحك على روحي ) . ان هذا الهيام سرعان ما يتلاشى . فتتحول المرأةالى حاضنة للرغبات المكبوتة (كم تلقفنا في العشب المحاذي لساقيك ) او (هذا الوجع المخبوء تحت القميص .في السيقان وفي الأرداف) . أن الألتصاق بالجسد والحديث عن مسراته . يعبر عن حالة من العطش الجنسي لدى الكثيرين والشاعر قد عبر بصدق , وبجراة في مجتمعات صارمة . ورغم ذلك فانه لم يبتذل الجسد بل جعله حلما انسانيا رائعا (كنت الهث عند ضفاف الخاصرة
عندما عبرت غابة الياقوت
كي اقطف ورد النهد )
وخالد خشان شاعري في رؤاه . ورغم انه اعتمد على قصيدة النثر , اسلوبا ونهجا الأ انه يقترب من جمالية الشعر الحر وثراءه . لكنه لايتورع ان يطوع مفرداته لتؤدي معان متشابكة , بعضها عصي على الأدراك وبعضها يسيرة وسهلة . وهو يوظف المفردة الدارجة لخدمة الفكرة . (لئلا ينفتق سوتيانك ) .
وفي احيان اخرى يستعير مفردات غير منسجمة والواقع الجغرافي . فرغم انه ابن الجنوب .لكن بعض المفردات غريبة على تضاريس ذلك الجنوب , مثل البحر ( وكان البحر يقظم موانئه ) او ( ان الريح تتوسل بالبحر ) . وكذلك الحانة , مراكب , موانيء . وقد يعود ذلك الى ثقافة الشاعر وكثرة قراءاته . ولكي تكون القصيدة عميقة . فلابد ان تترجم الواقع بابسط تفصيلاته .
لدى الشاعر الكثير من المخطوطات التي تنتظر الطبع . ولديه القدرة على تطويع شعر جديد يتغنى بافراح – ربما – اتية .

اوتاوة نوفمبر 2010












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??