الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيوليت والبكباشي رواية تراهن على كشف المسكوت عنه في ثورة يوليو 1952

هويدا صالح

2010 / 12 / 20
الادب والفن


فيوليت والبكباشي رواية تراهن على كشف المسكوت عنه في ثورة يوليو 1952
هويدا صالح ـ القاهرة
جدلية العلاقة بين الرواية والتاريخ شغلت الكثير من النقاد ، ولأن التاريخ سرد لأحداث الماضي التي وقعت، وتسجيل لأحداث الحاضر التي تقع، فإن المؤرخين، يحاولون كشف الأحداث و والحقائق معتمدين على الوثائق والوقائع في رواياتها المختلفة ، متخذين من الموضوعية المنهجية وسيلة لذلك ، لذا فالتاريخ من هذه الزاوية علما من تلك العلوم الإنسانية التي تحاول كشف نشاطات الإنسان ومواضعته في الزمان والمكان ، محاولا التزام الموضوعية والحيادية ، وإن كان ذلك من الصعب بمكان لأن المؤرخ لا يستطيع أن يفصل نفسه وأهواءه الشخصية كلية عما يؤرخ له .
أما الرواية فهي سرد تصويري، رمزي بالضرورة، لأحداث التاريخ الماضي، وذلك من خلال وجهة نظر لا تفارق الذاتية في تشكيلها، ويستطيع الكاتب من خلال تشكليه السردي التخييلي أن يخلّق الشخوص والأحداث ،وحين يحاول أن يستلهم التاريخ ، تصبح أحداث التاريخ وشخوصه خلفية معرفية ، وتقترب الرواية ، أي رواية تستلهم التاريخ من تلك الأحداث وتبتعد بقدر ما يريد المؤلف لها ، ويصبح التخييل هو الرهان الأكبر ، فحتما المؤلف لا يراهن على الواقعية الشديدة للأحداث ، ولا الصدق المحض ، وإلا صار العمل سردا تاريخيا وليس سردا روائيا .
وهذا ما فعله الروائي عمرو كمال في روايته الأولى التي صدرت مؤخرا ، فقد قارب من خلال هذا العمل الإشكالي أحداثا تاريخية وقعت منذ قريب ، بل ونحصد نتائج تلك الأحداث الآن ، فهي أحداث شكلت لحظتنا الراهنة ، وأظن سيظل لها الأثر البعيد في تشكيل حيتنا في المستقبل ، هي رواية " فيوليت والبكباشي " . جاءت الذات الساردة في النص مهمومة في المقام الأول بكشف المسكوت عنه في حقبة تاريخية خلافية في التاريخ المصري.
أظن هذه الحقبة التي تكشفها الرواية ،وأقصد بها ثورة 23 يوليو ،هي اكثر حقب التاريخ المصري جدالا والتباسا ، ما بين مؤيد ومتحمس لها ، ويراها أنها خلصت الأمة المصرية من قبضة الملكية وقبضة المحتل معا ، وما بين رافض لها ويرى أنها سرقت مصر ،سرقت الأمة المصرية لصالح مجموعة من الضباط الأحرار ،سيطروا على مقدراتها ، ونهبوا خيراتها .
هذا ما تراهن الرواية عليه منذ البداية ،فبطل الرواية هو أحد ضباط الصف الثاني من الضباط الأحرار الذي ساهم في صناعة ثورة يوليو ، والمؤلف فيما يشبه السيرة الذاتية يضع سارده في موضع الكشف للحدث،فهو أحد صناعه .
وعن طريق الراوي العليم المهيمن على مقدرات السرد نجد السارد يكشف عن دور يوسف عبد الرحمن أحد ضباط يوليو في الثورة ، وكيف أفاد منها وعلاقته بفيوليت التي تصدرت عنوان الرواية .
أظن أن أسئلة الكتابة التي أراهن عليها منذ البداية كثيرة ومتعددة ،فأولها هو الفساد الانحلال الذي غرق فيه بعض ضباط ثورة يوليو وقهرهم الفاشي لمعارضيهم واستيلائهم على خير ات البلاد ومقدراتها ،وليس أدل على ذلك من القرار الذي منحته الثورة لضباطها،فاستولوا على قصور وشقق ليست من حقهم ،فنجد يوسف عبد الرحمن رغم أنه ضابط من الصف الثاني للثورة قد أخذ شقتين بالغ الكاتب في وصفهما وقيمتهما المادية والجمالية ،فيعطي واحدة لأسرته الشرعية والثانية لعشيقته :" قرأ القائمة بالشقق المتاحة بعيون تلمع بالنهم واختار شقة في الزمالك ليسكن فيها تطل من ناحية على النيل ومن ناحية أخرى على نادي الجزيرة ..واختار شقة ثانية مكونة من أربع غرف وصالة تطل على البحر مباشرة في مدينة الإسكندرية وتجاور فندق ويندسور بوسط المدينة " .
المسكوت عنه الثاني أن القيادة العليا في الثورة قد اشترت سكوت الضباط الأحرار وأعطتهم معاش الوزراء حتى تضمن ولاءهم للأبد ، وحتى يظلوا طوال الوقت أيدي الثورة التي يضربون بها على يد كل متمرد .
ويأتي أهم الأسئلة صعوبة والتي يطرحها الكاتب هو شرعية استمرار هؤلاء الضباط في حكم البلاد ، وأهمية أن يعودوا للثكنات بعد أن أدوا مهمتهم على أكمل وجه ، وهذا السؤال في الحقيقة هو الأهم ،فالعسكر مازلوا يحكمون البلاد حتى الآن ،وحين طالب البعض الجيش بالعودة إلى ثكناته بعد أن ذاق ضباطه حلاوة الانتقال الطبقي ،وتنعموا برفاهية الطبقة التي خلعوها من مصر يرفضون بالطبع أن يعودوا للثكنات ، وأن يعانوا من الحياة العسكرية بعد ذاقوا طعم الحياة المدنية ورفاهيتها : " اختارت المظاهرات في الشارع محمد نجيب ،ورفعت شعارات الديمقراطية وإعادة الحياة النيابية وعودة الجيش إلى الثكنات ... نسيب العز والسلطة وتتوزع كل شوية ما بين وادي حوف والهايكستب والسلوم والعريش؟.. لا يمكن ده يحصل .. مش ممكن نستسلم بسهولة كده ..بلا ديمقراطية بلا كلام فارغ ."
إذن الكاتب يكشف المسكوت عنه ، يكشف حرص الضباط الأحرار على مكاسبهم وعدم رغبتهم في التنازل عنها بسهولة ،فهم يعتقدون أن لهم الحق في هذا البلد ،فهم الذين خلصوه من الملكية التي استغلت المواطن المصري ،ليصبحوا هم أيضا استغلالا جديدا يقع على عاتق ذلك المواطن :" يعني كانت الديمقراطية حلوة قوي قبل الثورة ؟ شوية باشوات كانوا واكلين كل حاجة ..حد كان يقدر يعمل قانون الإصلاح الزراعي، ويحدد الملكية ويوزع الأرض على الفلاحين إلا الجيش؟ إلا القوة والخوف من الاعتقال والرصاص.. كانت الديمقراطية هاتنصف الفلاح؟" .

ولم يقتصر الفساد على الحياة العامة فقط ،بل انتشر الفساد في الحياة الخاصة فقط حيث انخرطت سناء زوجة يوسف في لعب القمار في شقة مدام كامليا التي تسكن معها في نفس العمارة ، وقد فتحت مدام كامليا منزلها للعب القمار وسهرات المزاج : " ... وإذا كان النظام الثوري قد أغلق كازينوهات القمار وأنشطة المراهنات ،فإن شقة مدم كامليا اعتبرت متنفسا ممتازا ومكانا فاخرا وأنيقا لنوعية برجوزاية تريد أن تلهو بنسائها ورجالها " .
ولم يقتصر الأمر على هذا اللهو فقط لندلل على فساد الحياة الخاصة بعد الثورة بل تحول بعض الضباط إلى تجار ،يتاجرون بمناصبهم في كل شيئ ويكسبون من كل شيئ حتى أن يوسف عبد الرحمن يندم على العمل مع بطله الذي يعشقه جمال عبد الناصر ،بل ويتمنى أن يعمل مع المشير عبد الحكيم عامر ،فكل من يعمل معه ينال ما يريد من مكاسب مادية : " عندما وضع سماعة التليفون تعجب من أن البعض من الضباط الأحرار تحولوا إلي تجار، ورغم حبه لجمال عبدالناصر فقد شعر بالندم لأنه لم يلتحق بالعمل في معية المشير، فهو بحبوح وكل رجاله اغتنوا من العمل معه، حتي الصولات في مكتبه تاجروا في أذونات الحديد والأسمنت، ومن جاور السعيد يسعد" .
ثم تنتهي الرواية بأن يتزوج يوسف عبد الرحمن من ضباط الصف الثاني في الثورة من عشيقته الفلسطينية فيوليت ، وكأن الكاتب يريد أن يعلن أن الفساد والانحلال الأخلاقي الذي طال الكثير من رجال الثورة قد اتخذ صفة الشرعية ، ولا ننسى دلالة اختيار العشيقة من أصل فلسطيني ، فهذه فلطسين الذي أنفق الكثير من ضباط الثورة حياتهم للدفاع عنها ،بل وهزيمة 1948 كانت أحد أهم محفزات الثورة تتحول إلى عشيقة رخيصة في النص السردي فيوليت والبكباشي ، وايضا لا ننسى أن لقب البكباشي مقصود تماما فلم يستخدم الكاتب لقب العقيد الذي هو مساوي للبكابشي ،بل قصد حتما حتى ينصرف الذهن إلى البكباشي الذي التصق بجمال عبد الناصر قائد الثورة الحقيقي ، وكأن الكاتب يريد أن يماهي بين صورة بطله الضابط يوسف عبد الرحمن ، وصورة زعيم الثورة ،فإخفاقات الثورة تحسب على البكباشي الحقيقي ،كما تحسب على ضباط الصف لثاني .
ولأن أسئلة الذات التي تكمن وراء الكتابة هي التي كانت تهم الكاتب كثر من الحرص على التجريب في السرد أو اللغة ،فالرواية كلاسيكية من حيث البناء الدرامي للشخصيات والأحداث ،كما أن اللغة فيها جاءت سلسلة لا تغامر بالتجريب أو التكثيف أو الشعرية.
الكتاب : "فيوليت والبكباشى "
المؤلف: عمرو كمال حمودة
الناشر: دار "هفن" للنشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!